- بوتشيمون، الذي نشأ تحت حكم فرانكو، عانى من قمع الثقافة الكتالونية وبدأ معركته السياسية مبكراً، مما قاده إلى منصب رئيس حكومة كتالونيا والسعي لاستقلالها.
- على الرغم من الاتهامات والمنفى، واصل بوتشيمون دفاعه عن استقلال كتالونيا. الانتخابات الأخيرة أظهرت فشل الانفصاليين وتقدم الحزب الاشتراكي، مما يشير إلى تحول في الديناميكيات السياسية بين كتالونيا ومدريد.
من منفاه الفرنسي قاد زعيم الحركة الانفصالية في إقليم كتالونيا، كارليس بوتشيمون، حملة حزبه "معاً من أجل كتالونيا" أمس الأحد، في برشلونة، لتحقيق أغلبية برلمانية مع أحزاب أخرى ساعية للاستقلال عن إسبانيا. لكن النتيجة النهائية أفادت بأن الحزب الاشتراكي بزعامة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، قفز من 33 إلى 42 مقعداً، بينما لم يحقق "الاستقلاليون" أكثر من 61 مقعداً.
فمن أصل 135 نائباً احتاج بوتشيمون إلى تأييد 68 لتشكيل أغلبية كافية للحكم في الإقليم المنقسم اليوم على نفسه أكثر من انقسامات عام الاستفتاء على الاستقلال في خريف 2017. فهي المرة الأولى التي يفقد فيها الحالمون باستقلال الإقليم، الواقع في أقصى الشمال الشرقي لإسبانيا، أغلبيتهم البرلمانية، وهي نتيجة تعتبر نجاحاً لسانشيز، الذي واجه قبل أيام اتهامات بالفساد واستغلال السلطة من قبل زوجته.
قيادة كارليس بوتشيمون، الحالم باستقلال تام عن مدريد، انتخابات الإقليم الكتالوني من المنفى الفرنسي تختزل رحلة تنقّله من بلد إلى آخر تحت تهديد تسليمه إلى مدريد.
بوتشيمون يعرف شخصياً ما يعنيه المنفى، فهو سمي بكارليس على اسم جده كارليس كاساماجو الذي اضطر للهروب إلى فرنسا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، وأقام في مخيم لجوء، قبل أن تختفي آثاره تماماً في عام 1943.
وُلد كارليس الحفيد في عام 1962غرب جيرونا، حيث كان والده يعمل فيها خبازاً، وفي طفولته وشبابه عانى كغيره من الكتالونيين تحت حكم الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو على وقع قمع الثقافة واللغة الكتالونية حتى عام 1975. خلق ذلك أجواء عنف مسلح ضد حكم مدريد لكتالونيا، وغيرها من أقاليم يخشى الإسبان أن استقلال كتالونيا سيعبد الطريق أمامها، مما سيؤدي لتفكك إسبانيا نحو دويلات مستقلة.
النزعة الاستقلالية لم تهدأ عند بوتشيمون، القادم إلى السياسة من عالم الصحافة التي عمل فيها صحافياً ورئيس تحرير لصحيفة "El Punt Avui" الكتالونية، ثم شارك في تأسيس صحيفة "كتالونيا توداي" الناطقة بالإنكليزية، ومؤسس لوكالة أنباء كتالونيا، وتنتشر مكاتبها في برلين وبروكسل ولندن ونيويورك وباريس.
وفي عام 2007 انتخب بوتشيمون لعضوية مجلس مدينة جيرونا، وعمدتها بين 2011 و2016، ثم رئيساً لحكومة إقليم كتالونيا. معركته بدأت مبكراً، حيث تعهد في سن الـ29 بجعل جيرونا كتالونية وليست إسبانية. وعلى ذلك المسار سار بوتشيمون من ناشط سياسي في طريق ممتد لنحو 15 سنة إلى منصب عمدة جيرونا الكتالونية، ثم رئيساً للإقليم الساعي للاستقلال في 2016، بعد فشل المرشحين الآخرين في حشد الدعم اللازم لهم. اندلاع معركته في 2017 مع رفض مدريد استفتاء الاستقلال، حول استقلال كتالونيا إلى حبة بطاطس ساخنة، تتقاذفها أيادي الحكم المركزي في مدريد.
