تحذيرات الجيش الجزائري لـ"الأصوليين": أي رسائل وأهداف؟

24 ابريل 2023
وجه شنقريحة تحذيراً إلى الأصوليين (كريستوفر أرشمبولت/فرانس برس)
+ الخط -

اختار قائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، عشية عيد الفطر وانشغال الجزائريين بالعيد واستحقاقاته الاجتماعية، لإطلاق تصريحات مثيرة حول عودة من وصفهم بالأصوليين والمتطرفين، وبروز ما اعتبرها مظاهر التشدد، من دون أن يحدد هذه الأطراف.

لكن خطابه الأخير طرح أكثر من علامة استفهام، حول الأطراف المعنية بتصريحاته، واستتباعاتها في الوقت اللاحق، فيما يرى البعض أن السلطة تحاول العودة مجدداً إلى استخدام وتوظيف "أزمة التسعينيات".

التصريحات الأخيرة لقائد الجيش، الخميس الماضي، خلال زيارته إلى قيادة قوات الدفاع الجوي، بشأن "تسجيل عودة بعض الصور لنشاطات بعض الأصوليين، الذين يتبنون خطاباً دينياً متطرفاً يذكّرنا بسنوات التسعينيات"، لم تكن مفاجئة في التوقيت فحسب، ولكنها كانت كذلك على صعيد مواضيع النقاش السياسي الراهن في الجزائر، والتي لم يكن من بينها هذا الملف، الذي لا يبدو أنه يشكل حالة طاغية في الوقت الحالي تستدعي إثارة الجدل بشأنه.

جمال الخضيري: خطاب قائد الجيش استباقي إزاء عودة بعض الوجوه المتشددة

واعتبر شنقريحة أن "هؤلاء المتطرفين يجب أن يعلموا أن ذلك الزمن ولّى إلى غير رجعة، وأن مؤسسات الدولة الراسخة لن تسمح بأي حال من الأحوال بعودة هؤلاء المغامرين الذين كادوا أن يدفعوا بالبلاد للهاوية".

واتهمهم "باستغلال تعلق الجزائريين بدينهم الحنيف لتحقيق أغراض سياسوية مشبوهة، تندرج من دون شك في إطار مشاريع تخريبية وأجندات أجنبية معادية"، مشيراً إلى أن توقيت عودة من يصفهم بالأصوليين والخطاب المتطرف "مريب".

وقال شنقريحة: "نحن على يقين تام أن هذا الخروج إلى العلن، بعدما كان يجري في السر وفي فضاءات مغلقة، إنما جاء بإيعاز من دوائر التخريب المعادية، التي عودتنا على مثل هذه التحركات المريبة كلما لاحظوا أن الجزائر قد استرجعت دورها".

تخمينات حول هوية هذه الأطراف

ومنذ تداول هذه التصريحات، بدأت التخمينات حول هوية الأطراف التي يعنيها قائد الجيش، ولم يكن واضحاً للجميع من هي بذاتها، وما إذا كان المقصود بها مجموعات سياسية تتبع تنظيماً إسلامياً محظوراً من قبل السلطة، (الجبهة الإسلامية للإنقاذ، المنحلة منذ مارس/ آذار 1992)، قد تكون رصدتها السلطات، واختارت أن توجه لها تحذيراً استباقياً بأنها تحت الرصد والمراقبة، أم أنها تخص بعض النشطاء السياسيين من الإسلاميين بعينهم، ممن تنسب إليهم الخطابات المتشددة، مثل الرجل الثاني لـ"جبهة الإنقاذ" علي بلحاج.

ويصر بلحاج، منذ خروجه من السجن عام 2005، على توجيه خطابات متشددة ضد السلطات، من داخل حلقات في المساجد أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكان في الثاني من إبريل/نيسان الحالي قد ألقى خطاباً مثيراً أمام حشد من مناضلي "الإنقاذ"، الذين هتفوا بشعارات الجبهة في تسعينيات القرن الماضي: "عليها نحيا وعليها نموت، وفي سبيلها نجاهد".

وهو ما يفهم من إشارة قائد الجيش بحديثه عن مسؤولية "الأصوليين العائدين إلى الساحة" عن أزمة التسعينيات، التي كانت شهدت فترة انفلات سياسي، بعد سيطرة "جبهة الإنقاذ" على الشارع وطغيان خطاب متشدد، كان جزءاً من مظاهر الأزمة الدامية التي عصفت بالبلاد.

خطاب استباقي ضد عودة وجوه متشددة

وقال المحلل السياسي والخبير القانوني الذي أنجز دراسة قانونية حول مكافحة الإرهاب، المحامي جمال الخضيري، لـ"العربي الجديد" تعليقاً على خطاب قائد الجيش: "أعتقد أنه خطاب استباقي إزاء عودة بعض الوجوه المتشددة، ممن كانت تحمّلهم السلطات المسؤولية المباشرة في خطاب التطرف في تسعينيات الأزمة الأمنية، ويُقصد به علي بلحاج خاصة، أو بعض المسؤولين السابقين والنشطاء المنتمين لجبهة الإنقاذ المنحلة".

