مرر البرلمان السابق قرارات عدة مخالفة للدستور
عدد الأحزاب وصل إلى 104 بعد الثورة، ارتمى بعضها في أحضان السلطة
شهدت الانتخابات الأخيرة عمليات واسعة من التزوير لإقصاء المعارضين
وكأن عقارب الساعة تعود إلى الوراء، فما أشبه مجلس النواب المصري الجديد بمجلس الشعب عام 2010، الذي مثّل سبباً رئيسياً في اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وعُرف إعلامياً آنذاك بـ"برلمان أحمد عز"، نسبة إلى أمين التنظيم في "الحزب الوطني" السابق، الحاكم إبان عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، بوصفه برلماناً منزوعاً تماماً من أي معارضة.
واستهلّ مجلس النواب الحالي أعماله قبل أيام قليلة من حلول الذكرى العاشرة للثورة المصرية، من دون اهتمام بجموع المصريين الذين باتوا على شفا خطوة واحدة من الانفجار، جراء قرارات رفع الأسعار المتواصلة منذ قرابة 7 سنوات، وتردي الخدمات الأساسية، بما فيها الصحية والتعليمية بمباركة من البرلمان، بعد أن استحوذت الأحزاب الموالية للرئيس عبد الفتاح السيسي على الأغلبية الكاسحة من مقاعده. وفي خطوة تبدو "استعراضية" أمام الرأي العام، عمد مجلس النواب، المصنوع على أيدي الأجهزة الأمنية للنظام، إلى استدعاء رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، و16 وزيراً في حكومته، إلى مقر البرلمان على مدار أسبوعين، للاستماع إلى وزيرين منهم في كل جلسة عامة، عن موقف وزارتيهما بخصوص تنفيذ برنامج الحكومة (مصر تنطلق 2018-2022).
وتعود بداية إفساد الحياة النيابية المصرية إلى انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، وإطاحة الجيش (بقيادة عبد الفتاح السيسي حينها) الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، المحسوب على جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو ما أعقبه تشكيل الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور لجنة معيّنة تضم 50 شخصاً لإعداد دستور 2014.
وضمّت لجنة الخمسين وجوهاً محسوبة على ثورة يناير، مثل الشابين أحمد عيد، وعمرو صلاح، عضوي ائتلاف شباب الثورة، والمخرج السينمائي خالد يوسف، والفنان التشكيلي محمد عبلة، فضلاً عن رئيس "الحزب المصري الديمقراطي" السابق محمد أبو الغار، والرئيس السابق لحزب "الكرامة" محمد سامي، والناشط السيناوي مسعد أبو فجر، والناشطة في مجال حقوق المرأة هدى الصدة، والطبيب محمد غنيم، والقيادي السابق في حزب "الدستور" عبد الجليل مصطفى، وعضو مجلس الشعب السابق عمرو الشوبكي.
تعود بداية إفساد الحياة النيابية المصرية إلى انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013
غير أن لجنة إعداد الدستور عززت مكانة مؤسسات الدولة التي تضافرت لإطاحة مرسي، لا سيما الجيش والقضاء، إذ كرّست استقلالية الجيش من خلال اشتراط موافقته على تسمية وزير الدفاع، علاوة على التوسع في الولاية القضائية للمحاكم العسكرية على المدنيين، لتشمل جرائم الاعتداء المباشر على منشآت القوات العسكرية، أو معسكراتها، أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية، أو الحدودية، أو معداتها، أو مركباتها، أو أسلحتها، أو ذخائرها، أو وثائقها، أو أسرارها العسكرية، أو أموالها العامة، أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها، أو أفرادها، بسبب تأدية أعمال وظائفهم.
كذلك نالت السلطة القضائية، التي أيّدت استيلاء الجيش على السلطة صراحة في عام 2013، العديد من الصلاحيات التي ذهبت أدراج الرياح في تعديلات الدستور عام 2019، ومنها استقلالية ميزانية كل هيئة قضائية، واختيار مجلس القضاء النائب العام، وحصول المحكمة الدستورية على الحق في تعيين رئيسها.
تقصي حقائق
ومع انتهاء عمل لجنة الخمسين، شكّل الرئيس المؤقت وقتئذ عدلي منصور لجنة تحت اسم "تقصي حقائق 30 يونيو"، برئاسة أستاذ القانون الدولي الراحل فؤاد عبد المنعم رياض، للتحقيق في أحداث العنف التالية للانقلاب، وأبرزها مجزرة فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" اللذين أقامهما أنصار مرسي. وخلصت نتائج اللجنة إلى إدانة المعتصمين السلميين، وتحميلهم مسؤولية قتل أنفسهم عوضاً عن قوات الجيش والشرطة المسؤولة عن الفض.