إذاً منذ 2016 كان ابن الخباز الكتالوني يظهر بعض مهاراته في إدارة مخبز السياسة سعياً لترسيخ فكرة أن الاستقلال عن مدريد يكون استقلالاً قومياً لا إدارياً. إصراره ذاك وسّع شعبيته في الأوساط القومية الكتالونية، بينما حاول الملكيون المؤيدون وحدة مملكة إسبانيا، وبينهم كتالونيون لا يرون فائدة من الاستقلال، إحراق أصابع الرجل منذ 2017، متهمين إياه بأنه أدخل مملكة إسبانيا في واحدة من أسوأ أزماتها السياسية الداخلية منذ عهد فرانكو.
واعتُبر استفتاء 2017 غير دستوري، وواجه بوتشيمون اتهامات بالعصيان والاحتيال ودعم الإرهاب، ليفر من البلد نحو منفى أوروبي تحت طائلة التهديد بالملاحقة عبر الشرطة الأوروبية في أكثر من دولة. ملاحقته من أقصى الشمال الأوروبي على الحدود الدنماركية-الألمانية وفي فنلندا مروراً ببروكسل ووصولاً إلى إيطاليا وفرنسا، لم توقف إصراره على طلب الاستقلال لشعب كتالونيا (يقدر بنحو 8 ملايين نسمة).
غير بعيد عن كتالونيا، تعهد بوتشيمون قبيل انتخابات أمس الأحد، بأن يمضي نحو "إنهاء العمل الذي بدأناه"، كما كرر منذ أطلق حملته الانتخابية في مارس/آذار الماضي، مشيراً بذلك إلى جهود الاستقلال في خريف 2017. كذلك تعهّد بوتشيمون بأنه سيترك السياسة إذا لم يحقق الأغلبية المطلوبة (68 مقعداً من أصل 135)، لكن حزبه "معاً لأجل كتالونيا" حل في المرتبة الثانية وليس الأولى كما رغب.
ويبدو أن الوسطية في رحلة العلاقة المتشنجة بين برشلونة ومدريد على مدار السنوات الأخيرة آخذة في الحلول محل القومية المتخبطة في التشدد. فرئيس الوزراء بيدرو سانشيز، الموصوف بأنه يساري، يتصرف على أرضية وعوده في 2018 بأنه يسعى إلى "تضميد جراح" إسبانيا السياسية.
ويبدو أيضاً أن سانشيز استطاع منذ ذلك الحين إظهار إسبانيته بطريقة لا تغضب الكتالونيين من ناحية، وتحاصر الخطاب المتشنج على الناحية المقابلة عند "الملكيين"، فبقي ينزع صواعق قنابل السياسة القومية، حتى وصل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى موافقة مدريد على منح العفو للسياسيين والناشطين الكتالونيين لمشاركتهم في محاولة انفصال كتالونيا عن إسبانيا، بالطبع مستثنى منهم بوتشيمون. وبالتأكيد لم يرق لليمين أن يروا سانشيز ينجح في ذلك، فكالوا له اتهامات بتقويض وخيانة الدولة والديمقراطية الإسبانية لتحقيق مكاسب خاصة به.
وبغض النظر عن نتيجة ما يدور في كواليس برلمان كتالونيا الجديد، حيث لا يستطيع أي من الطرفين تحقيق الأغلبية المطلوبة، فإن وعود ابن الخباز بوتشيمون بالخروج من مطبخ السياسة ربما تكون محل مقايضة، يحمل معها تقديم مشروع قانون في مجلس الشيوخ الإسباني خلال الأسابيع القادمة يعطي مجالاً لبوتشيمون لوضع حد لمنفاه بالعودة إلى إسبانيا، والقبول بنتائج أن كتالونيا ليست قريبة بعد من أحلامه وأحلام رفاق جيله ممن عاشوا فترة طفولة ومراهقة في كنف ديكتاتورية فرانكو.