سعى الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الخاسر أمام الرئيس الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى جعل أنصاره وقسم من البرازيليين الذين صوّتوا له جزءاً من الصراع الدائر بين تياره والعهد البرازيلي الجديد.
ورغم الإشارات المحدودة التي أظهرها بولسونارو، إثر هزيمته في دورة الإعادة أمام لولا، التي أجريت في 30 أكتوبر، إلى أنه سيسلّم السلطة رسمياً في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل لخلفه المنتخب، إلا أن تصريحات أدلى بها أمس الجمعة، عادت لترسم الشكوك حول نواياه، لا سيما مع وضعه المؤسسة العسكرية أيضاً في الواجهة، والتي رأى أن أنصاره المعترضين على النتائج هم من يحدّدون بوصلتها.
وليس واضحاً ما إذا كان بولسونارو لا يزال يحرّض ويعول على انقلاب عسكري لصالحه، أم يقوم بخطوة استباقية، خصوصاً بعدما أصبح معرضاً للملاحقة في ظلّ تبدل العهود في البرازيل.
وفيما يواصل الرئيس اليساري المنتخب في البرازيل، المعروف بلولا، العمل على تشكيلة حكومته المقبلة، يواصل أنصار بولسونارو احتجاجهم على نتائج الانتخابات، ومطالبتهم الجيش بالقيام بانقلاب عسكري لإبقاء الرئيس الخاسر في السلطة.
إعجاب بالديكتاتورية العسكرية ومصالح متبادلة
وكان بولسونارو، وهو ضابط سابق في الجيش، ولم يخف إعجابه بمرحلة الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل بين عامي 1954 و1985، قد بنى علاقة خاصة مع المؤسسة العسكرية خلال ولايته التي بدأت رسمياً في الأول من يناير 2019، وملأ الوزارات بعسكريين موالين له، ووضع العديد من أنصاره من اليمين المتطرف في مناصب عسكرية وأدخلهم إلى هذه المؤسسة.
وانعكست هذه العلاقة المبنية على مصالح متبادلة شكلاً ومضموناً، إذ قلّما ظهر بولسونارو في تجمعات من دون أن يكون محاطاً بالجنرالات، فيما تمكن من مدّ نفوذه في البلاد، وتعزيز حضور تياره المؤيد للبولسونارية، وهو نهجه المبني على التطرف اليميني، بفضل العسكر الذين أكسبهم نفوذاً في المؤسسات الرسمية المدنية. كما فتح بولسونارو باباً واسعاً لنفوذ الكنيسة الإنجيلية.
مقابل ذلك، ظلّ الرئيس الخاسر يتبنى مواقف هجومية تجاه شرائح واسعة من المجتمع البرازيلي، خصوصاً اليسار، بالإضافة إلى معاداته الفقراء، والنساء، والمثليين، والمدافعين عن البيئة والناشطين الحقوقيين، لدرجة إبداء العديد من المراقبين الشأن البرازيلي قلقاً شديداً على وضع الديمقراطية في هذا البلد.
وكان بولسونارو قد التزم الصمت تقريباً، منذ خسارته الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة أمام لولا بفارق ضئيل (50.9 في المائة، مقابل 49.1). وبعد يومين تقريباً من خسارته، شكر في تصريح مقتضب المصوتين له، من دون أن يعترف بالهزيمة، أو يشكك فيها بالوقت ذاته. وقال كبير موظفيه سيرو نوغيرا، حينها، إن العملية الانتقالية ستبدأ.
وكان الرئيس الخاسر قد شكّك قبل الانتخابات بالنظام الانتخابي، وطالب، مع بعض القيادات العسكرية، بأن يكون للمؤسسة العسكرية دور في فرز الأصوات، وهو ما رفضته اللجنة العليا للانتخابات.
شكّك بولسونارو قبل الانتخابات بالنظام الانتخابي، وطالب بأن يكون للمؤسسة العسكرية دور في فرز الأصوات
وفي وقت لاحق بعد تصريحه الأول إثر الهزيمة، قام فريق بولسونارو بتقديم طعن أمام السلطات الانتخابية المختصة، زعم فيه، مع الحزب الليبرالي اليميني (انتمى إليه في 2021)، أن بعض آلات التصويت كانت معطلة خلال الاقتراع، وأن عدداً من الأصوات يجب إبطالها. ورفضت اللجنة العليا للانتخابات الطلب، بل جرى تغريم الحزب بأكثر من 4 ملايين دولار بسبب "سوء نية الطلب".
