لا يُعرف كيف أقنع الرئيس التونسي قيس سعيّد نظيره الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة تونس (تبدأ اليوم الأربعاء) في هذا التوقيت الحساس.
كان تبون يخطط لأن تكون الزيارة في شهر فبراير/ شباط المقبل، لغاية يكون فيها التاريخ حاضراً بمناسبة ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف (القصف الفرنسي للقرية الحدودية في الثامن من فبراير 1958)، بحيث يكون فيها نغز آخر ضد فرنسا وتذكير بجرائمها الممتدة من الجزائر الى تونس.
لكن تقرر لاحقاً تعديل موعد حضوره إلى تونس بعد الزيارة التي قامت بها رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن إلى الجزائر في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والتقت خلالها تبون.
تبدو زيارة تبون إلى تونس وكأنها تأتي في التوقيت الخطأ، وفي مكان حرج أيضاً. ينزل الرئيس الجزائري في تونس والساحة تغلي بسبب الرفض السياسي العام والإجماع الحاصل سياسياً ومدنياً على خطورة التفكيك السياسي والنسف الذي يمارسه قيس سعيّد للأرضية السياسية في البلاد ولمنجزات دستور 2014، وسعيه لفرض بدائل "التصعيد القاعدي" الذي يشبه في بنيته السياسية نموذج جماهرية القذافي.
ولذلك يبدو الرئيس الجزائري أنه بصدد دخول حقل تونسي مُلغّم، وعشية تظاهرات شعبية مناوئة لقرارات 25 يوليو/تموز.
يفرض هذا حرصاً بالغاً على أن توضع كل كلمة في موضعها، بحيث لا تسيء أطراف العائلة السياسية في تونس الفهم، ولا توضع الجزائر في الموقف المقابل لإرادة التونسيين، وأن يكون كل موقف بجميع استتباعاته السياسية والاقتصادية موجهاً لصالح تونس لا غير.
كان لافتاً حرص قيس سعيّد على أن يكون خطابه الأخير (مساء الإثنين) سابقاً لزيارة الرئيس الجزائري، بعدما كان مقرراً أن يتم بعدها (17 ديسمبر)، لكي لا يظهر أن الأمر كجزء من الإملاءات الجزائرية، وعلى أمل أن يحصل على إسناد جزائري لخطته، بغض النظر عن أن هذه الزيارة ستُفهم في تونس على أن الجزائر تقف في ظهر قيس سعيّد.
ولن يتوانى سعيّد عن محاولة صب مخرجات الزيارة في رصيده، والاستفادة منها لفك الحصار الذي وضع نفسه فيه بسبب إلغائه السياسي لكل الآخر، والمفروض عليه خصوصاً من قبل الدول الغربية التي تنظر بعين الريبة للعقل المفرد الذي يستحكم في سلوكه السياسي، ولما يقوم به من هدم لكامل دعامات التجربة الديمقراطية في تونس.
في الواقع، الاعتقاد بأن الجزائر تقف خلف سعيّد ليس دقيقاً. ما هو غير معلن أن السلطة السياسية في الجزائر، أعادت قبل فترة قصيرة (وبعد تصريحات الرئيس تبون التي أثنى فيها على قيس سعيّد في أغسطس/آب الماضي) تقدير الموقف في تونس، وقراءة المعطيات بشكل أكثر دقة. وخلصت إلى أن استمرار المسار الحالي الذي ينتهجه قيس سعيّد قد يعقد الأزمة في البلد الجار، ويفتح الباب لصالح تموقع أكبر في تونس لأطراف إقليمية لا ترتاح الجزائر لوجودها هناك، ولذلك تبدو الحسابات الجزائرية أبعد من خريطة تونس وتفاعلاتها المحلية.
لا تريد الجزائر أدنى مناكفة لقيس سعيّد -وهو رجل بلا سقف ولا حدود- لئلا يجد نفسه مدفوعاً للنوم عند من تصفهم الجزائر "بمحور باريس وأشقاء السوء "، لكنها ستفعل بصمت ما يمنع ارتطامه بجدار يهشّم تونس.