"بريكست" بلا اتفاق... أم تأجيل الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

16 يناير 2019
"بريكست" بلا اتفاق... أم تأجيل الخروج؟ (مايك كيمب/Getty)
+ الخط -

كان مؤكداً أنّ اتفاق "بريكست" لن يجتاز عتبة البرلمان البريطاني، وهذا ما حصل، مساء الثلاثاء، حيث سقط بأغلبية ساحقة.

وتجمّعت جملة من المؤشرات، في الأشهر الستة الأخيرة، قادت إلى هذه النتيجة التي وضعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي أمام طريق مسدود، بعد استنفاد جميع الخيارات من أجل تعديلات في الاتفاق تجعله مقبولاً من أغلبية المؤسسة التشريعية البريطانية التي التقى ما يتجاوز الثلثان (432 مقابل 202) منها على رفض الاتفاق، بما في ذلك حوالى 100 نائب من حزب "المحافظين" الذي تنتمي له رئيسة الوزراء تيريزا ماي، والتي قادت مفاوضات ماراثونية مع الاتحاد الأوروبي دامت قرابة 20 شهراً.

وفي الوقت الذي لم يشكّل سقوط "بريكست" مفاجأة، فقد حصل إجماع على أنّ هذه الخسارة تاريخية لماي التي أخذت على عاتقها إنجاز الصفقة مع الاتحاد الأوروبي،  بل هي أكبر هزيمة تعرّض لها رئيس حكومة بريطاني خلال قرن، حسب وسائل الإعلام البريطانية.

وتكمن معضلة ماي في أنّها تولّت مهمة صعبة جداً، في ظل تباين حاد في المواقف من قضية العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بين رافض كلياً، وآخر يريد علاقات تصبّ لصالح بريطانيا.

والنتيجة اليوم هي أنّ رئيسة الحكومة أمام خيار صعب جداً وأخير، وعليها أن تقدّم إلى البرلمان، يوم الإثنين المقبل، خطة بديلة عن اتفاق "بريكست"، قد تكون الاتفاق نفسه مع بعض التعديلات التي ترضي بعض الرافضين، الأمر الذي يغيّر موازين القوى لصالحها، ولكن هذا الأمر مشروط بتجاوب الاتحاد الأوروبي، لإبداء مرونة حيال النقاط الخلافية في الاتفاق، وتحديداً ما يخصّ حدود أيرلندا.

ورغم الخسارة التي مُنيت بها، هناك إجماع في أوساط المراقبين في لندن، على أنّ أداء ماي كان جيداً، وقد بذلت جهوداً جبارة طيلة مرحلة التفاوض كي تحصل على اتفاق مرضٍ. ومع أنّها كانت من صفّ معارضي "بريكست" قبل الاستفتاء، فإنّها تولّت رئاسة الحكومة في يونيو/حزيران 2016، من أجل إبرام صفقة ناجحة، وهنا يأخذ عليها خصومها أنّها تفاوضت مع الأوروبيين بمرونة ولم تكن صارمة بما فيه الكفاية. تحمّلت الصدمات وعملت بشكل متواصل ولساعات طويلة وأبلت بلاء حسناً. أداؤها جيد ولكن سياستها محلّ اختلاف.


وفي ما يخصّ قيام حزب "العمال"، بتقديم سحب الثقة من رئيسة الحكومة، اليوم الأربعاء، فإنّ جيريمي كوربن رئيس الحزب المعارض، مجبرٌ، حسب قرارات مؤتمر الحزب الأخير، على خيارين؛ الأول طرح الثقة بالحكومة، وإذا فشل في هذا الخيار فعليه أن يطرح الاستفتاء الثاني. وتستبعد غالبية الحسابات نجاح خيار سحب الثقة من الناحية التقنية، وسط شعور أنّ القضية باتت تتعلّق بمصير البلاد.

ويرى مراقبون أنّ كوربن يواجه صعوبة في تبنّي الاستفتاء الثاني، كونه يعارض أوروبا ويميل أكثر نحو روسيا، رغم أنّه مقيّد داخل الحزب ويتعرّض لضغط من أجل طرح الاستفتاء الثاني. وتكمن مشكلة "العمال" في أنّه لا يستطيع أن يقدّم بديلاً عن "المحافظين"، مع الأخذ في عين الاعتبار أنّ غالبية عمالية صوتت من أجل "بريكست"، وهذا ما يحسب حسابه حزب "العمال"، ولذا يخشى كوربن طرح استفتاء ثانٍ.

وفي ظل الانقسام، هناك أكثرية في البرلمان لتمديد العمل بالمادة 50 من اتفاقية لشبونة، وتأجيل الخروج في 29 مارس/آذار المقبل، وإعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، في ظل رهان على أنّ الاتحاد متضرّر من الخروج الفوضوي من دون اتفاق.

وبدت مسألة إعادة التفاوض مطروحة وواردة، مساء الثلاثاء، بعد التصويت في البرلمان البريطاني، من خلال ردود الفعل الأوروبية، وخصوصاً موقف رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الذي اعتبر أنّ خروج بريطانيا بلا اتفاق "يشكّل كارثة"، ولكن هذه المسألة تعرّضت للتشكيك من طرف ميشيل بارنييه كبير المفاوضين الأوروبيين، الذي صرّح، صباح اليوم الأربعاء، بأنّ مخاطر انسحاب بريطانيا بلا اتفاق "أصبحت مرتفعة أكثر".


يوم الإثنين المقبل، هو الموعد الأخير أمام رئيسة الحكومة للعودة باتفاق جديد. وقت قصير جداً كي تصلها النجدات الأوروبية، وهذا هو خيط الأمل الوحيد الذي تتمسّك به. والسؤال المطروح بقوة هو: إذا كان الأوروبيون سيساعدون ماي في اللحظة الأخيرة، فلماذا لم يقوموا بذلك قبل أن يصل الموقف إلى ما هو عليه اليوم؟.

"بريكست" بلا اتفاق، يوم الإثنين المقبل، وخروج فوضوي من الاتحاد، أم تأجيل الخروج؟... تلك هي المشكلة.

المساهمون