أثار قرار "تجميد صلاحيات" العضو البارز في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبو ماريا القحطاني، تساؤلات حول مستوى الخلافات داخل الهيئة، والتي انتقلت إلى الصف الأول.
وأشار القرار الصادر عن "القيادة العامة" في الهيئة، الخميس الماضي، إلى أن "اسم أبو ماريا القحطاني ورد في بعض التحقيقات التي أجريت أخيراً، وعلى الفور وجهت القيادة العامة بتشكيل لجنة خاصة لمتابعة القضية، وبادرت اللجنة باستدعائه ومساءلته بكل شفافية ووضوح".
وأضاف القرار أنه "تبين للجنة المكلفة أن أبو ماريا القحطاني أخطأ في إدارة تواصلاته، من دون اعتبار لحساسية موقعه، أو ضرورة الاستئذان، وإيضاح المقصود من هذا التواصل"، موضحاً أن اللجنة أوصت "بتجميد مهامه وصلاحياته".
ووفق القرار، فإن هذه القضية "تدار الآن في سياق اللوائح التنظيمية الداخلية، وبما يتناسب مع مصلحة الساحة وضمان أمنها واستمرار مشروعها الثوري".
حمزة المصطفى: الخلافات داخل الهيئة تتمحور حول دور القحطاني
غير أن القيادي السابق في "تحرير الشام" والمنشق عنها صالح الحموي، وحسابه المعروف بـ"أس الصراع في الشام"، كتب، على "تليغرام" أخيراً، أنه "لا يوجد أية لوائح داخلية في الهيئة، ولا يوجد أعضاء مجلس شورى ولا نظام داخلي يحدد آليات الرقابة والمحاسبة". ونصح القحطاني "بالخروج من سورية لأنهم سيغدرون بك ويقتلوك".
خلاف حول دور القحطاني
من جهته، رأى الباحث ومدير "تلفزيون سوريا"، حمزة المصطفى، لـ"العربي الجديد"، أن الخلافات داخل الهيئة تتمحور حول دور القحطاني، الذي يطرح نفسه كوسيط بين الهيئة وفصائل "الجيش الوطني"، وإعادة حركة "أحرار الشام" للهيئة، ما قد يقوي نفوذه داخل "تحرير الشام"، وبناء على ذلك، ربما وجهت له تهمة التخابر مع جهات خارجية دون علم قيادة الهيئة.
وفي السياق، أوضح الصحافي عبدالله الموسى، المتابع لهذا الملف، أن زعيم "الهيئة" أبو محمد الجولاني كلف القحطاني وجهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور) بمهمة اختراق منطقة "الجيش الوطني" في شمالي سورية، وقد نجحا في المهمة بنسبة كبيرة.
وأشار إلى أن "الأشخاص الثلاثة هم رفاق درب في العراق ومن ثم سورية، والثقة الممنوحة للقحطاني وزكور لتولي هذه المهمة دليل على العلاقة المتينة بين الأشخاص الثلاثة. ويدعي القحطاني وزكور أنهما رائدا الحركة الإصلاحية في الهيئة على مستوى الخطاب والممارسة".
وأضاف الموسى أن ما حصل أن "تياراً يقوده الرجل الثاني في التنظيم والمسؤول الأمني أبو أحمد حدود، إضافة الى الأمني "المغيرة" وهو من بنش، وصهر الجولاني، ضغطا ضد القحطاني بعد أن ورد اسمه في التحقيقات مع أكثر من 400 شخص متهمين بالعمالة للنظام وروسيا والمخابرات الأميركية. وتبين أن القحطاني استغل علاقاته التي بناها في منطقة الجيش الوطني، إضافة إلى علاقته مع كتل مهمة في الهيئة، وتحديداً كتلة الشرقية، لتنظيم ما تسميه قيادة الهيئة "انقلاباً" بالتنسيق مع جهة غربية، ترجح المصادر أنها تركيا".
لا ارتدادات لتجميد صلاحيات القحطاني
وحول الآثار المحتملة لهذه التطورات على الوضع في "تحرير الشام" ومستقبل الهيئة، رأى الموسى أنه "بعد التسريبات، وبيان الهيئة، لم يتم رصد أي ارتدادات للحادثة داخل كتل تحرير الشام حتى الآن"، مشيراً إلى أنه "يمكن للقحطاني إثارة البلبلة إن أراد من خلال تحريض كتل مهمة داخل الهيئة وفي تحالفاتها مع فصائل أخرى".
