تحذيرات من انقسام بين المكونات الأمنية في تونس بعد مواجهات مع الشرطة

02 سبتمبر 2022
مواجهات واستخدام الغاز المسيل للدموع في صفاقس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

أثارت مواجهات بين أمنيين ونقابيين أمنيين معتصمين في إقليم صفاقس التونسي، فجر اليوم الجمعة، جدلاً، لا سيما أنها خلفت عدداً من الجرحى، فيما شهدت محافظات عدة مشاهد مماثلة لإزالة خيم الاعتصامات ما حدا ببعض المراقبين إلى وصف هذا التصعيد بـ"الخطير وغير المسبوق" وإطلاق تحذيرات من انقسام داخل الجسم الأمني.

وأقدمت فرقة أمنية بالقوة على فض اعتصام نقابيين أمنيين وإزالة خيمتهم بجانب إدارة أمن إقليم صفاقس بباب بحر. وقد نتجت عن ذلك مواجهات واستعمال الغاز المسيل للدموع وإصابة 3 أمنيين على الأقل بجروح، نقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وفي نابل، أزيلت خيمة الاعتصام، فيما سادت حالة من الاحتقان أمام إقليم الأمن الوطني في القصرين، بسبب محاولة انتزاع وحدات أمنية لخيمة وضعتها نقابة أمنية.

وشهد مطار تونس قرطاج، أمس الخميس، تدافعاً وتشابكاً بالأيدي بين أمنيين ونقابيين على خلفية محاولة فض اعتصام نقابة قوات الأمن داخل المطار بالقوة. 

وزارة الداخلية تعلّق: ما عدا صفاقس

في المقابل، قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الداخلية، فضيلة خليفي، اليوم الجمعة، في تصريح صحافي تعليقاً على الأحداث الأخيرة، إن الوزارة عمدت إلى إزالة خيم الأمنيين النقابيين المعتصمين أمام مقرات الأقاليم، منذ أمس الخميس، لأن هذه الخيام تربك العمل الأمني.

ولفتت إلى أن "قوات الأمن تدخلت في عدة جهات لرفع هذه الخيم دون تسجيل أي اعتراض من المعتصمين، ما عدا حادثة صفاقس".
 
وأضافت الخليفي أنه "لا بد من احترام القانون وتطبيقه، وقد تمت دعوة النقابيين للتفاوض ورفع هذه الخيم دون نتيجة، وبعد فشل المفاوضات تم اتخاذ قرار رفع الخيم لأن المقرات الأمنية هي واجهة الأمن في تونس وهي مقرات سيادية ووجود هذه الخيام يضر بالمصلحة العليا للدولة" وفق تعبيرها.

وشددت على أن "الوزارة لن تتهاون في فرض احترام متطلبات العمل الأمني واحترام المؤسسات"، مبينة "حصول تجاوزات من قبل المعتصمين أثناء إزالة الخيام والاعتداء على عدد من الأمنيين من قبل النقابيين"، ومشيرة إلى "فتح أبحاث عدلية في خصوصها".

وكانت الهيئة الموسعة للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي في تونس قد أعلنت، في بيان، عن دخول أعضائها في سلسلة اعتصامات أمام المقرات الأمنية بداية من الأربعاء الماضي، مشيرة إلى أنها ستتخذ خطوات تصعيدية أخرى خلال الجلسة العامة المرتقبة يومي 6 و7 سبتمبر/ أيلول المقبل.

وتسعى وحدات الأمن إلى إزالة خيام نصبها نقابيون أمام مقرّات أمنية في عدّة محافظات تونسية احتجاجاً على تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين حول النقابات وتضامناً مع زملائهم في صفاقس.

وفي 10 أغسطس/ آب الماضي استقبل سعيد بقصر قرطاج وزير الداخلية توفيق شرف الدين، مؤكداً أن "الحق النقابي بالنسبة للأمنيين حق معترف به دستورياً، ولكن الدستور ذاته ينص على أن هذا الحق لا يشمل الإضراب"، ودعا كذلك إلى توحيد النقابات الأمنية الكثيرة.

وعقب ذلك، أصدر وزير الداخلية قراراً بإنهاء الاقتطاع من رواتب الأمنيين لصالح النقابة ما فاقم التوتر أكثر.

