تعيش ليبيا منذ أيام، على وقع بوادر أزمة دستورية، عنوانها صدام الصلاحيات بين الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في ليبيا، وملتقى الحوار الوطني الليبي، الذي يعمل بإشراف الأمم المتحدة وبعثتها إلى ليبيا. وفيما يعتزم الملتقى الاجتماع غداً الأربعاء وبعد غدٍ الخميس، لدراسة مخرجات لجنته القانونية ومقترحها حول الأساس الدستوري للانتخابات الليبية الرئاسية والتشريعية المقررة في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، بحسب خريطة الطريق الأممية، أكّدت الهيئة التأسيسية اعتراضها على المقترح، مشددة خصوصاً على ضرورة إجراء استفتاء شعبي على أي مقترح دستوري للانتخابات، وهو ما تلحظ اللجنة إمكانية تأجيله، والعمل بمقترح دستوري "مؤقت".
كما ترفض "الهيئة" تشكيل اللجنة القانونية لجنة مشتركة معها للنظر في الاعتراضات على مشروع الدستور. لكن الملتقى سيبحث أيضاً خلال اليومين المقبلين، مسألة تحظى أيضاً بجدل داخلي، ألا وهي الانتخابات الرئاسية، وما إذا كانت ستتم مباشرة من الشعب أم لا. وتهدد هذه التطورات، بعدما كانت الخلافات قد ظهرت بين أعضاء ملتقى الحوار أنفسهم حول المسار الدستوري للانتخابات، إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها أو إتمام آليتها الدستورية، وهو ما يضغط بشأنه المجتمع الدولي.
ترفض "الهيئة" تشكيل اللجنة القانونية لملتقى الحوار لجنة مشتركة معها للنظر في الاعتراضات على مشروع الدستور
وترتفع في ليبيا وتيرة ردود الفعل حيال الأساس الدستوري للانتخابات الوطنية، المقترح من اللجنة القانونية لملتقى الحوار السياسي. ويعتزم الملتقى عقد جلسة خاصة لمناقشة المقترح غداً وبعد غد، بدعوة موجهة من البعثة الأممية، على أن تحال نتائج مداولات الجلسة حول المقترح إلى مجلس النواب الليبي، والمجلس الأعلى للدولة، للنظر فيها قبل الموعد النهائي المقرر لإعلان الإطار القانوني في الأول من يوليو/تموز المقبل، بهدف تمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من المضي قدماً في الإعداد للانتخابات.
وكانت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي قد أعربت، الأحد الماضي، عن رفضها لما انتهت إليه اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي في ما يتعلق بالمسار الدستوري وتأليف لجنة تتولى النظر في الاعتراضات على مشروع الدستور بالتنسيق مع الهيئة التأسيسية.
واعتبرت الهيئة في مؤتمر صحافي عقدته في طرابلس، أن ذلك يمثل "تعدياً على هيئة منتخبة من الشعب من قبل أفراد لا شرعية دستورية أو قانونية لهم"، واصفة أعضاء اللجنة القانونية لملتقى الحوار بأنهم "مجموعة من المواطنين جمعتهم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".
وقالت الهيئة: "هؤلاء الأفراد لا يحق لهم المساس بحق الليبيين في الاستفتاء على مشروع الدستور الصادر عن الهيئة بالاقتراع الحرّ المباشر. فحق قبوله أو رفضه لا يكون إلا من الشعب، دون أن يكون لمثل هذه اللجنة حق التعقيب على عمل الهيئة الذي تم وفق الإعلان الدستوري، وبتأكيد من المحكمة العليا". وأضافت أن "الهيئة تلاحظ بوضوح عدم تقيد البعثة الأممية بمنهج عملها الذي تحول إلى إدارة الأزمة في ليبيا بدل الدفع نحو حلّها، وهذا ما يؤكده تكرارها لطرح بدائل متتالية لإطالة أمد المراحل الانتقالية، وهي مراحل عرقلت إنجاز المرحلة النهائية في المسار الدستوري، والتي استحقت من تاريخ إقرار الهيئة لمشروع الدستور في يوليو/تموز 2017، ولم يتبق لاستكماله سوى عرضه على الاستفتاء العام، وهو الأمر المخالف للإعلان الدستوري المؤقت، ولمهمة البعثة، ولقرار مجلس الأمن رقم 2542 لسنة 2020 والذي يلزم البعثة بدعم العملية الدستورية".
وأكدت الهيئة على حق الشعب الليبي في اختيار ممثليه في السلطتين التشريعية والتنفيذية عبر انتخابات عامة وفق قاعدة دستورية دائمة لا مؤقتة، مطالبة "كافة المؤسسات والجهات المعنية باستكمال مراحل العملية الدستورية عبر الالتزام باحترام مخرجات الهيئة، وعدم المساس بها أو التعدي عليها، وأن تعمل على تمكين الشعب من قول كلمته الفصل حول مشروع الدستور عبر استفتاء عام حر ونزيه وشفاف وعادل".
وفي موازاة ذلك، أعلن المجلس الأعلى للدولة، أمس الإثنين، عن إقرار قانون الاستفتاء على مشروع الدستور الذي كان مجلس النواب قد رفعه إلى مفوضية الانتخابات في عام 2018، مطالباً المفوضية بـ"مباشرة عملية الاستفتاء على الدستور وفقاً لقانون الاستفتاء".