ووفق الموسى، فإن صيغة البيان الصادر عن الهيئة تشير إلى نوع من التفاهم بين الجولاني والقحطاني، تدخل في الوصول إليه الشرعي في الهيئة مظهر الويس، بحيث تنتهي القضية عند تجميد صلاحيات القحطاني، مقابل عدم إقدامه على إثارة أية نعرات.
عبداالله الموسى: صيغة بيان الهيئة تشير إلى نوع من التفاهم بين الجولاني والقحطاني
واعتبر أنه "ساهم في الوصول إلى هذا التفاهم إصابة القحطاني بمرض عضال خطير يهدد حياته، فهو غير قادر على المستوى الصحي على فعل شيء". كما أن الجولاني التقى قادة كتلة الشرقية (المنتمين لعشائر شرق سورية) وعرض عليهم أدلة عما اقترفه القحطاني، وهذا سبب إضافي لعدم حدوث إرباكات داخل صفوف الهيئة، وفق الموسى.
ورأى الباحث في "مركز جسور للدراسات"، عباس شريفة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك أسبابا معلنة وأخرى غير معلنة لاعتقال القحطاني، الذي يعتبر المسؤول الأمني عن منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات" (شمالي وشرق محافظة حلب) من قبل "الأمني العام" للهيئة أبو أحمد حدود.
القحطاني أدار تواصلات خارجية
والأسباب المعلنة تتمثل، وفق شريفة، في وجود اعترافات من شبكة العملاء والجواسيس التي قبضت عليها الهيئة منذ 4 شهور، وكلها تنتهي إلى أن القحطاني أدار تواصلات خارجية وسرب معلومات دون الرجوع للقيادة.
أما الأسباب غير المعلنة، وفقاً لشريفة، فهي تتعلق بأن "هناك تجهيزات عسكرية من جناح الكتلة الشرقية وحلب بزعامة القحطاني وأبو أحمد زكور للقيام بانقلاب عسكري على الجولاني بسبب ميله لجناح بنش الذي يتزعمه أشقاء زوجة الجولاني. كما أن هناك أموالا قام القحطاني بإخراجها إلى بلد مجاور، بالتعاون مع مرافقه أبي يزن الديري دون علم الجولاني".
وبرأي شريفة فإن المشكلة تتمثل اليوم في الصراع على السلطة والنفوذ الأمني والاقتصادي، بين جناحي "بنش" (بلدة في إدلب ينتمي إليها صهر الجولاني) و"الشرقية"، وذلك بعد أن بدأ نفوذ جماعة الشرقية يتوسع على حساب "جناح بنش". واعتبر أن "الجولاني حالياً فاقد للنفوذ داخل الهيئة والسيطرة الفعلية".
وحول مستقبل هذه الصراعات، قال شريفة: "ربما لن تتطور الخلافات إلى شكل من أشكال المواجهة العسكرية، لكن من المؤكد أنها ستستمر بطرق المغالبة الأمنية والاقتصادية، وبناء التحالفات داخل مكوناتها وسيبقى الجولاني يلعب دور ضابط الإيقاع".
اعتقال مرافق القحطاني بتهمة التخابر مع "التحالف"
وقالت مصادر مطلعة على ما يدور داخل "تحرير الشام"، لـ"العربي الجديد"، إن القيادي الأمني لدى الهيئة أبو أحمد حدود، اعتقل القيادي أبو يزن الديري، وهو المرافق الشخصي للقحطاني يوم الجمعة الماضي، وذلك بتهمة التخابر مع التحالف الدولي، مرجحةً أن يكون اعتقال القحطاني جاء بعد اعترافات أدلى بها الديري عن قائده.
وكان القحطاني ذكر، في لقاء مع "فرانس 24" منتصف مايو/أيار الماضي، أن "هيئة تحرير الشام" ليست حركة جهادية، وأن فكرة "الجهاد" انتهت من صفوف الحركة، وأن مهامها تقتصر اليوم على محاربة تنظيمي "داعش" و"القاعدة".
وتأسست "جبهة النصرة" أواخر عام 2011، وشهدت عدة انقسامات وتحولات، إلا أنها كانت تضم تيارين متصارعين: الأول تيار سلفي متشدد، والثاني يقوده القحطاني، الذي كان من أشد المعادين لـ"داعش"، مطلقاً على عناصره صفة "الخوارج"، داعياً إلى قتال التنظيم في سورية.
وقاد القحطاني الحملة الأمنية التي أنهت تنظيم "حراس الدين"، والمتهم بمبايعة تنظيم "القاعدة" في منطقة إدلب، وجماعة "جنود الشام" التي كان يقودها أبو مسلم الشيشاني في منطقة جبل التركمان بريف محافظة اللاذقية الشمالي الشرقي، شمال غرب سورية.