انتقد حقوقيون مصريون قرار وزير العدل المصري عمر مروان، الذي بدأ تطبيقه في مطلع الأسبوع الماضي، بتعديل نظام جلسات تجديد الحبس الاحتياطي، والتنازل عن "وجوب حضور المتهمين إلى مبنى النيابة"، والاكتفاء بنظر الجلسات عبر تقنية الـ"فيديو كونفرانس". ورأوا في القرار الذي كشفت عنه "العربي الجديد" في تقريرها الأحد الماضي، مؤشراً إلى أن "أوضاع المعتقلين ستزداد سوءاً في الفترة المقبلة، على عكس ما يُقال من حديث عن انفراجة في الملف السياسي".
ولفت تجديد حبس الناشط الطلابي معاذ الشرقاوي 15 يوماً، من نيابة "أمن الدولة"، عبر استخدام الاتصال المرئي عبر الإنترنت، من دون حضور المتهم، الانتباه إلى الإجراءات الجديدة التي بدأ تطبيقها قبل أسبوع.
وأثار القرار استياء منظمات وحقوقيين. واعتبرت الناشطة الحقوقية والمحامية المصرية البارزة ماهينور المصري، وهي معتقلة سابقة، أن القرار "جاء لزيادة حجم التضييق على المتهمين، بحيث يمنع المحامين من رؤية موكليهم والاطمئنان عليهم، وبالتبعية يمنع أسرهم".
توفير مالي لبناء السجون
وقالت المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من المهم الإشارة في هذا السياق إلى منع المتهمين أيضاً من التكلم والتحدث عن أوضاعهم داخل السجون أمام النيابة، لأن الغرض هو أن تكون كل الأمور (تحت النظر)، فلا أحد يستطيع الشكوى، ولا أحد يستطيع التحدث أمام وكيل النيابة عن معاناته من أوضاع صعبة، أو عن الشكوى من ضابط يعتدي عليه أو يعذبه". ولفتت إلى أن "الجانب الآخر في هذا التعميم له علاقة بالجزء المالي، فتحويل تجديد حبس المتهمين في النيابة إلى تقنية الفيديو كونفرانس، يوفر كثيراً من الميزانية المالية، الأمر الذي يتم استغلاله لإنشاء سجون جديدة تستقبل المزيد من السجناء".
لفت تجديد حبس الناشط الطلابي معاذ الشرقاوي، عبر استخدام الاتصال المرئي عبر الإنترنت، الانتباه إلى الإجراءات الجديدة
وتابعت الحقوقية المصرية قائلة إن "هناك أمر يحدث في مصر، وهو تعميم مبدأ (الاستثناء)، لأن من المفترض أن يكون استخدام تقنية الفيديو كونفرانس في حالات استثنائية ضيقة جداً". وأشارت إلى أنه "عندما بدأت الدول في استخدام هذه التقنية في المحاكم، كان الغرض منها إيجاد حلّ مؤقت لأزمة فيروس كورونا، لأنه من الواجب قانوناً أن يواجه القاضي المتهم ويشاهده وجهاً لوجه، وإلا ما الغاية من عرض المتهمين في غرفة المشورة أمام القضاة وممثل النيابة، حيث كان من الممكن إرسال أوراق القضية فقط، طالما وجود المتهمين غير ضروري؟".
وأضافت المصري: "الدولة المصرية تكرّس فكرة تعميم الاستثناء، وأن الاستثناء هو الأصل، والهامش هو المتن، هذه هي فلسفة الأمر لديهم". ورأت أن "هناك أشياء لها علاقة بمنطق الأمور، فلو أن هناك شخصاً ما متهم بجريمة تتطلب مواصفات جسمانية معينة تختلف عن بنية المتهم الجسمانية الماثل أمام القاضي، فمن المنطقي أن يفكر الأخير في إخلاء سبيله". وقدّمت مثالاً آخر وهو "إذا كانت المواصفات الجسدية المذكورة في المحضر تختلف عن الواقع، فمن الضروري إخلاء سبيل المتهم". كما لفتت إلى "أهمية مناظرة الحالة الصحية للمتهمين، فمن الممكن إخلاء سبيل شخص بناء على تدهور حالته الصحية". كما نبّهت إلى "الحاجة الملحة للاطمئنان على المتهمين والتأكد من عدم تعرضهم للإساءة أو التعذيب، والتأكد من عدم وجود آثار تعذيب على أجسادهم، ومنحهم حرية الحديث دون خوف".
خللٌ في ملف العدالة الجنائية بمصر
من جهته، قال المحامي والحقوقي المصري جمال عيد، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف العدالة الجنائية أصبح الأكثر معاناة من الخلل، لأن حضور المتهمين جلسات تجديد الحبس الاحتياطي سواء أمام القضاة أو أمام النيابة كان في السابق أمراً شكلياً، ولكن على ما يبدو فإنه حتى الأمور الشكلية لم تعد لها أهمية".
