بن فرحان في دمشق: هل يحمل شروطاً ومطالب؟

19 ابريل 2023
الأسد خلال استقباله بن فرحان في دمشق أمس (رويترز)
+ الخط -

زار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أمس الثلاثاء، دمشق حيث التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وجاءت الزيارة بعد أيام من زيارة مماثلة أجراها وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى جدة السعودية، التي استضافت لقاء تشاورياً لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم في الأردن ومصر والعراق، ليل الجمعة – السبت الماضي لبحث الملف السوري، من دون أن يخرج بقرار واضح حول إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، في ظل اعتراضات من دول عربية، ورفض غربي للتطبيع مع الأسد، مع العلم أن المقداد التقى أمس الرئيس التونسي قيس سعيد، في العاصمة التونسية، التي كان وصل إليها الإثنين. 

وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس)، نقلاً عن بيان للخارجية السعودية، أن بن فرحان بحث مع الأسد "الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سورية، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق. كما بحثا الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سورية إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي".

وأضافت: "أكد وزير الخارجية، للرئيس السوري، أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سورية، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية".

من جهتها، نقلت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، عن الأسد تأكيده أن "الأخوّة التي تجمع العرب تبقى الأعمق والأكثر تعبيراً عن الروابط بين الدول العربية، وأن العلاقات السليمة بين سورية والمملكة هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون، وهذه العلاقات لا تشكل مصلحة للبلدين فقط، وإنما تعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضاً"، مشيراً إلى أن "السياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية تصب في مصلحة الدول العربية والمنطقة".

وأشار إلى أن "الدور العربي الأخوي ضروري في دعم الشعب السوري لتجاوز كل تداعيات الحرب على سورية، واستقرار الأوضاع وتحرير كامل الأراضي السورية".

محمد سالم: الوزير السعودي قد يحمل معه شروطا ومطالب على النظام تنفيذها لضمان عودته إلى الجامعة العربية

وتأتي زيارة بن فرحان إلى دمشق في إطار التحولات المتسارعة في الموقف السعودي من النظام السوري، بعدما قادت الرياض طوال سنوات الجهود الإقليمية والدولية لعزله ومعاقبته، بسبب تعامله العنيف مع الاحتجاجات الشعبية ضده منذ العام 2011.

تسارع التحولات منذ الزلزال

هذه التحولات وإن كانت تسارعت وبشكل علني منذ الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/ شباط الماضي، فإن إرهاصاتها تعود إلى سنوات خلت، وتحديداً إلى العام 2015، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، الذي أدى في النهاية إلى تآكل أدوار الأطراف العربية، خاصة بعد 2018، مع فقدان المعارضة السورية المسلحة مواقعها في محيط دمشق والجنوب السوري، ليتم حشرها تدريجياً في الشمال السوري، ولتتقاسم روسيا وإيران وتركيا النفوذ، إضافة إلى الولايات المتحدة الموجودة كقوة أمر واقع في شرقي البلاد، مع تهميش دور الأطراف العربية، بما فيها السعودية.

ومع هذا الانحسار للمعارضة، عملت روسيا على طرح صيغ ومسارات للحل بعيداً عن القرار الدولي 2254 الذي دفعت إليه القوى الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها السعودية. وكانت تلك المسارات مجرد متاهات لتضييع الوقت، ودحر الصيغة الدولية للحل التي باتت اليوم غير متداولة، إلا كمرجعية نظرية في تصريحات المسؤولين الدوليين.

وبالتزامن مع ذلك، واجهت السعودية تهديداً مباشراً لأمنها الوطني من خلال الحرب في اليمن ضد الحوثيين. وقد دفع هذا الأمر السعودية أخيراً لحسم موقفها، باتجاه محاولة عقد صفقات تهدئة مع إيران، ما أدى تلقائياً إلى تسريع الخطوات في المسألة السورية، بعد فترة من التراجع والترقب من جانب السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، تخللتها إشارات إيجابية ضمنية تجاه النظام السوري.

وقد اتخذت الرياض خطوات متدرجة عدة اعتباراً من العام 2020 تجاه النظام في دمشق، مثل السماح بمرور شاحنات البضائع السورية عبر أراضيها بعد فتح معبر نصيب على الحدود السورية ـ الأردنية، ووصول رحلة جوية (أجنحة الشام) من مطار دمشق الدولي إلى الرياض، وسماحها في مايو/أيار 2021 بمشاركة وفد من النظام السوري، برئاسة وزير السياحة محمد مارتيني، في اجتماع للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، استضافته المملكة.

