تبون يتمسك بالحكومة الجزائرية: تغييرات محدودة لا تلبي المطالب

30 يوليو 2022
بن عبد الرحمن في القمة المصرية ـ الجزائرية بالجزائر، الشهر الماضي (Getty)
+ الخط -

على الرغم من تصاعد المطالب السياسية الموجهة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ أشهر، لإجراء تعديل وزاري تعتبره الأحزاب الشريكة في الحكومة نفسها ضرورياً من أجل إنعاش بعض القطاعات الوزارية المعطلة، واستبعاد وزراء أخفقوا في تحقيق نتائج في وزاراتهم، وكذلك الانتقادات الشعبية لأداء حكومة أيمن بن عبد الرحمن، فإن تبون يتجاهل هذه المطالب.

تغييرات محدودة في الحكومة الجزائرية

واكتفى تبون بإجراء تغييرات محدودة فرضتها ظروف وحوادث محددة، من دون أن تشمل الوزارات المعنية بالانتقادات السياسية والشعبية، على غرار وزارتي التجارة والصناعة، في الوقت الذي تتحضر فيه الحكومة لتقديم حصيلتها أمام نواب البرلمان في سبتمبر/أيلول المقبل.

في 24 إبريل/نيسان الماضي، أعلن تبون أنه سيقوم بإعداد تقييم لأداء الحكومة والوزراء بعد انقضاء عام من توليها المهام في يونيو/حزيران 2021.

وقال تبون في حوار مع صحافيين جزائريين بثه التلفزيون الرسمي في تلك الفترة: "تحدثنا عن الحكومة كثيراً، هناك بعض الوزراء يجب أن نعطيهم فترة للتدرب على العمل الحكومي، كل الوزراء جامعيون وبعضهم يحملون أكثر من شهادة جامعية، لكن بعضهم تنقصهم التجربة، والتجربة تكتسب، سيكون هناك تعديل حكومي حسب نتائج كل وزير قريباً، وحسب تطبيقه للقرارات التي تتخذ في مجلس الوزراء".


مراد ملاح: الحكومة عملت بظروف قلقة لم تسمح لها بالإنجاز

وفي 21 يونيو الماضي انقضى عام كامل على تعيين حكومة أيمن بن عبد الرحمن، لكن تبون لم يعلن عن أي تقييم لأدائها، ولم يقم بخلاف تعهداته السياسية بتعديل حكومي، على الرغم من أن الكثير من التوقعات والتقارير كانت تشير إلى إمكانية حصول ذلك.

وتحدثت بعض التسريبات عن أن تبون كان يعتزم فعلياً القيام بتعديل حكومي قبل شهرين، على أساس أن يشمل ذلك عدداً من الوزراء ورئيس الحكومة نفسه، وتم تداول مقترح لتولي وزير البيئة الأسبق شريف رحماني منصب رئاسة الحكومة، لكن المقترح لم يلقَ الإجماع داخل دوائر الحكم في الجزائر، ما أدى إلى إرجاء التعديل الحكومي إلى وقت لاحق.

غير أن تبون عيّن رحماني، الخميس الماضي، في هيئة تتبع الاتحاد الأفريقي للتقييم من قبل النظراء، باقتراح من تبون.

وظلّت المناشدات السياسية بإجراء تعديل حكومي، قائمة في الساحة الجزائرية، ولعل أكثر المطالبات كانت صادرة من قبل أحزاب الحزام الحكومي نفسها، على غرار "جبهة التحرير الوطني" الذي كان أمينه العام أبو الفضل بعجي قد طالب "باستبعاد الوزراء الذين لم ينجحوا في تقديم أي إضافة لقطاعاتهم الوزارية".

كما طالب رئيس "حركة البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة قبل أسبوعين تبون بإجراء تعديل حكومي يراه الحزب ضرورياً.

وقال: "نتطلع لإجراء تعديل حكومي، الذي وعد به رئيس الجمهورية، بما يعيد الأمل في قطاعات وزارية مشلولة ويساهم في إعطاء ديناميكية جديدة ويرفع من مستوى الأداء للطاقم الحكومي وبما يرقى لمسعى تخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية على المواطن".