وأضاف عيد: "بعدما كانت جلسات تجديد الحبس الاحتياطي تُعقد في معهد أمناء الشرطة بمنطقة طرة، تمّ نقل الجلسات إلى محاكم داخل منطقة سجون بدر، بمعنى محكمة داخل السجن، ومنها إلى تقنية الفيديو كونفرانس". أما اليوم، بحسب عيد، فـ"إننا نشهد التوسع في استخدام هذه التقنية في تجديد حبس المتهمين أمام النيابة أيضاً، بما يعني إعلاناً رسمياً عن وفاة العدالة في مصر التي تعاني من مرض حاد وخطير منذ سنوات طويلة".
وتابع الحقوقي المصري: "وبما أنه لا توجد تحقيقات أو محاكمات عادلة، فمن الأوفر أن تُعقد الجلسات بالفيديو كونفرانس، لأن الوضع أصبح أشبه بالاعتقال الإداري منه إلى تحقيقات موضوعية وحبس احتياطي". ولفت إلى أن "الجميع يرى الاتهامات التي توجهها النيابة دون دليل، وتجديد الحبس الروتيني الورقي، استكمالاً للأمور الشكلية في العدالة التي تعلن وفاتها".
جمال عيد: بما أنه لا توجد تحقيقات أو محاكمات عادلة، فمن الأوفر أن تُعقد الجلسات بالفيديو كونفرانس
بدوره، اعتبر مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "أمر غير طبيعي أن يتم تعميم فكرة الفيديو كونفرانس والتوسع في استخدامها، فبعدما كانت مقتصرة على المحاكم تمتد اليوم إلى جلسات تجديد الحبس داخل مبنى نيابة أمن الدولة".
وأضاف: "عندما يحدث هذا الأمر بالتزامن مع سياسة النظام المصري في التوسع في بناء السجون، ومع قرار وزير الداخلية محمود توفيق بإنشاء 6 سجون جديدة بمنطقة 15 مايو، فهذا مؤشر خطير إلى أن الدولة المصرية لا تسعى إلى حل مشكلة الحبس الاحتياطي، بل على النقيض تحرص على استمرار فترات الحبس وعدم كفالة حقوق المحبوسين في المحاكمات العادلة".
أما الباحثة الحقوقية، عضو حملة "حتى آخر سجين" سارة حمزة، فقالت لـ"العربي الجديد"، إن "تجديد الحبس عن بُعد أمر كارثي في ملف العدالة الجنائية، حيث يُحرم المتهم من الحديث بحرية أمام القضاة، ويحرم القضاة من الاطلاع على المتهم ومعاينته والتأكد من سلامته الجسدية".
وأضافت أنه "عندما توسعت الدولة في استخدام تقنية الفيديو كونفرانس لتجديد حبس المحبوسين احتياطياً داخل سجونهم عوضاً عن نقل المتهمين إلى قاعات المحاكم، شهدنا الكثير من الانتهاكات المتعلقة بمثول بعض المحبوسين احتياطياً أمام القضاة مكبلين في غرفة الفيديو".
خلف بيومي: عندما يحدث هذا الأمر بالتزامن مع سياسة النظام في التوسع في بناء السجون، فإن هذا مؤشر خطير
وجاء ذلك، بحسب الباحثة الحقوقية، "إلى جانب خوف المحبوسين وعدم قدرتهم على التعبير بحرية أو الشكوى من أي انتهاكات أو إساءات يتعرضون لها، نظراً لوجودهم في المكان نفسه مع إدارة وضباط السجن، الذين قد يكونوا متورطين في تعذيبهم أو إساءة معاملتهم داخل السجون".
وتابعت حمزة: "رصدنا أيضاً عشرات الشهادات لسجناء يشكون سوء أوضاعهم المعيشية داخل السجون، فيتم قطع الاتصال عليهم ولا يتمكنون من استكمال حديثهم، ويُبرر ذلك بالخطأ التقني". ورأت أن "التوسع في استخدام تقنية الفيديو كونفرانس لتشمل تجديدات النيابة أيضاً، ينبئ بأن الأوضاع ستزداد سوءاً في الفترة المقبلة في ما يخص ملف المحبوسين احتياطياً، بعكس كل ما يُقال عن انفراجة في الملف السياسي".
وقالت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إنها تقدمت، الأربعاء الماضي، بطلب للاطلاع على ملف التحقيقات، وآخر للتصريح بزيارة القيادي الطلابي معاذ الشرقاوي، المحبوس على ذمة القضية 540 لسنة 2023، وذلك بعد جلسة تجديد حبسه، الثلاثاء، والتي تمّت إلكترونياً عن بعد ونظرتها نيابة أمن الدولة.
وأشارت المنظمة إلى أنه "خلال جلسة تجديد حبسه، قال معاذ إنه محبوس انفرادياً منذ وصوله إلى السجن في 3 يونيو/ حزيران الحالي"، مؤكدة أن محامي معاذ دفعوا بـ"عدم دستورية قرار وزير العدل رقم 8901 لسنة 2021 والذي يسمح بتجديد الحبس إلكترونياً عن بعد، حيث إن القرار يخالف الدستور لأنه يحول دون لقاء المحبوس بمحاميه كما أنه لا يعتمد على أي سند من النصوص القانونية".
وقالت المبادرة إن محاميها "طلب مجدداً عرض معاذ على الطب الشرعي لبيان مدى وجود أي آثار للتعدي عليه بالضرب خلال الأيام الأولى من احتجازه على يد عناصر الأمن الوطني".