انقسام داخل الجسم الأمني

وحذر مراقبون من حدوث انقسام داخل الجسم الأمني ستكون تداعياته كبيرة على المؤسسة الأمنية.

وقال كاتب عام النقابة الجهوية لأمن المطار أنيس الورتاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنهم "لم يفهموا ما يحصل وفي أي اتجاه تسير الأمور خاصة في ظل غياب الحوار"، مبيناً أنهم تقدموا بمراسلات لسلطة الإشراف وتحديداً وزير الداخلية ورئاسة الحكومة والجمهورية ولكن لا رد". وشدد على أنه "دون حوار لن يفهموا ماذا تريد السلطة".

وأوضح الورتاني أن "الاعتصام كان من أجل المطالبة بإطلاق سراح زملائهم الموقوفين"، مشيراً إلى أن "لديهم مطالب أخرى يرغبون بطرحها، وبالتالي من الضروري فتح باب الحوار مع الوزارة بدل الخطاب التصادمي". 

وبين المتحدث أن "المواجهات تحدث لأول مرة وهي غير مفهومة وهذا التصعيد غير منطقي"، مؤكداً أن الاعتصام حق دستوري في بلد الحرية، ولم يعطلوا أي مرفق عام.

وقال إن "الاعتصام وسيلة من وسائل التعبير والقمع غير مقبول ومرفوض"، مبيناً أن "الطريقة كانت مستفزة في الوقت الذي كان من المفروض التحاور مع المكتب التنفيذي ومحاولة الوقوف على المطالب وأسباب للاعتصام لإيجاد حل مشترك".

وحول إمكانية حل النقابات الأمنية، رد بأن "كل شيء أصبح وارداً، خاصة مع استمرار غلق قنوات الحوار"، مبيناً أن "الحديث عن سرقات واختلاسات لا أساس لها من الصحة لأن الاقتطاعات كانت في إطار اتفاقيات منذ 2016 وامتيازات للأمنيين المنخرطين وبإرادتهم".

وأوضح أنه "مر على وزارة الداخلية عدة وزراء ومسؤولين ولم يتحدث أي منهم على تجاوزات في هذا الصدد وإن وجدت فهناك قانون للمحاسبة".

وشدد على أن "النقابات الأمنية والحق النقابي مكسب تحقق بعد الثورة، وحل النقابات لن يكون مقبولاً".

النقابات الأمنية أمراً واقعاً

ويرى الخبير الأمني، والعقيد المتقاعد من الحرس الوطني، علي زرمدين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "النقابات الأمنية أصبحت أمراً واقعاً شريطة أن تلتزم بضوابط وعقيدة المهنة التي لها خصوصيات تقوم أساساً على الانضباط".

وأوضح أن "الانضباط بمفهومه الأخلاقي الواسع والشامل هو أساس العقيدة الأمنية".

واستطرد زرمدين أن "بعض النقابات، ورغم الدور الايجابي الذي لعبته في فترة ما، إلا أن بعض الأفراد تجاوزوا دورهم النقابي، والتجاوزات متى أصابت أي هيكل فإنها تخلق ردوداً معادية".

واعتبر أن "الاحتياط هنا يصبح واجباً، خصوصاً في مؤسسة أمنية وهذا ما تسبب في ردود حتى مع المواطنين الذين ينظرون للنقابات نظرة سلبية وهو ما يضر بالمؤسسة ككل".

ولفت إلى أن "النقابات جزء من الهيكل الأمني الشامل ولا بد لها الالتزام بالمبادئ الأساسية بحكم الانتماء، ومن حقها بحكم وجودها بصفة قانونية وشرعية ودستورية أن تتناول المسائل الأمنية من نواحي اجتماعية والدفاع على المصالح وتقدم الأفكار للقيادات لإيجاد الحلول وتوفير الإمكانيات وتدعيم الهياكل الأمنية".

وتابع أن "المطلوب اليوم أن تكون لغة الحوار مبنية على عدة مفاهيم وأن السلطة سلطة، ولها حق الإشراف والتسيير، والنقابة جزء من المؤسسة الأمنية تتفاعل وتهتم بالجوانب الاجتماعية".

المساهمون