وتأتي هذه المواقف متزامنة مع تداول بيان حمل تواقيع أكثر من 100 حقوقي وصحافي وناشط مدني في ليبيا، أكدوا فيه رفضهم لمقترح اللجنة القانونية لملتقى الحوار، "لأنه يباعد بين المواطن وحقه الدستوري، كون المقترح سيقر من ملتقى الحوار الذي لم ينتخب من الشعب"، مشددين على ضرورة الاستفتاء على مشروع الدستور ليكون أساساً للانتخابات المقبلة.
أقّر المجلس الأعلى للدولة قانون الاستفتاء على مشروع الدستور
وكانت البعثة الأممية قد أحلت للجنة القانونية لملتقى الحوار مهمة اقتراح قاعدة دستورية للانتخابات، بعدما ماطل مجلس النواب في التجاوب مع مطالبها بهذا الشأن. وانتهت لجنة الملتقى إلى اقتراح قاعدة دستورية بموجب تعديل على الإعلان الدستوري (الدستور المؤقت)، وأوصت بتأجيل الاستفتاء على دستور الانتخابات بسبب ضيق الوقت.
وتعليقاً على ذلك، يرى الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري في ليبيا أحمد العاقل أن إعلان المجلس الأعلى للدولة لقانون الاستفتاء على الدستور قبل يوم من انعقاد جلسة ملتقى الحوار، هو مناكفة سياسية لها علاقة بالمصالح والصراعات. ويلفت العاقل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار مجلس الدولة جاء متزامناً مع الصراع على المناصب السياسية التي لا يزال الجدل يدور حولها بينه وبين مجلس النواب. وتساءل: "ما الذي ذكّر مجلس الدولة الآن بقانون الاستفتاء، فهو محال إليه من مجلس النواب منذ عام 2018 لإقراره؟"، مشيراً إلى أن البعثة الأممية وملتقى الحوار "باتا في حالة حرج كبير، فلا حاجة لانعقاد ملتقى الحوار ومناقشته للقاعدة الدستورية المؤقتة في ظلّ توافق الأطراف على الاستفتاء على الدستور ليكون أساساً للانتخابات المقبلة".
ويرجح العاقل وقوع أزمة دستورية عميقة، موضحاً أن الهيئة التأسيسية أقرت مشروع الدستور في يوليو 2017، وماطل مجلس النواب في إصدار قانون للاستفتاء على الدستور حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكن مجلس الدولة رفض إقراره، ما جعل المجلسين في حالة اتهام لعرقلة الاستفتاء على الدستور، مشيراً رغم ذلك إلى أن الوقت المتبقي من عمر المرحلة الانتقالية الحالية لا يكفي للاستفتاء والانتخابات.
ويصف العاقل الحالة الراهنة، معتبراً أن "المضي نحو الاستفتاء على الدستور لن يكون سهلاً، فالعراقيل كثيرة، ومنها مقاطعة مكونات ليبية عريضة لمسودة الدستور، بعدما أعلنت رفضها مسبقاً لها، ومن جانب آخر، فإن تجاوز الاستفتاء على الدستور إلى انتخابات بقاعدة مؤقتة يعني تصاعد الجدل بشأن قانونية الانتخابات المقبلة".
ويتساءل العاقل: "ما الذي يجعل الأوساط تتفاءل بشكل كبير حيال تمرير ملتقى الحوار السياسي للقاعدة الدستورية يوم غد؟"، موضحاً أن "ممثلي مجلسي النواب والدولة موجودون في الملتقى أيضاً، ما يعني أن سيناريو عرقلة تمرير مقترح اللجنة القانونية مرجح جدا".
وعلاوة على إمكانية حدوث أزمة على الصعيد الدستوري، يرى الباحث الليبي في الشأن السياسي خميس الرابطي أن "لبوادر هذه الأزمة وجهاً آخر"، مشيراً إلى أن "مخرجات ملتقى الحوار السياسي لا تزال غير قانونية".
واعتبر الرابطي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس النواب يمسك بالكثير من الأوراق، منها أنه لم يُضمّن خريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار في الإعلان الدستوري حتى الآن". ويتساءل بدوره: "بأي حق قانوني أجرت اللجنة القانونية لملتقى الحوار تعديلاً على الإعلان الدستوري الذي لم تضمن فيه مخرجاتها حتى الآن؟". ويحذر من أن "هذا الوضع الهش لملتقى الحوار، سيحوله إلى جسم سياسي جديد بدعم دولي يضاف إلى الأجسام الأخرى، وبالتالي فأزمة الشرعيات ستطاول الحكومة والمجلس الرئاسي كونهما في المشهد دون أن تشرعن اختصاصاتهما ومهامهما التي نصّت عليها خريطة الطريق".
وفيما يتهم الرابطي البعثة الأممية بالغموض حيال تعاطيها مع المسار الدستوري، يرى أن هذا اللغط الحاصل يعكس ملامح اندلاع أزمة جديدة لن يكون يمقدور البلاد تجاوزها إلا بضغط دولي يحدد آجالا زمنية جديدة للانتخابات المقبلة واستحقاقات المرحلة الحالية.