عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مستشارة الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الفرنسية بريجيت كورمي سفيرة من أجل سورية، خلفاً لفرانسوا سينيمو، الذي أصبح سفيراً لبلاده في بلجيكا، وكان يشغل أيضاً منصب الممثل الشخصي لماكرون.
وبمجرد خروج خبر تعيين ماكرون للسفيرة الجديدة من أجل سورية، ثار لغط حول لجوء فرنسا إلى تعيين سفير لها في العاصمة السورية دمشق، وهذا ما تنفيه صيغة المرسوم الجديد الذي أصدره ماكرون، والذي يوضح أن تعيين السفيرة "لأجل سورية" وليس "في سورية"، ويعتمد نفس الصيغة التي اعتمدت في قرار تعيين سينيمو عام 2018، باستثناء عدم منح كورمي صفة الممثلة الشخصية للرئيس الفرنسي.
نور الدين اللباد: فرنسا تتخذ موقفاً إيجابياً حيال الشعب السوري
وتزامن هذا اللغط مع مخاوف في أوساط المعارضة والمناصرين للثورة حول انتقال ركب التطبيع مع النظام السوري إلى الدول الغربية، بعد أن بدأت بعض الدول العربية تطبيع علاقاتها مع النظام، لا سيما الإمارات والأردن والبحرين، وغيرها.
تراجع الدور الفرنسي في سورية
وينطلق المتخوّفون من تراجع الدور الفرنسي في سورية، وذلك بعد وصول ماكرون للسلطة في عام 2017. وكان قد تراجع الدعم الفرنسي للمعارضة السورية على خلفية أحداث الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" في عام 2015، الذي ترك أثراً على تعاطي الحكومة الفرنسية مع سورية على أساس انتشار مجموعات إرهابية على أراضيها. وهي ركزت بعد ذلك على دعم مكافحة الإرهاب وقتال تنظيم "داعش" في سورية، ضمن نشاطات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم ذلك، حملت الأشهر الأولى من وصول ماكرون بداية لصياغة مبادرة فرنسية لحل الأزمة السورية، كان من المفترض أن تأخذ طريقها لمجلس الأمن. لكن تلك المبادرة لم يكتب لها النجاح والاستمرار. ثم صدم ماكرون ذاته المجتمع الدولي والسوريين المتبنين للثورة ضد حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد، بتكرار موقفه من الأسد بعد وصوله لسدة الحكم، بأن الأسد هو عدو الشعب السوري وليس عدواً لفرنسا، ما عد تخلياً فرنسياً عن النهج المساند للتغيير الديمقراطي في سورية، بمساندة المنتفضين على حكم الأسد.
بريجيت كورمي صاحبة موقف جيد
وقال سفير الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية في باريس، نور الدين اللباد، إن تعيين كورمي ممثلة للرئيس الفرنسي من أجل سورية، يأتي بشكل إجرائي بعد تعيين المبعوث السابق فرانسوا سينيمو سفيراً لفرنسا في بلجيكا. ونفى اللباد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون تم تعيين كورمي سفيرة لفرنسا في دمشق وإرسالها إلى هناك، معتبراً أن ذلك مستبعد على السياسة الخارجية الفرنسية التي لا تزال تتخذ موقفاً إيجابياً حيال الشعب السوري ضد النظام القمعي.
وحول ما إذا كانت باريس قد تذهب مجدداً للعب دور فاعل في سورية بعد تعيين كورمي، أشار اللباد إلى أن فرنسا مقبلة على انتخابات رئاسية ستكون فيها حسابات معقدة، وعلى ذلك ستكون الجهود الدبلوماسية الفرنسية الخارجية مشلولة طيلة تلك الفترة، وبالتالي هذا يؤكد أن التعيين الأخير إجرائي أكثر منه ذا بعد سياسي.
وبرأي اللباد فإن هذا طبعاً لا يمنع أن بريجيت كورمي صاحبة موقف جيد من قضية الشعب السوري، وتاريخها يبشر بأنها ستلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً لجهة سحب حكومة بلادها لأن تتخذ مواقف أكثر صلابة ضد النظام ولصالح حراك الشعب السوري، علماً أن كورمي لبنانية الأصل، ومطلعة بشكل جيد على الملف السوري وكافة المعطيات داخله.
سلام الكواكبي: يمكن لفرنسا استغلال الخطوط التي لم تقطع مع روسيا وإيران لإيجاد حل عادل للمسألة السورية
من جهته رأى سلام الكواكبي، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، أن "هذا المنصب لم يكن شاغراً طوال السنوات العشر الماضية، أي سفير فرنسا من أجل سورية وليس سفير فرنسا في سورية. وقد تعاقب عليه حتى اليوم ثلاثة سفراء، وبريجيت كورمي هي الرابعة، وهي خبيرة بشؤون المنطقة وتتكلم العربية بطلاقة. ونتيجة قربها من الملف السوري، ينتظر أن تؤدي دوراً فاعلاً أكثر من سابقها الذي كانت المرحلة التي شغل بها المنصب غير مهيئة لكي تلعب فرنسا دوراً وازناً".
ربط إعادة الإعمار بالانتقال السياسي
وأضاف الكواكبي، في حديث لـ"العربي الجديد": "أما الدور الذي يمكن لفرنسا لعبه، فهو في إطار ثقلها الفاعل في الاتحاد الأوروبي، ودفع الدول الأوروبية كما تفعل حتى الآن، بربط المساهمة في عملية إعادة الإعمار بضرورة الانتقال السياسي، وهو ما يرفضه الروس حتى الآن". وتابع: "قريباً ستكون فرنسا على رأس الاتحاد لمدة ستة أشهر، ويمكن لها أن تنشط دبلوماسيتها وتستغل الخطوط التي لم تقطع مع روسيا وإيران لإيجاد حل عادل للمسألة السورية. علماً بأنه من المعتاد أن تتجمد الخطوات الدبلوماسية للدول التي هي على أبواب انتخابات رئاسية، والتي ستجرى في فرنسا خلال إبريل/ نيسان المقبل".
وحول ما إذا من الممكن أن تكون فرنسا، التي ينظر إليها على أنها دولة ذات عمق سياسي أوروبي ودولي لكنها منزوعة المخالب، فاعلة اليوم في صياغة طروحات جديدة لحل الأزمة السورية، وما إذا كان الموقف الفرنسي سيكون أكثر براغماتية للقبول بحلول وسطية في سورية، من بينها بقاء الأسد، أوضح الكواكبي أن كل أوروبا منزوعة المخالب في المطلق وذلك منذ عقود.
ولفت إلى أنه بالمقابل، فإن ماكرون، وبسبب الإخفاقات الدبلوماسية المتعاقبة، إن كان في لبنان أو ليبيا، فهو بحاجة إلى تحقيق تقدم سياسي خارجي لتعزيز موقعه الانتخابي، ولكن هذا التقدم ربما لن يكون في الملف السوري كثير التعقيد، والذي تمسك بخيوطه روسيا وإيران، وهما دولتان لا تعطيان للدبلوماسية البناءة مكاناً في إطار طموحاتهما للهيمنة والترهيب. أما البراغماتية، فهي من طبع السياسات الغربية، ولكنها لا تعني القبول باستمرار النظام. وبرأيه ربما يكون الذهاب التدريجي عبر حكومة انتقالية، تستند إلى مجلس عسكري يمسك بالأوضاع الأمنية في البلاد، إطاراً مناسباً لفرنسا.