وتزامن ذلك مع تسريبات صحافية بشأن زيارة رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان لدمشق، واجتماعه مع رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، وصولاً إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي المتكررة في الأشهر الأخيرة بأن الوقت قد حان للتعامل بطريقة مختلفة مع الوضع في سورية، بما في ذلك التعاون مع النظام في دمشق.

وجاء الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سورية، ليتيح حصول أول اتصال علني مباشر بين الجانبين، بعد إرسال الرياض مساعدات إنسانية مباشرة إلى مطار حلب. ليأتي بعد ذلك الاتفاق السعودي ـ الإيراني في بكين، والذي كان له أثر كبير في دفع العلاقات الخجولة وشبه السرية بين الجانبين إلى المستوى العلني، حيث أعلنت الرياض في 23 الشهر الماضي أنها تجري محادثات مع النظام السوري لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية بين الطرفين.

ويرتكز التوجه السعودي الجديد تجاه سورية على اعتبار أن بقاء الوضع فيها كما هو يضر بالمصلحة العربية، ويتيح لإيران تعزيز نفوذها بصورة أكبر، وأن الانفتاح على النظام في دمشق، سيمكنه من التعامل بندية أكبر مع طهران، وبسط سيطرة الدولة على جميع الأراضي السورية، بما يتيح إضعاف وجود المليشيات التي تدعمها إيران، خاصة قرب الحدود الجنوبية، والتي تتولى الإشراف على تهريب المخدرات باتجاه الأردن ودول الخليج، كما قد تتسبب في اندلاع توترات مع إسرائيل سوف تشمل المنطقة بأسرها.

زيارة دمشق متعلقة باجتماع جدة

وتعليقاً على زيارة بن فرحان للعاصمة السورية، أعرب مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" للدراسات محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن زيارة المسؤول السعودي متعلقة بالاجتماع الذي عقد في جدة الجمعة الماضي، وضم وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق.

درويش خليفة: السعودية لا تدفع باتجاه عودة النظام إلى الجامعة العربية في الوقت الراهن

وأضاف: أعتقد أن الوزير السعودي جاء ليبلغ النظام نتائج الاجتماع. واصطدمت محاولة إلغاء تعليق عضوية النظام في الجامعة العربية ودعوة رأس النظام بشار الأسد إلى القمة المقبلة في الرياض برفض أطراف عربية، لذا "ربما حمل الوزير السعودي معه بعض الشروط والمطالب التي على النظام تنفيذها لضمان عودته إلى الجامعة العربية، وفق سالم.

وتابع سالم أنه "رغم إظهار السعودية دعمها عودة النظام إلى الجامعة (العربية)، والتي كما يبدو هي من ضمن صفقة كبيرة عقدتها مع الجانب الإيراني، إلا أن الرياض لا تمانع في استمرار معارضة دول عربية لهذه العودة كي ترفع الحرج السياسي عنها، وكي تدفع النظام لتقديم بعض التنازلات في ملفات مهمة، مثل موضوع المخدرات".

وحول مآلات هذه الزيارة وهل ستفضي إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض، بما فيها إعادة فتح السفارة السعودية في العاصمة السورية والمغلقة منذ أكثر من عقد، رأى سالم أنه "بات من الصعب توقع الموقف السعودي في الآونة الأخيرة بسبب سرعة انعطافاته وتقلبه".

وأضاف: منطقياً أعتقد أن الرياض ستكتفي في الوقت الراهن بفتح القنصلية في دمشق، لكن تبادل السفارات بين الرياض وطهران قد يدفع باتجاه خطوة مماثلة مع نظام الأسد.

السياسة السعودية تتمحور حول الجانب الإنساني

من جانبه، رأى المحلل السياسي درويش خليفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السياسة السعودية حيال الملف السوري "تتمحور في الوقت الراهن على الجانب الإنساني".

وأعرب عن اعتقاده بأن زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق "تندرج في سياق المحاولات العربية لدفع النظام إلى إطلاق سراح المعتقلين في سجونه، وتهيئة الظروف لتسوية سياسية للقضية السورية".

ورأى خليفة أن الجانب السعودي "لا يدفع باتجاه عودة النظام إلى الجامعة العربية في الوقت الراهن"، مضيفاً أن "هذا ما يفسر موقف الحكومة اليمنية، التي تتخذ من العاصمة السعودية مقراً، الرافض لأي عودة للنظام السوري إلى الجامعة". وأعرب عن اعتقاده أن المسؤول السعودي "لا يحمل أي مبادرة عربية إلى دمشق"، مضيفاً: هناك مجموعة أفكار لا أكثر.