في الأثناء، ظلّ مناصرو بولسونارو يقطعون الطرقات الرئيسية في البلاد، لا سيما في المناطق التي يمتلك فيها شعبية عالية، ويعتصمون أمام مقار عسكرية، في خطوات اتخذت أحياناً طابعاً عنفياً، مطالبين بحصول انقلاب عسكري.
بولسونارو يرمي الكرة في ملعب أنصاره والجيش
وبناء على هذه الخلفية، رمى بولسونارو، أمس الجمعة، الكرة في ملعب أنصاره والجيش، متحدثاً أمام أنصاره عند مدخل مقر الرئاسة في برازيليا، بقوله إن "الصمت الذي التزم به يؤلمه". وأضاف أن "من يقرر وجهتنا هو أنتم. من يحدد الاتجاه الذي تسير فيه القوات المسلحة أنتم".
ولم يقر بولسونارو في كلمته دعوة أنصاره للتدخل العسكري، لكنه قال إن القوات المسلحة ستحترم دستور البرازيل. وأبلغ أنصاره أن القوات المسلحة هي حصن البرازيل لمنع الاشتراكية في البلاد، وقال لهم إن قضيتهم "ستنتصر يوماً ما". وأضاف أن "القوات المسلحة موحدة، وهي تدين بالولاء لشعبنا وتحترم الدستور كما أنها مسؤولة عن حريتنا". وأكد أنه "على عكس الآخرين، سوف نفوز".
ويفترض أن تصادق السلطة الانتخابية البرازيلية، الإثنين المقبل، على فوز لولا بالرئاسة. واعتبر كبير موظفي لولا، روي كوستا، أمس، رداً على كلام بولسونارو، أن الشعب البرازيلي قال كلمته، وأن كل محاولات تقويض الديمقراطية حول العالم باءت حتى الآن بالفشل.
يفترض أن تصادق السلطة الانتخابية البرازيلية، الإثنين المقبل، على فوز لولا بالرئاسة
وكان فريق لولا قد رفع، الأسبوع الماضي، دعوى ضد بولسونارو وابنيه فلافيو وإدواردو (عضوان في الكونغرس)، وضد مرشح بولسونارو لمنصب نائب الرئيس، الجنرال المتقاعد والتر براغا نيتو، بتهمة استغلال السلطة والتهجم على النظام الانتخابي في البلاد خلال الحملة للانتخابات الرئاسية.
لولا يواصل العمل على حكومته
في غضون ذلك، يواصل الرئيس المنتخب العمل على تشكيلة حكومته. وسمّى، أمس الجمعة، الرئيس السابق لبلدية ساو باولو والمرشح ضد بولسونارو في 2018 فرناندو حداد وزيراً للمالية، رغم عدم ارتياح أوساط الأعمال للأخير بسبب توجهاته اليسارية. وأعلن لولا كذلك عن أسماء 4 وزراء آخرين هم: ماورو فييرا للخارجية، فلافيو دينو للعدل، جوزيه مونتيرا للدفاع، وروي كوستا لشؤون الرئاسة.
وسبق أن تولى حداد حقيبة التربية من عام 2005 وحتى 2012، وهو يخلف الليبرالي باولو غويديش ذي التوجهات المناقضة، والذي تولى الحقيبة طوال عهد بولسونارو.
سمّى لولا الرئيس السابق لبلدية ساو باولو فرناندو حداد وزيراً للمالية
ويتولى فييرا وزارة الخارجية التي سبق أن تولاها في خلال الولاية الرئاسية الثانية لديلما روسيف، بين عامي 2015 و2016. وفييرا دبلوماسي متمرّس سبق أن شغل منصب سفير البرازيل في الأرجنتين ومن ثم في الولايات المتحدة. لوزارة العدل، اختار لولا فلافيو دينو، (شمال-شرق). أما وزير الدفاع المقبل، جوزيه موسيو مونتيرو، فهو مدني سبق أن تولى رئاسة ديوان المحاسبة من 2018 وحتى 2020.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)