على الرغم من القبضة المُحكمة التي يفرضها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على كافة الدوائر المحيطة به، إلا أنه لم ينجح في القضاء بالكامل على صراع النفوذ بين الأجهزة السيادية المختلفة. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مصرية سياسية وأخرى دبلوماسية لـ"العربي الجديد"، عن التنافس داخل دوائر صناعة القرار المصري، في ما يتعلق بترتيبات متصلة بالمشهد السياسي خلال الفترة المقبلة. ونوّهت المصادر، إلى نشوب خلاف بين جهاز المخابرات العامة، وفريق محمود السيسي نجل السيسي من جهة، والمخابرات الحربية ووزارة الدفاع من جهة أخرى. وتتعلق الخلافات بشأن التعديل الوزاري المرتقب، وبعض الترتيبات السياسية المتعلقة بتحولات إقليمية ناجمة عن التغيرات التي طرأت على القيادة الأميركية، بوصول الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض وهزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب. وبحسب المصادر، فإن فريق نجل الرئيس، صاحب الكلمة العليا في ما يتعلق بترتيبات المشهد السياسي، بات يدعم اختيار بديل لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وسط تأييد كبير لاسم وزيرة التخطيط هالة السعيد، لخلافة مدبولي، بسبب علاقاتها القوية مع جهاز المخابرات العامة وإشرافها على أنشطته الاقتصادية.
الرياض تسعى لجذب القاهرة لمسار تحسين العلاقات مع أنقرة
وأشارت المصادر إلى أن رؤية الجهاز اصطدمت برفض صارم من جانب المسؤولين في وزارة الدفاع من تولّي سيدة منصب رئيس الوزراء ورئاستها لاجتماعات يحضرها وزير الدفاع، معتبرين أن "تلك الخطوة تمثل إهانة كبيرة للمؤسسة العسكرية حال تم تمريرها". وأوضحت المصادر، أنه تم إبلاغ الرئيس السيسي باستياء قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لما يدور من ترتيبات متعلقة بشأن التعديل الوزاري المرتقب. وشدّدت المصادر، على أن نجل الرئيس هو الذي يقف وراء فكرة تسمية السعيد بالتوافق مع رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل. وذكرت المصادر أن ملف التعديل الوزاري ليس وحده نقطة الخلاف بين مراكز التجاذبات داخل دوائر صناعة قرار النظام المصري، مشيرة إلى أن الترتيبات الإقليمية الجديدة الناتجة عن وصول إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن للبيت الأبيض، ساهمت في تأجيج الخلافات. وأوضحت أن دوائر صناعة القرار في المؤسسة العسكرية، تدعم في الوقت الراهن تقارب وجهات النظر مع تركيا وقطر وتخفيض حجم التوتر بين الجانبين. وهو مسعى تقوده السعودية وتسعى لجذب مصر معها، لتشكيل محور قوي ضاغط في مواجهة التوجهات المرتقبة لإدارة بايدن الجديدة، والتي تتبنى مواقف سلبية تجاه كل من القاهرة وأنقرة والرياض، على درجات متفاوتة من السلبية. وأشارت المصادر، إلى أن الصراعات داخل مراكز التجاذبات القريبة من النظام المصري كانت سبباً رئيسياً خلال الأيام الماضية للتضارب بشأن المصالحة الخليجية، واتجاه بعض الوسائل الإعلامية المحسوبة على جهاز المخابرات العامة لمهاجمة الدوحة وأنقرة. ووقعت مصر في 5 يناير/كانون الثاني الماضي على "بيان العلا"، الذي يهدف إلى حل الأزمة مع قطر، وذلك خلال القمة الخليجية الـ41، التي استضافتها السعودية، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وأعادت مصر الطيران المباشر مع قطر، كما فتحت مجالها الجوي أمام الطيران القطري، والذي ظلّ مغلقاً منذ قرار الحصار الذي فرضه الرباعي العربي مصر السعودية والإمارات والبحرين، على قطر، في يونيو/حزيران 2017. كما شهدت الكويت أمس الثلاثاء عقد مباحثات قطرية مصرية على غرار تلك التي عقدت بين وفدين قطري وإماراتي أول من أمس. وبحسب ما أكدت وكالة الأنباء القطرية "قنا" أمس فإن الوفدين المصري والقطري عقدا اجتماعهما الأول لوضع آليات وإجراءات المرحلة المستقبلية بعد بيان قمة العلا. ورحب الجانبان بالإجراءات التي اتخذها كلا البلدين بعد التوقيع على بيان العلا كخطوة على مسار بناء الثقة بين البلدين الشقيقين. كما بحث الاجتماع السبل الكفيلة والإجراءات اللازم اتخاذها بما يعزز مسيرة العمل المشترك والعلاقات الثنائية بين البلدين، وبما يحقق تطلعات شعبيهما في الأمن والاستقرار والتنمية. ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه الجهود السعودية لتحسين العلاقات مع تركيا، في محاولة لتخفيف الضغط على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن قضية قتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. وذكرت مصادر مصرية، أن الرياض تسعى لجذب القاهرة لمسار تحسين العلاقات مع أنقرة لتقوية موقفها، مشيرة إلى أن هناك ترتيبات لتنظيم زيارات متبادلة بين القيادتين السعودية والتركية. وأكد السفير التركي في الدوحة، مصطفى كوكصو، دعم بلاده للمصالحة الخليجية، مشيراً إلى أن بلاده دعمت جهود المصالحة منذ البداية. وشدّد على أن الجانبين التركي والقطري يعملان على تنسيق الاستثمارات المشتركة. وبشأن العلاقات مع السعودية، أعرب كوكصو، في تصريحات لوسائل إعلام نقلتها وكالة "الأناضول"، عن أمنيته بوجود علاقات جيدة مع السعودية لأنها وتركيا "دولتان مهمتان في المنطقة والعالم". وأبدى تفاؤله بتحسن العلاقات مع مصر، كاشفاً عن استمرار العلاقات التجارية والاستثمارات بين البلدين رغم المشاكل على الصعيد السياسي. ونفى السفير التركي وجود أطماع لبلاده في ليبيا، مؤكداً أن بلاده ذهبت إلى طرابلس بدعوة من الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
اعتبر مسؤولون عسكريون تسلّم إمرأة رئاسة الحكومة "إهانة لهم"
وكرر السفير دعوة تركيا لترسيم الحدود في البحر المتوسط عبر الحوار وطبقا للقوانين الدولية، مجدداً رفض بلاده لسياسة فرض الأمر الواقع. وكانت مصادر مصرية خاصة، قد كشفت مطلع الأسبوع الحالي لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء الليبي الجديد، عبد المجيد الدبيبة شدّد، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، على استعداده لتعاون يضمن ويؤمن المصالح المصرية، بشكل يحقق معه المصالح الليبية، ويساعد على سرعة إنهاء الأزمة، بما يضمن استقرار تلك المنطقة لكافة دول الجوار. وكشفت أن الدبيبة حمل أيضاً رسائل ودّية لمصر، من دون أن توضح أن كانت تلك الرسائل اجتهاداً شخصياً منه، أم أنها رسائل تم تحميله بها من الجانب التركي، بحكم العلاقات القوية بين الجانبين، في ما يخص أزمتي ليبيا وشرق المتوسط.