ومثّل قرار تشكيل اللجنة شهادة وفاتها، إذ اقتصر على بعض القانونيين والأكاديميين، الذين لا يملكون خبرات سابقة في مجال الرصد والتوثيق والتقصي، من دون أن تضم أياً من المنتمين إلى منظمات المجتمع المدني، واعتُبرت نتائجها أبعد ما تكون عن مبادئ ومعايير لجان تقصي الحقائق، بل لعلها أقرب إلى تحريات الشرطة المصرية. وأشرف على إصدار تقرير اللجنة القاضي السابق عمر مروان، الذي كافأه السيسي بتعيينه وزيراً للمجالس النيابية، ثم وزيراً للعدل حالياً.
ومع تولي السيسي السلطة في يونيو/ حزيران 2014، عقب انتخابات صورية شارك فيها أحد رموز الثورة القيادي الناصري حمدين صباحي، والذي لم يحصل سوى على نحو 3 في المائة من أصوات الناخبين، ورفض دعوات أنصاره بالانسحاب من "مسرحية الرئاسيات"، إثر مهزلة قرار تمديد الانتخابات ليوم ثالث لمحاولة رفع نسبة التصويت، وهو التمديد الذي ألقى بظلاله على نزاهة العملية الانتخابية برمتها.
تحالف مضاد
وسعى صباحي لتشكيل تحالف مضاد تحت اسم "التيار الديمقراطي"، ضم مجموعة من الأحزاب، أهمها "الدستور" و"التحالف الشعبي الاشتراكي" و"التيار الشعبي"، طمعاً في الحصول على تمثيل محدود في البرلمان، بما يمهد لعودة المعارضة الكارتونية المصطنعة إبان حكم مبارك، وهو ما لم يسمح به أيضاً نظام السيسي، الذي سرعان ما طارد أعضاء هذه الأحزاب من خلال أجهزته الأمنية.
ونتيجة ضغوط أجهزة الأمن، والمخابرات، على التكتلات التي بدأت تتشكل على استيحاء لمعارضة السيسي، انسحبت غالبية الأحزاب المنضوية في تحالف "التيار الديمقراطي" من الانتخابات البرلمانية أواخر عام 2015، خوفاً من الملاحقة الأمنية، معلنة رفضها قانون الانتخابات الذي منح 80 في المائة من المقاعد للنظام الفردي، و20 في المائة لنظام القائمة المغلقة، على خلفية تجاهل مقترحاتها بشأن تغيير نظام الانتخاب من القائمة المطلقة إلى النسبية.
ووصل عدد الأحزاب المصرية بعد الثورة إلى 104 أحزاب، بعد أن كانت لا تتجاوز 23 حزباً قبلها، لم يكن لأغلبها أي تأثير في الحياة السياسية، غير أنها حاولت ركوب موجة الثورة عقب نجاحها في إطاحة مبارك، ونظامه، بعد أن عارض كثير منها الدعوة إلى التظاهر يوم 25 يناير، والتي وصفها رئيس حزب "التجمع" الراحل رفعت السعيد بأنها تستهدف "تشويه هذا اليوم التاريخي"، في إشارة منه إلى "عيد الشرطة".
ولم يكن غريباً أن ترتمي بعض هذه الأحزاب في أحضان التحالفات الانتخابية المؤيدة للسيسي في أعقاب الانقلاب، على غرار أحزاب "الوفد" و"الغد" و"الجيل" و"العربي الناصري"، إضافة إلى مجموعة من الأحزاب التي تشكلت عقب الثورة، وضمت بين صفوفها قيادات سابقة في نظام مبارك، مثل أحزاب "المؤتمر" و"الحركة الوطنية" و"مصر بلدي".
ترسيخ الاستبداد
وعلِم السيسي مبكراً أهمية السلطة التشريعية، وما سيوكل إليها من مهام ترسخ من قبضته الاستبدادية، وتضمن استمراره في الحكم لسنوات إضافية عقب تعديلات دستورية يشوبها البطلان. وتقنن من إجراءات بيع أصول الدولة، وخصخصة مرافقها، ما دفعه إلى تكليف نجله الضابط النافذ محمود السيسي بالإشراف على عملية اختيار أعضاء النواب.
وبحسب شهادة موثقة لمسؤول الشباب السابق في حملة السيسي الانتخابية، حازم عبد العظيم، فإن اجتماعات تشكيل قائمة "في حب مصر"، التي انبثق عنها ائتلاف الأغلبية النيابية، تمت داخل مقر جهاز المخابرات العامة قبيل إجراء انتخابات برلمان 2015. وحدث ذلك بحضور المستشار القانوني لرئيس الجمهورية، محمد بهاء الدين أبو شقة، ونجل السيسي محمود، بناءً على دعوة موجهة إلى الحاضرين من رئاسة الجمهورية.
