لا يشكل ترشح بشار الأسد لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في سورية حدثاً مفاجئاً، إذ ينظر السوريون، معارضين ومؤيدين، ومعهم المجتمع الدولي الضالع في إيجاد حل للأزمة السورية المستمرة منذ عشرة أعوام، بأن الانتخابات ليست سوى محطة للتجديد للأسد لولاية رئاسية رابعة مدتها سبعة أعوام، بحسب الدستور الحالي، الذي كان الأسد نفسه فرضه في العام 2012، بعد اندلاع الثورة السورية بعام، وأجرى له استفتاءً شكلياً لم يحظ بمشاركة الغالبية العظمى من السوريين.
وأعلن اليوم رئيس مجلس الشعب (البرلمان) التابع للنظام، حمودة الصباغ، ترشح بشار الأسد للانتخابات، مشيراً إلى أنه "ورد إلى المجلس كتاب المحكمة الدستورية العليا رقم /6/ والمتضمن الطلب المقدم من بشار بن حافظ الأسد بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية وقد سجل الطلب لدى المجلس في سجل خاص برقم 6".
وبحسب الدستور الحالي، يتطلب أن يحصل طالب الترشيح على تأييد خطي من 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب، ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد. ومنذ إعلان موعد الانتخابات يوم الأحد الماضي، وفتح باب الترشح اعتباراً من يوم الاثنين الماضي، ورد إلى مجلس الشعب عبر المحكمة الدستورية العليا، ستة طلبات للترشح، كان آخرها طلب بشار الأسد، فيما لا يزال باب الترشح مفتوحاً.
معاندة ومراوغة وتعطيل
ويعاند الأسد وحلفاؤه، وبالأخص الروس والإيرانيين، تطلعات المجتمع الدولي، لا سيما الدول الغربية الراغبة بتنفيذ القرار الدولي 2254 حيال الأزمة السورية، بما يتضمن انتقالاً سياسياً وصياغة دستور جديدٍ للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات بموجب الدستور الجديد، لكن الأسد ونظامه، وبمساندة واضحة من حليفيه، أمعنوا في المراوغة والمماطلة في الجلوس جدياً إلى طاولة التفاوض السياسية بمسارات مختلفة، فتمكنوا من القفز على السلة الأولى في القرار الأممي 2254، وهي مرحلة الحكم الانتقالي، والذهاب لسلة كتابة الدستور، وفي هذا المسار استخدم النظام كل طاقاته في سبيل تعطيل انعقاد اللجنة بداية، حوالي عام ونصف، من ثم عرقل أعمالها وجولاتها الخمس التي لم تسفر عن نتائج تذكر، نتيجة طرح وفد النظام مواضيع غير دستورية للنقاش بهدف كسب الوقت والوصول إلى الانتخابات الرئاسية، ما أضاع عاماً ونصف آخر، منذ انعقاد أول جولة للجنة وحتى اليوم.
منافسون "كومبارس"
وطوال خمسين عاماً من حكم النظام الحالي للبلاد، كانت الانتخابات الرئاسية، وحتى البرلمانية، شكلية بلا نتائج حقيقية، كونها تعكس ما تمليه فروع الأمن التي تعد القوة الضاربة للنظام، لا ما تقتضيه رغبة المواطنين السوريين في من يحكمهم، إذ ثمّة شرخ بين شرائح واسعة من عموم الشعب والنظام ظلّ يتّسع ويتعمّق منذ وصوله للحكم نهاية ستينيات القرن الماضي وحتى اندلاع الثورة عام 2011، وارتكاب النظام مجازر فظيعة بحقه على كامل الجغرافية السورية.
ويستحضر السوريون المناصرون للثورة ما يصفونها بأنها مسرحية هزلية التي جرى خلالها التجديد للأسد في انتخابات عام 2014. حينها اضطر النظام، للمرة الأولى، للاستعانة بمرشحين إلى جانب الأسد، للقول إن الانتخابات تنافسية وديمقراطية، لكن الجميع كان يعلم أن المرشحين، حسان النوري وماهر حجار، ليسا سوى ممثلين من صنف "كومبارس" دفعت بهما أجهزة المخابرات للترشح وإتمام المسرحية، التي بدت ركيكة النص والحبكة والإخراج.
كل المرشحين المنافسين للأسد ليس لهم حضور ووزن في المشهد السياسي في سورية، سواء ضمن المعارضة أو الموالاة، ويشار إلى أغلبهم بأنهم أبدوا مواقف مؤيدة للأسد منذ اندلاع الثورة السورية
وعلى المنوال ذاته، تسير الانتخابات هذه الدورة، فالمرشحون المنافسون من ذات نوعية المرشحين في الانتخابات الماضية، إن لم يكونوا أقل جودة، فكل من عبد الله سلوم عبد الله، ومحمد فراس ياسين رجوح، وفاتن علي نهار، ومهند بن نديم شعبان، ومحمد موفق صوان، ليس لهم حضور ووزن في المشهد السياسي في سورية، سواء ضمن المعارضة أو الموالاة، ويشار إلى أغلبهم بأنهم أبدوا مواقف مؤيدة للأسد منذ اندلاع الثورة السورية، ما يؤكد فرضية خروج أوامر ترشيحهم من أفرع المخابرات.
