تجارب بيونغ يانغ الصاروخية: رسائل خارجية أم استعداد لحرب مقبلة؟

15 سبتمبر 2024
صور لكيم متفقداً منشأة نووية، الجمعة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **زيادة التجارب الصاروخية والتقارب الروسي الكوري الشمالي**: كثفت كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية بالتزامن مع زيارة الأمين العام لمجلس الأمن الروسي، مما يعكس تقارباً متزايداً بين موسكو وبيونغ يانغ.
- **الكشف عن منشأة تخصيب اليورانيوم**: كشفت كوريا الشمالية عن منشأة لتخصيب اليورانيوم وأمرت بزيادة إنتاج المواد النووية، مما يثير تساؤلات حول نواياها.
- **الدوافع السياسية والاقتصادية**: ترتبط التجارب الصاروخية بالانتخابات الأميركية، وتستفيد كوريا الشمالية وروسيا من التعاون في ظل العقوبات الدولية.

زادت كوريا الشمالية أخيراً من وتيرة تجاربها وأنشطتها الصاروخية، وتزامنت تجارب بيونغ يانغ الصاروخية مع استعداد الولايات المتحدة لخوض الانتخابات الرئاسية، إلى جانب التقارب الروسي الكوري الشمالي الذي تجلى، أول من أمس الجمعة، بزيارة الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى بيونغ يانغ، ولقائه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وسبق ذلك إعلان كوريا الشمالية أن كيم تفقد منشأة لتخصيب اليورانيوم وأمر بزيادة إنتاج المواد اللازمة للأسلحة النووية التكتيكية. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تكشف كوريا الشمالية فيها عن منشأتها لتخصيب اليورانيوم. جميع العوامل السابقة أثارت تساؤلات حول الرسائل التي تريد بيونغ يانغ إرسالها إلى العالم.

كشفت كوريا الشمالية للمرة الأولى عن منشأتها لتخصيب اليورانيوم

تجارب بيونغ يانغ الصاروخية و"جاهزية" سيول

وأطلقت كوريا الشمالية، الخميس الماضي، صواريخ قصيرة المدى للمرة الأولى منذ 73 يوماً، وشمل ذلك صواريخ باليستية، وجاءت تجارب بيونغ يانغ الصاروخية بعد أسبوع من تحذيرها من أن سيول وواشنطن ستدفعان ثمناً باهظاً للتدريبات العسكرية المشتركة. وأطلقت الصواريخ بالقرب من مطار سونان في بيونغ يانغ، وقطعت مسافة 360 كيلومتراً شرقاً قبل أن تهبط في بحر اليابان. وقالت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية إنه في حال أطلقت الصواريخ باتجاه الجنوب، فستكون هذه المسافة كافية لاستهداف المدن الرئيسية في كوريا الجنوبية مثل سيول ودايجون، وكذلك المنشآت العسكرية الرئيسية في غيريونغ وغونسان. وأضافت: "بينما نراقب عن كثب أنشطة كوريا الشمالية المختلفة في ظل موقف دفاعي مشترك حازم بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، فإننا سنحافظ على قدراتنا الساحقة وجاهزيتنا للرد على أي استفزازات". من جهته، دان الجيش الكوري الجنوبي تجارب بيونغ يانغ الصاروخية وعملية الإطلاق الأخيرة ووصفها بأنها "عمل استفزازي" يهدّد بشكل خطير السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، متعهداً بالرد الصارم.

وربط الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية فيكتور وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، استئناف التجارب الصاروخية بالتقارب بين موسكو وبيونغ يانغ، وقال إنه بعيداً عن أي رسائل محتملة لواشنطن، يبدو أن ما يشغل كوريا الشمالية هو الاستفادة من حاجة روسيا للأسلحة لمواصلة حربها على أوكرانيا. وأضاف أن هناك مصلحة مشتركة في ظل العقوبات الدولية والأممية المفروضة على الطرفين، فمن جهة، تحتاج بيونغ يانغ إلى الدعم المادي وما يمكن أن تجنيه من بيع الأسلحة لروسيا، ومن جهة أخرى، تحتاج موسكو للسلاح، إذ تعتبر كوريا الشمالية الخيار الأفضل كونها دولة متحررة من عبء الالتزام بالقرارات الدولية.

