صدرت تحذيرات أوروبية للقادة اللبنانيين من التأخير في انتخاب رئيس جديد للبلاد، مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، منتصف ليل الاثنين-الثلاثاء، والتنبيه من انعكاسات الفراغ السياسي على لبنان اقتصادياً واجتماعياً، وسط تلويح مرّة جديدة بـ"عصا العقوبات"، علماً بأنها لم تنجح سابقاً في الضغط على المسؤولين الذين يواصلون صراعهم على السلطة وممارسة سياسات هدّامة.
وبدأت اليوم مرحلة فراغٍ جديدة على الساحة اللبنانية الرئاسية، موصولة بصراع سياسي على صلاحيات رئيس الجمهورية، في ظل الشغور الرئاسي، والجهة المخوّلة تسلّمها لحين انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بعد عجز المسؤولين عن تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، وسط رفض فريق عون السياسي انتقالها إلى حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي، وتلويحه المستمرّ بالتصدي لها وعرقلة اجتماعاتها.
ودعا الاتحاد الأوروبي القيادات اللبنانية إلى "تنظيم انتخابات رئاسية، وتشكيل حكومة بأقصى سرعة"، وذلك بعد دخول لبنان رسمياً مرحلة الفراغ الرئاسي، من دون تسليم إدارة البلاد إلى خلف، في ظل غياب التوافق السياسي على شخصية تتولى رئاسة البلاد.
وحذر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من أنّ "الفراغ السياسي يحدث في وقتٍ يواجه فيه لبنان وضعاً اجتماعياً واقتصادياً متدهوراً، ومن شأن التقلبات المؤسسية المصحوبة بعدم الاستقرار الاقتصادي أن تشكل مخاطر جسيمة على لبنان وشعبه".
وقال، في بيان، اليوم الثلاثاء، تناول الوضع السياسي في لبنان، إنه "في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انتهت ولاية عون، وبعد أربع جلسات غير حاسمة، لم يجر انتخاب أي مرشح، ورئاسة الجمهورية اللبنانية شاغرة الآن. كما أنه منذ الانتخابات العامة الأخيرة في مايو/ أيار الماضي، لم تُشكل حكومة".
وفي موقفٍ وضع في سياق التلويح بـ"عصا العقوبات"، ذكّر بوريل بأنه في يوليو/ تموز الماضي، حدّد الاتحاد الأوروبي إطار عقوبات يسمح بفرض إجراءات تقييدية على الأفراد أو الكيانات التي تمنع الخروج من الأزمة اللبنانية. وأضاف "كما أنه بهدف تسهيل صرف التمويل الدولي الإضافي، وكبح الاتجاه المتدهور للاقتصاد اللبناني، يجب التوصل إلى اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي، ويجب إنجاز الإصلاحات الرئيسية التي طال انتظارها دون مزيدٍ من التأخير".
ولفت بوريل إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يبقى ملتزماً بمواصلة مساعدة لبنان وشعبه للمضي قدماً نحو التعافي والاستقرار اللذين يستحقهما، وفي الوقت نفسه يحث القيادات اللبنانية على الاضطلاع بمسؤولياتها واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وسبق بيان الاتحاد الأوروبي اليوم، دعوة الخارجية الفرنسية، أمس الاثنين، نواب لبنان إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون تأخير، محمّلة، في بيان لها،ّ الفاعلين اللبنانيين مسؤولياتهم، والارتقاء إلى مستوى الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية غير المسبوقة التي تضرب البلاد، والتي تتطلب وجود مؤسسات سليمة كاملة الصلاحيات من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة البلاد عافيتها، وتحسين أوضاع اللبنانيين بشكل عاجل.
#Liban | La crise grave et inédite traversée par le Liban requiert le bon et plein fonctionnement de toutes ses institutions. Dans ce contexte, la France appelle les députés libanais à élire, sans délai, un nouveau Président de la République.
— France Diplomatie🇫🇷🇪🇺 (@francediplo) October 31, 2022
Déclaration➡️https://t.co/XYFTSXEXY4 pic.twitter.com/LFzwr8cBb5
وقال مصدرٌ دبلوماسيٌّ فرنسيٌّ، لـ"العربي الجديد"، إنّ "باريس تنظر بقلق إلى الخطاب السياسي في لبنان الذي ينذر بصراعات داخلية تنعكس بشكل خطير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، المتضرّر الأكبر منه المواطن اللبناني، وتدعو المسؤولين اللبنانيين إلى وضع خلافاتهم جانباً لمصلحة البلاد والشعب اللبناني".