معارضة دولية وعدم اعتراف بالشرعية
دولياً، خرجت تصريحات لاذعة من دول غربية معارضة للانتخابات، مشيرة إلى عدم شرعيتها وشرعية نتائجها المستقبلية، واتخذت مؤخراً الولايات المتحدة الأميركية موقفاً حازماً حيال الانتخابات، بعد أن أعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، جيفري ديلورنتس، نهاية الشهر الماضي، عن موقف إدارة الرئيس جو بايدن حيال الانتخابات، مشيراً إلى أن الإدارة "لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وتراعَ وجهة نظر المجتمع السوري بأسره". وأكد ديلورنتس أن النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد.
ويتطابق مع الموقف الأميركي، موقف أوروبي صارم، لا سيما من فرنسا وألمانيا ورئاسة الاتحاد الأوروبي، برفض الانتخابات ونتائجها المستقبلية، دون التوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد، تكون مصدره الأروقة الأممية وطبقاً للقرارات الدولية وأولها القرار 2254 للعام 2015، الذي يقضي بأن تكون هناك هيئة حكم انتقالي تحضر لدستور جديد للبلاد والإعداد للانتخابات ومن ثم إجراءها تحت إشراف الأمم المتحدة.
غياب الناخبين
ويصر الأسد والنظام على إجراء الانتخابات رغم نزوح أكثر من عشرة ملايين سوري عن مساكنهم الأصلية، ولجوء نصفهم إلى خارج البلاد، فيما يقبع النصف الآخر في مخيمات اللجوء كنازحين نتيجة تعاظم القبضة الأمنية والعسكرية في مناطقهم جراء المعارك، أو يقطنون في مناطق سيطرة المعارضة، ويتوزع حوالي خمسة ملايين آخرين بين مناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وشمال حلب، ومناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرق سورية، ما يعني أن نحو ربع السكان فقط لا يزالون في مناطق سيطرة النظام التي يستطيع الأسد نشر صناديق الانتخابات فيها.
وحتى 14 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، سجّلت "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة، 5,570,382 لاجئاً سورياً؛ 3,626,734 منهم في تركيا، و879,529 في لبنان، و659,673 في الأردن، و242,704 في العراق، و130,085 في مصر، و31,657 في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وذلك استناداً إلى الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط، إذ تقول الدول إنّ الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، وإن جزءاً كبيراً من اللاجئين غير مسجّل.
نحو ربع السكان فقط لا يزالون في مناطق سيطرة النظام التي يستطيع الأسد نشر صناديق الانتخابات فيها
ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، الذين يفوق عددهم المليون، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها 600 ألف لاجئ سوري. هذا عدا عن النازحين داخلياً والمهجرين قسراً، الذين يبلغ عددهم نحو 6 ملايين، ما يعني أنّ نصف السوريين اليوم بعيدون عن بيوتهم.
ويرى عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، أن "هذه الانتخابات ليست سوى محاولة فاشلة من قبل النظام وحلفائه لإعادة تعويمه على المستوى الداخلي والخارجي، والظهور بمظهر المتعافي بعد الحرب الطاحنة التي أنهكت البلاد". ويضيف بركات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الانتخابات وسيلة أيضاً للتهرب من الاستحقاقات الداخلية الملقاة على عاتق النظام لا سيما بعد تردي الوضع المعيشي، من تأمين أبسط مستلزمات الحياة للمواطنين في مناطق سيطرته، بالإضافة للتهرب من الاستحقاقات الخارجية، المتمثلة بالحل السياسي للأزمة السورية".
وينوه بركات إلى أن "النظام يجري الانتخابات دون أي صفة من صفات الشرعية أو أهلية قانونية لذلك، سيما مع عدم سيطرته على كامل المساحة الجغرافية في البلاد، بالإضافة لارتكابه جرائم حرب ضد المدنيين خلال السنوات العشر الماضية، كما يفقد التأييد الدولي لهذه الانتخابات طالما أنها تجرى خارج إطار القرار الأممي 2254، كما أن النظام غير قادر على الالتزام بالحقوق الانتخابية للناخبين في خارج مناطقه، فأكثر من ثلثي السوريين اليوم خارج مناطق سيطرة النظام؛ إما داخل سورية أو خارجها، وهم إما غير قادرين على الانتخاب أو غير قادرين على الترشح لتلك الانتخابات بحكم قانون الانتخابات الهزيل".