وكان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قد أجرى محادثات مع رئيس الأمن الروسي سيرغي شويغو في بيونغ يانغ، وجاءت الزيارة في الوقت الذي تسعى فيه موسكو للحصول على ذخيرة لمواصلة حربها المستمرة منذ أكثر من 30 شهراً في أوكرانيا، وفي الوقت الذي يتهم فيه الغرب بيونغ يانغ بإرسال أسلحة إلى موسكو.

وتعهد كيم بتعميق العلاقات مع روسيا خلال المحادثات مع شويغو، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام رسمية في بيونغ يانغ أمس السبت. وأظهرت صور، نشرتها وسائل الإعلام الكورية الشمالية الرسمية، كيم معانقاً شويغو ومبتسماً في ختام الزيارة. وتمنى الزعيم الكوري الشمالي "تمام الصحة والنجاح للرئيس المحترم فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين". وذكر الإعلام الرسمي أن كيم وشويغو أجريا "مباحثات بنّاءة في جو من الود والثقة". وأضاف: "كان هناك تبادل واسع للآراء حول قضايا تعميق الحوار الاستراتيجي بشكل مستمر بين البلدين وتعزيز التعاون للدفاع عن المصالح الأمنية المتبادلة وحول الوضع الإقليمي والدولي". وأفاد بأن كيم "أكد أن حكومة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ستوسع التعاون والتنسيق" مع روسيا على أساس المعاهدة الدفاعية بين البلدين.

فيكتور وانغ: تحتاج بيونغ يانغ إلى الدعم المادي وما يمكن أن تجنيه من بيع الأسلحة لروسيا

وترتبط موسكو بعلاقات تاريخية مع بيونغ يانغ منذ أن ساعد الاتحاد السوفييتي في تأسيس كوريا الشمالية، وشهدت السنوات الماضية تحسناً في العلاقات بين الجانبين توجت بزيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية في يونيو/حزيران الماضي، حيث وقّع اتفاقية دفاع مشترك مع الدولة المنعزلة عن العالم.

كيم يستعد للأصعب

في المقابل، رأى المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن قراءة الدوافع التي تقف وراء زيادة وتيرة تجارب بيونغ يانغ الصاروخية بمعزل عن الانتخابات الأميركية. وقال إن كوريا الشمالية دأبت على فعل ذلك في كل دورة انتخابية (أميركية)، إذ تريد أن تكون حاضرة بقوة في المشهد الأهم في الولايات المتحدة، لتقول إنها لا تزال دولة عصية قادرة على تطوير برنامجها النووي على الرغم من كل التهديدات والعقوبات، وإنه لا مجال إلا للرضوخ لمنطق القوة والتعامل معها باعتبارها دولة فاعلة ومؤثرة على الساحة الدولية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وفق رأيه، قد ترغب بيونغ يانغ في التأثير على توجهات الناخبين لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي كان أكثر انفتاحاً نحوها، وذلك من خلال مواصلة الأعمال الاستفزازية لتصوير إدارة جو بايدن بأنها إدارة فاشلة عاجزة عن كبح جماح التهديدات الصاروخية التي تشكلها بيونغ يانغ على حلفاء واشنطن في المنطقة.

لي يانغ: كوريا الشمالية تدرك أن المرحلة المقبلة صعبة في ظل تعزيز الولايات المتحدة وجودها في المنطقة

من جهته، قال لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، إن الأرجح هو أن كوريا الشمالية تركز على تحسين قدراتها الصاروخية، لأنّها تدرك أنّ المرحلة المقبلة صعبة للغاية في ظل تعزيز الولايات المتحدة وجودها في المنطقة وتشكيل جبهة موحدة من الحلفاء ضد الصين والتهديدات الكورية الشمالية، ضمن ما يعرف بالاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. وتابع: "بالتالي، ليس لدى بيونغ يانغ الوقت والترف لتوجيه الرسائل إلى الخارج، بل تريد التفرغ لإنهاء برامجها النووية وتطوير قدراتها الصاروخية بما يضمن أمنها وسيادتها، في أي مواجهة محتملة". وأضاف لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كوريا الشمالية ليست في حاجة إلى إطلاق صواريخ قصيرة المدى للفت انتباه موسكو من أجل بيع وتصدير الأسلحة، وموضوع تجارب بيونغ يانغ الصاروخية مرتبط بصورة مباشرة ببرامج وجداول زمنية محددة لإطلاق التجارب، غير أن ما أخّر تجارب بيونغ يانغ الصاروخية الأخيرة، حسب قوله، هو الفيضانات التي اجتاحت البلاد خلال الأشهر الماضية ودمّرت مناطقها الشمالية.

المساهمون