اتفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على تشكيل مجموعة عمل للحد من اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي، وذلك لمواجهة حرب موسكو على أوكرانيا. هذا التوجه توصل إليه الشركاء الغربيون بفعل الانقسام السائد بينهم حول وقف واردات الطاقة الروسية، التي ترى العديد من الدول الأوروبية أنها ممول رئيسي للحرب.
وألمانيا هي أبرز معارضي هذا المطلب، ولا تزال تضغط وتأخذ الأمور على عاتقها، لا سيما وأن المستشار أولاف شولتز أوضح، من بروكسل، حيث شارك في قمة للاتحاد الأوروبي على مدى يومين، أنه مع عدم إدراج الطاقة الروسية في حزمة العقوبات، وذلك نظراً للاعتماد الكبير للغاية لبعض الدول على الغاز والنفط والفحم القادم من موسكو، لافتاً إلى أنّ إنهاء الاعتماد على الطاقة الروسية بين عشية وضحاها سيعني إغراق ألمانيا وأوروبا كلها في ركود، ومئات آلاف الوظائف ستكون في خطر، والقطاعات الصناعية بأكملها ستكون على حافة الهاوية.
هذا الموقف كان أيضاً محل تأييد من المستشار النمساوي كارل نيهامر، الذي رأى أنه يجب ضمان إمدادات الطاقة للشعب، واصفاً حظر الغاز الروسي بغير الواقعي، ليس فقط لفيينا بل ستتأثر به دول مثل بلغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا والمجر بشدة.
في المقابل، كان لرئيسة وزراء فنلندا سانا مارين رأي آخر، حيث رأت أنه طالما أنّ الأوروبيين يشترون الطاقة من روسيا فإنهم يمولون الحرب، وهذا الموقف يمثل أيضاً دولاً مثل بولندا ودول البلطيق، والتي اعتبرت أن قرار الحظر سيدفع للبدء بمفاوضات حقيقية لإنهاء الحرب.
وأمام هذا التخبط عبر الأطلسي، اعتبر الخبير الاقتصادي العسكري ماتياس كويب، والذي يرأس قسم الاقتصاد العسكري في الأكاديمية العسكرية للمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زوريخ، في مقابلة مع صحيفة "تاغس شبيغل" البرلينية، أنّ الكثير من التخطيط السيئ أوصل الحرب إلى نقطة تحول خلال سبعة أيام، مشدداً على أنّ مقاطعة إمدادات الطاقة الروسية لن توقف الحرب، لأنّ آلة الحرب الروسية مستقلة عن عمليات التصدير، ولافتاً إلى أنّ في الغرب شبه قناعة بأنّ إمدادات النفط والغاز تدعم الاقتصاد الروسي، وهذا صحيح، ولكن ليس الجيش الروسي، فصناعة السلاح في روسيا، أي إنتاج الأسلحة والآليات والمدرعات، متوفرة ذاتياً وكذلك المواد الخام، وهي لا تعتمد على أرباح النقد الأجنبي لتمويل القوى العاملة والتكنولوجيا. كما أن الخدمات والمواد اللوجستية، وقبل كل شيء، الوقود والديزل والكروسين، هي كلها مواد متوفرة من خلال الإنتاج الروسي المحلي.
وأشار إلى أنه من كل 11 مليون برميل من النفط تنتج يومياً في روسيا، هناك ثلاثة ملايين منها مخصصة للاستهلاك الروسي، يتم تسليمها من قبل شركة "روسنفت" وتحرر فواتيرها بالروبل، وبالمثل يتم دفع رواتب القوات المسلحة.
وفي رده على سؤال عما سيكون عليه الوضع في روسيا مستقبلاً، اعتبر كويب "أننا وبالتدريج سنقول وداعاً لروسيا الحديثة، والجهاز العسكري الضخم سيلتهم غالبية ميزانية الدولة، فضلاً عن الأغذية الأساسية المدعومة للسكان، رغم مصادرة أصول الشركات الأجنبية.
ويرى كويب أنّ هناك فشلاً كاملاً من قبل القيادة الروسية في تصميم الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وأنه كان متصوراً أنّ "العملية الخاصة" كما تسميها موسكو، كان يجب ألاّ تستغرق سوى بضعة أيام تنتهي بالاستيلاء على كييف وإخضاع الحكومة هناك، ولكن عدم توقع نشوب نزاع مسلح طويل في بلد تبلغ مساحته مرة ونصف مساحة ألمانيا وبعدد سكان يصل إلى 44 مليون نسمة؛ أدى إلى عدم الاستعداد بشكل جيد على صعيد الاقتصاد الروسي.
ورغم أنّ البنك المركزي الروسي باشر قبل فترة بتكوين الاحتياطات؛ فإنه لا يمكن الإقدام على هذا النوع من العمليات العسكرية مع احتياطات تقدر بحوالي 200 مليار، بحسب كويب، وأمام ذلك فإنه سيترتب على روسيا إعادة بناء اقتصادها بأكمله.
وعن نقاط التحول المحتملة في الحرب؛ اعتبر كويب أنها ستظهر دون شك عندما يتم استنفاد المدفعية الروسية، أي عندما يظهر النقص في الصواريخ والقذائف، ومن ثم تأتي اللحظة التي يتعين على قطاعات صناعة الأسلحة الوطنية التدخل لتقديم كميات إضافية، مما سيدفع إلى تقنين استخدام المدفعية، وهذا ما حصل في الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث لم يتوقع أحد حرباً طويلة، وأُخبِرت بعدها القوات بأنه لا يمكنها إطلاق الكثير من قذائف المدفعية في اليوم الواحد.
ولذلك، فإنّ السؤال الأكبر حالياً، وفق كويب، هو حول ما إذا كانت صناعة الدفاع الروسية قادرة على تسريع الإنتاج وتوفير الإمدادات المطلوبة. كما تبرز من جهة ثانية، مشكلة ذات طبيعة لوجستية، تتركز في إمكانية إيصال العتاد والذخائر إلى مناطق القتال، في ظل غياب السيطرة على الأرض.
ومع الإشكالية القائمة حالياً في الغرب حول التعاطي مع حظر إمدادات الطاقة الروسية وإمكانية تشميلها بالعقوبات، تعمل المفوضية الأوروبية على تنويع مصادر التوريد الخاصة، وفتح المزيد من طرق الإمداد من خلال التنسيق مع قطر وأذربيجان واليابان وكوريا الجنوبية، إلى جانب تدشين شراكة جديدة في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة، من المتوقع أن توفر 15 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي المسال هذا العام إلى الاتحاد الأوروبي، وفق ما وعد الرئيس الأميركي جو بايدن، على أن يرتفع الرقم إلى 50 مليار متر مكعب سنوياً.
وتجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لتقديرات مؤسسة "بروغل" البحثية في بروكسل، ينفق الاتحاد الأوروبي قرابة 382 مليون يورو يومياً على الغاز الروسي، وما قيمته 364 مليون يورو على النفط.