لكنه أضاف أنه خطاب يأتي "بعد بروز بعض المرجعيات الدينية المحلية التي تتبنى خطاباً وفتاوى لا تتطابق مع المرجعية الدينية المحلية للشعب الجزائري، وأيضاً إثر تصاعد لافت للجدل الديني المصحوب بنوع من التشدد حول الكثير من القضايا الدينية، وهي كلها تستدعي بعض القلق والتنبيه".

وعلى الرغم من أن قائد الجيش دعا، في السياق نفسه، إلى جهد جماعي مشترك لمحاربة التطرف، وإفشال كافة هذه المشاريع التخريبية، ونبذ كل مسببات الفرقة وإفشال كل المحاولات اليائسة، التي تستهدف أمن واستقرار الوطن، فإن تخمينات أخرى ذهبت، بحسب قياديين في أحزاب وتيارات إسلامية، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، إلى الأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يكون المقصود من حديث شنقريحة عن "عودة مظاهر الأصولية" بعض الأنشطة التي برزت في الفترة الأخيرة من قبل جمعيات وهيئات من التيار الإسلامي وشكلت إزعاجاً للسلطات.

رضوان منصوري: عودة الحديث عن أزمة التسعينيات تؤكد أن السلطة تحاول استخدامها لتخويف الجزائريين

وتخص هذه الأنشطة تخريج دفعات لحافظي القرآن، وحملات أخرى لتحجيب الفتيات والطالبات في الجامعة، قادها تنظيم طلابي محسوب على حركة "مجتمع السلم" (الاتحاد الطلابي الحر)، وهو أمر يستدعي إلى الأذهان خطاباً شهيراً أدلى به قائد أركان الجيش الأسبق الراحل محمد العماري عام 2000، عندما أعلن الانتصار على الإرهاب في الجزائر، إذ قال "انتصرنا على الإرهاب، لكن الأصولية مازالت متغلغلة".

لكن الكاتب والمحلل السياسي رياض هويلي رأى، في المقابل، أن تحذيرات شنقريحة لمن وصفهم بالأصوليين المتطرفين "موجّهة إلى تيار إسلاموي ينتهج خطاباً راديكالياً في الأشهر الأخيرة، بعد ملاحظة تسجيل ارتفاع منسوب التطرف من قبل بعض نشطاء هذا التيار، مثل ما حصل في البريد المركزي، حين أقدم شباب ممن يسمون أنفسهم بشباب الصحوة على التدخل والاعتراض على نشاط فني (مديح شعبي)، كانت تنظمه السلطات المحلية وسط العاصمة الجزائرية بحجة أنه يتعارض مع شهر رمضان".

وأضاف هويلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مثل هذه المظاهر وغيرها من تصاعد التيار السلفي المتشدد ونشاطه في المساجد، ينطوي عليه خطورة الاعتداء على حرية الغير في الفضاء العام، ويمكن أن يؤدي إلى صدامات. إضافة إلى أن سعي تيار ديني (سلفي) لرفض طريقة وفتوى تنظيم وزارة الشؤون الدينية لزكاة الفطر، يمكن تفسيره بتجرؤ هذا التيار على الضابط العام للمجتمع".

وأشار إلى أن تحذيرات قائد الجيش ترتبط بكون مثل هذا الخطاب هو نفسه الذي قاد البلاد إلى مأساة التسعينيات والحرب الأهلية، التي خلّفت ما يزيد عن 250 ألف قتيل وأضرار نفسية وتفكك اجتماعي، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية فاقت 25 مليار دولار، وضياع سنوات من حركة التنمية والغياب عن المشهد الدولي.

المبالغة بالتخويف من عودة الأصوليين

في مقابل هذه التفسيرات السياسية لموقف وخطاب قائد الجيش، يبرز هامش آخر يعتبر أن تخويف السلطة من عودة الأصوليين، مبالغ فيه بشكل كبير، لكون المظاهر التي تحدث عنها قائد الجيش أو الأفراد المعنيين، ما زالوا تحت سيطرة السلطات، وهامش تأثيرهم ضعيف ولا يملكون أي قدرة.

وأكد الباحث رضوان منصوري، الذي اشتغل على ملف العلاقة بين الجيش والدولة، أن "تصريحات قائد الجيش تُفهم على أن السلطة تريد بعث رسالة بأنها متيقظة وتراقب الوضع، وهي تعلم أن هؤلاء، الذين لم تذكرهم بالاسم والصفة، لا يشكلون أي تهديد بالنسبة لها، لكنها تسعى إلى الدفع بنقاش محدود حول هذه المسائل، لتحويل النقاشات حول قضايا سياسية أساسية".

وأضاف منصوري، لـ"العربي الجديد"، أن "عودة الحديث عن أزمة التسعينيات في سياق سياسي راهن، يؤكد أن السلطة تحاول استخدام هذه الأزمة مجدداً لتخويف الجزائريين بالحاجة إلى وجودها كسلطة مناوئة للمد الإسلاموي، وهو تخويف استخدمته قبيل وخلال اندلاع الحراك الشعبي عام 2019، ولاسترضاء تيار سياسي تقدمي كان حليفاً للسلطة خلال أزمة التسعينيات، وفصله سياسياً عن أي تحالف ممكن في قضايا ومطالب الحريات مع تيارات إسلامية، خصوصاً بعد فترة نجح فيها تحالف هذين التيارين في تشكيل ضغط كبير على السلطة".

المساهمون