كذلك أبدى الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" الطيب زيتوني عدم رضا الحزب عن أداء عدد من الوزراء، معتبراً أن "أداءهم لم يكن في مستوى تطلعات المواطن، ولم يكن في المستوى المأمول لجهة الاستجابة الفعّالة للمطالب المشروعة والآمال المنتظرة، وهناك ضرورة لاستبعادهم لتحقيق انسجام أكبر في عمل الفريق الحكومي".

لكن هذه المطالب السياسية التي رافقها غضب وانتقادات شعبية وإعلامية حادة ضد عدد من الوزراء، بسبب سياساتهم وقراراتهم، على غرار وزير التجارة كمال رزيق، ووزير الصناعة أحمد زغدار ووزيرة البيئة سميرة موالفي، ووزير الصناعات الصيدلية بن بابا أحمد، لم تلق استجابة لدى تبون.

واكتفى الرئيس بتعديلات حكومية طفيفة فرضتها أحداث وظروف خاصة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أجرى تعديلاً حكومياً طفيفاً، أقال خلاله وزير الاتصال عمار بلحيمر، وعيّن محمد بوسليماني خلفاً له، بسبب قضية خاصة بالأول.

ونقل بموجب التعديل حاكم العاصمة الجزائرية يوسف شرفة إلى منصب وزير العمل خلفاً لعبد الرحمن لحفاية. كما تمت إقالة وزير الزراعة عبد الحميد حمداني وتعيين محمد عبد الحفيظ هني بدلاً منه.


ناصر حداد: الرئيس يرفض إعطاء الانطباع بتأثره سريعاً بالمطالب

وفي فبراير/شباط الماضي أعلن تبون عن إنهاء جمع رئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن بين منصبه ووزير المالية، وتمت إعادة تعيين عبد الرحمن راوية، وزيراً للمالية، بعد أقل من ثمانية أشهر من مغادرته نفس المنصب، قبل أن يقوم بإقالته مجددا في 14 يونيو الماضي وتعيين جمال كسالي خلفاً له. وفي مارس/آذار الماضي تمت إقالة وزير النقل عيسى بكاي معيّنا عبدالله منجي بدلاً منه، كما عُينت صورية مولوجي وزيرة للثقافة، خلفاً لوفاء شعلال.

وتطرح في السياق اعتبارات سياسية تفسر رفض تبون إجراء تعديل حكومي شامل يعيد التوازن للأداء الحكومي، ويعيد الثقة الشعبية في الحكومة، بعد فترة شهدت أزمات في قطاعات التموين وانفلاتا في الأسعار وتضاربا لافتا في القرارات الحكومية.

مبررات تبون لعدم الاستعجال بالتعديل الشامل

ورأى المحلل السياسي ناصر حداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس قدم مبررات واقعية تفسر عدم تعجله في إجراء تعديل حكومي شامل"، وقال إن ذلك مرتبط بالتقييم بعد فترة عام، وهذا أمر مقبول نظرياً على الرغم من أنه قام بتغيير وزراء لم يكن قد مضى على تعيينهم شهرين، كوزير المالية.

وأضاف: "أعتقد أن هناك أيضاً دوافع سياسية إزاء ذلك، الرئيس يرفض أن يعطي الانطباع بتأثره سريعاً بالمطالب السياسية، ولا يريد أن يمنح الأحزاب السياسية والقوى الضاغطة إعلامياً وشعبياً الانطباع أنها مؤثرة في القرار السياسي".

وتابع أن "التعيين في بعض القطاعات الوزارية بالغة الحساسية، يعود فيها القرار للرئيس لكنه مرتبط بتوافقات بين مؤسسات الدولة، وأعتقد ان هذا من بين الأمور التي أخّرت نسبياً التعديل الحكومي المفترض".

ولفت المحلل الاقتصادي مراد ملاح، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "الحكومة عملت في ظروف قلقة لم تسمح لها بإنجاز الكثير في ظل معطيات الأزمة الوبائية وتعطل حركية الاقتصاد العالمي نسبياً، وهذا ربما ما استدعى منح بعض الوزراء فرصة ما بعد الأزمة لتحسين أدائهم".

وأشار إلى أن "ذلك لا يمنع من التأكيد على مشكلات هيكلية ظهرت على أداء الحكومة مع غياب التنسيق بين القطاعات الوزارية، وهو خلل كبير يتعين على الرئيس والحكومة استدراكه".

المساهمون