جدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الأحد، تعهداته السياسية بأن تكون الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرّرة في 12 يونيو/حزيران المقبل نزيهة وشفافة، وتعبّر عما وصفها بـ"إرادة الشعب"، لكنه حذر في المقابل من استمرار مجموعات المال الفاسد في التحرك لإثارة القلاقل في البلاد.
وقال تبون في مقابلة صحافية بثها التلفزيون الجزائري الليلة الماضية، إن "الأهم بالنسبة لي في التشريعيات المقبلة هو تحقيق النزاهة والشفافية التامة"، مرحباً بما تمخض عن الصندوق من نتائج، مضيفاً: "قدمنا كل الضمانات لكل الأحزاب السياسية، ونحن نريدها أن تكون انتخابات نزيهة"، مشدداً على أنه لا يسعى إلى أي توجيه للانتخابات المقبلة.
وأكد تبون أنه استقبل كلّ الأطراف السياسية باختلاف وزنها، قائلاً: "لم أسعَ إلى تضخيم أي حزب سياسي أو إنشاء حزب، بل وضعنا في الدستورين احتمالين، وهما إما أن تنبثق من الانتخابات أغلبية رئاسية تقود إلى حكومة وزير أول، أو أغلبية غير رئاسية وتقود إلى حكومة برئيس حكومة يطبق برنامج الأغلبية غير الرئاسية"، نافياً أن يكون دعمه لقوى المجتمع المدني مرتبطا بالانتخابات، قائلاً: "أنا متحمس للشباب لكونه منقذا للأوطان".
واعتبر الرئيس الجزائري أن معدلات سحب وثائق الترشيحات في الولايات مشجعة، وتفوق مستوى طموحاتنا بكثير، مقللاً في المقابل من أهمية المقاطعة الشعبية للانتخابات، مؤكداً أن النتائج ستُعتمد مهما كانت النسبة. وقال: "النسبة ليست مهمة، نسب تصويت في كلّ العالم تتراوح بين 40% و50%، لكننا نأمل أن تكون مشاركة شعبية قوية، وعلى مواطنينا أن يدركوا أن عدم المشاركة تضعنا أمام حتمية القبول بنتائج التشريعيات كما هي، ويجب أن يعرف الشعب أننا نبني دولة جديدة تقوم على الشعب".
وفي المقابل، حذر الرئيس تبون من استمرار محاولات ما يصفه بلوبيات المال الفاسد لإثارة القلاقل في البلاد بأشكال مختلفة، وقال: "هناك مال فاسد يعمل على التشويش، وهو مال سائل يُدفع في الداخل والخارج لكتابة مقالات صحافية وتمويل حملات إعلامية"، مضيفاً: "لا يزال المال الفاسد يسري في المجتمع، ومن مصادره أرصدة مسجونين، قام أحدهم بصبّ 10 ملايين دولار للوبي أميركي، هذا النوع من الفاسدين يعتقدون أنهم سيفلحون في تنفيذ مخططاتهم ولكنهم يتعبون أنفسهم فقط"، في إشارة منه إلى صفقة تمّت بين وسطاء باسم رئيس الكارتل المالي، علي حداد الموقوف في السجن والمدان في قضايا فساد، ومجموعة ضغط أميركية للسعي للإفراج عنه. كما كشف عن معلومات عن تمويل وصل إلى ناشط مقيم في الخارج بقيمة كبيرة، "أخيراً 300 ألف يورو في رصيد أحدهم للإساءة إلى سمعة الجزائر بعلم الدولة التي يقيم فيها ولم يتعرض للمساءلة لعمالته مع مخابراتها"، ويرجح أنه يقصد الناشط المقيم في فرنسا أمير بوخرص، المعروف على مواقع التواصل الاجتماعي باسم أمير دي زاد.
وجدّد الرئيس تبون المطالبة باسترجاع الأموال المنهوبة المحّولة إلى الخارج، وقال "وجدنا تجاوباً لدى دول أوروبية للتعاون في مجال الأموال المهربة إلى الخارج لاسترجاعها وكذلك الممتلكات، وهذا الشهر ستأتي أخبار مهمة في هذا السياق"، مشيراً إلى نجاح السفارة الجزائرية في فرنسا في استرجاع 44 عقاراً، منها شقق وفلل.
وأشار في السياق إلى أن الأزمة الوبائية عطّلت ظرفياً تنقّل المصالح الجزائرية المختصة للتحري واسترجاع هذه الأموال، وقال: "التزامنا لا يزال قائماً وعزيمتنا أيضاً. الأملاك والأموال المنهوبة المسترجعة داخل الجزائر لا تمثل شيئاً مقارنة بما تم تهريبه وإخفاؤه في الخارج، وسيأتي يوم سيبوح هؤلاء بالمال الذي يخفونه، لأن ذلك في صالحهم".
ورداً على سؤال حول الزيارة التي سيقوم بها رئيس الحكومة الفرنسية إلى الجزائر في 11 إبريل/نيسان الجاري، أوضح الرئيس الجزائري أن "هذه الزيارة لن تفضي إلى معجزة وهي مجرد زيارة تقنية ودورية"، لكنه شدد على استكمال معالجة ملف الذاكرة بين البلدين، واسترجاع الأرشيف، قائلاً: "كل ما هرّبته فرنسا من الأرشيف العثماني الذي وجدته في الجزائر عليها إعادته إلينا، ونحن على مسعى لاسترجاع أرشيفنا عموماً بكل حزم". ووصف نوايا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن ذلك بالنزيهة، مستدلاً بتدخله الاستثنائي في موضوع الجماجم. وقال: "العام الماضي حصلنا على جماجم المقاومين بقرار استثنائي من الرئيس ماكرون، بينما كان قرار تسليمها يفترض أن يمّر عبر البرلمان"، مضيفاً أنه لن يتخذ من ملف الذاكرة "سجلاً تجارياً".