وأشار المصدر إلى أنّ "لبنان سبق أن جرّب الفراغ الرئاسي، لكن هذه المرّة الوضع أصعب بكثير، ولا يحتمل أي مماطلة أو مناكفات سياسية، بل يجب على المسؤولين أن يتحاوروا ويتلاقوا لعقد جلسة برلمانية وانتخاب رئيس بأسرع وقتٍ ممكن، وتشكيل حكومة من اختصاصيين تقوم بإصلاحات جذرية لتلقي الدعم المالي اللازم، كما أن هناك ملفات لا تحتمل التأخير، خصوصاً تلك التي تتصل بالمجتمع الدولي ودوره في مساعدة لبنان".
وذكّر المصدر نفسه (فضّل عدم ذكر اسمه)، بأهمية التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، والذي يستوجب سلطة كاملة الصلاحيات وسليمة ومستقرة، فهو يبقى الحل الأساس لبدء النهوض الاقتصادي، مشيراً إلى أن "الاتفاق تأخر أصلاً، وهناك مماطلة مستمرة من قبل المسؤولين في تنفيذ تعهداتهم".
ولفت المصدر إلى أنّ "العقوبات يمكن اللجوء إليها في أي وقتٍ، إذ على المسؤولين أن يعوا أهمية الظرف الراهن، وخطورة نزاعاتهم السياسية الشخصية على مصلحة الناس، وأن كلّ معطّل للحلول ومقوّض للديمقراطية في البلد سيكون مستهدفاً".
ميقاتي يواصل نشاطه من الجزائر
من جهة ثانية، استقبل ميقاتي الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في مقر إقامته بالجزائر، قبل افتتاح القمة العربية الحادية والثلاثين، بعد ظهر اليوم الثلاثاء.
وقال مكتب ميقاتي الإعلامي، في بيان، إنّ أبو الغيط "جدّد خلال اللقاء تأكيد وقوف الجامعة العربية إلى جانب الحكومة اللبنانية"، مشدداً على "أهمية القيام بكل ما يلزم لإجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في موعدها".
5/5 من أجل مواكبة لبنان في مختلف المحطات والتحديات التي تواجهه، وتطلعه لمواصلة هذا الدور بنشاط وفعالية في سبيل حشد الدعم العربي للبنان ومساعدة شعبه على تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة التي يمر بها#لبنان #pcm pic.twitter.com/y0uZfT2fhn
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) November 1, 2022
من جانبها، أصدرت جامعة الدول العربية بياناً وزعه مكتب ميقاتي الإعلامي، أوضح خلاله المتحدث الرسمي باسم أبو الغيط، جمال رشدي، أنّ "اللقاء تناول مجمل الوضع اللبناني، بما في ذلك التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية قبيل الدخول في فترة الشغور الرئاسي".
وبحسب البيان، اعتبر أبو الغيط أنّ "استمرار الشغور الرئاسي لفترة قد يطول أمدها، سيكون له تبعات سلبية على لبنان في ظل التحديات الراهنة التي تواجهه".
وأضاف المتحدث أنّ "الأمين العام أكد دعم الجامعة العربية الكامل للدولة اللبنانية من أجل تجاوز هذه المرحلة الدقيقة"، وعلى "أهمية اضطلاع الحكومة الحالية بالإصلاحات الضرورية المطلوبة، وفي الوقت ذاته اضطلاع السياسيين اللبنانيين بمسؤوليتهم، وضرورة إعلاء المصلحة الوطنية فوق أية اعتبارات أخرى وصولاً لتوافقات تفضي إلى انهاء الانسداد السياسي، والحيلولة دون الدخول في فراغ رئاسي لا تتحمله البلاد".
ويواصل ميقاتي نشاطاته الوزارية والسياسية الداخلية والخارجية بشكل عادي، رغم توقيع عون قبيل مغادرته قصر بعبدا، أول من أمس الأحد، مرسوم قبول استقالة الحكومة، وتوجيهه رسالة إلى البرلمان بسحب التكليف منه، إذ يرى ميقاتي أن "لا قيمة دستورية" لخطوة عون، متمسكاً باستمرار حكومته بتصريف الأعمال وتسيير شؤون البلاد لحين انتخاب رئيس جديد.
واصطحب ميقاتي معه إلى الجزائر وزيرين محسوبين على فريق عون، الخارجية عبدالله بو حبيب، والطاقة وليد فياض، في وقتٍ كان استبعد أن يعتكف أي من وزراء حكومته، وخصوصاً أنه أصلاً لا ينوي دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد إلا في الحالات الطارئة وللضرورة القصوى.