كلّف السيسي نجله الضابط النافذ محمود السيسي للإشراف على عملية اختيار أعضاء النواب
التسلل للبرلمان
واستطاع عدد من المرشحين المستقلين التسلل إلى عضوية مجلس النواب السابق، الذي عقد أولى جلساته في 10 يناير/ كانون الثاني 2016، وشكّلوا فيما بعد تكتلاً معارضاً لسياسات الحكومة بمجموع 16 نائباً من أصل 596 برلمانياً، في مواجهة ائتلاف "دعم مصر" الحائز على أغلبية المقاعد، من دون أن يكون لهذا التكتل أي تأثير ملموس في قرارات البرلمان على مدى 5 سنوات.
وبمرور الوقت تغيرت المرادفات تحت قبة البرلمان المصري من الثورة إلى أحداث 25 يناير، اقتداءً بخطابات السيسي التي بدأ يهاجم الثورة فيها تدريجياً، ويحمّلها مسؤولية فشله في إدارة العديد من الملفات المهمة، مثل ضعف موقف بلاده في أزمة سد النهضة الإثيوبي، والتدهور الأمني في مناطق شبه جزيرة سيناء، وتعطيل حركة البناء والتنمية، وما صاحب ذلك من تراجع ملموس في معدلات الأداء الاقتصادي.
مخالفات بالجملة
وعلى مدى 5 سنوات، لم يكترث أعضاء البرلمان الموالون للنظام بالاتهامات التي طاولتهم تارة بمخالفة الدستور، أو طوراً بتأييد قرارات رفع الأسعار، من دون اعتبار للفقراء الذين يئنون تحت وطأة موجة الغلاء، كونهم يعلمون جيداً أن نظام السيسي هو الذي أتى بهم إلى مقاعدهم، وصاحب القول الفصل في مسألة تجديد انتخابهم أو عدمه، وليس أصوات الناخبين، في ظل سيطرة أجهزة الأمن على كافة مراحل الانتخاب.
ولم يرفض البرلمان أي تشريع مقدّم من الحكومة، باستثناء قانون الخدمة المدنية مع بداية انعقاده (أقره لاحقاً بعد تعديلات محدودة)، علاوة على إقراره العشرات من اتفاقيات القروض الدولية التي تحمل الأجيال المقبلة مزيداً من الديون. وضربت اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية شرعية البرلمان في مقتل، لا سيما أنه تجاهل أحكام القضاء ببطلان توقيع الحكومة على الاتفاقية.
لم يرفض "برلمان الانقلاب" أي تشريع مقدّم من الحكومة، باستثناء قانون الخدمة المدنية مع بداية انعقاده وأقره لاحقاً
ومرر مجلس النواب السابق 5 موازنات عامة للدولة غير دستورية، لم تف أي منها بنسبة العشرة في المائة من الناتج القومي الإجمالي المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي، والواردة في المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور، إضافة إلى الموافقة على 15 قراراً للسيسي بإعلان ومد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، منذ فرضها للمرة الأولى لمدة 3 أشهر في إبريل/ نيسان 2017.
ووافق المجلس في دور انعقاده السنوي الأول على 82 مشروعاً بقانون، بخلاف 341 قراراً بقانون كان قد أصدرها رئيس الجمهورية قبل انعقاده، و219 مشروعاً بقانون في دور انعقاده الثاني، و197 مشروعاً بقانون في دور انعقاده الثالث، و156 مشروعاً بقانون في دور انعقاده الرابع، و233 مشروعاً بقانون في دور انعقاده الخامس، إلى جانب تقدّم النواب بنحو 5 آلاف و600 أداة رقابية بين أسئلة وطلبات إحاطة وبيانات عاجلة، وقد تجاهلت الحكومة الرد على أغلبها.
وأيّد مجلس النواب العديد من التشريعات الخطيرة، مثل تعديل بعض أحكام قانون "إنشاء صندوق مصر السيادي"، الذي أجاز لرئيس الجمهورية نقل ملكية الأصول المستغلة المملوكة للدولة، أو غير المستغلة إلى الصندوق، ومن ثم إعادة طرحها للبيع أمام القطاع الخاص لصالح الصندوق غير الخاضع لأي شكل من الرقابة، والمحصنة عقوده من الملاحقة القضائية، على الرغم مما قد يشوبها من فساد أو عوار.
كذلك وافق البرلمان على مشروع قانون "المساهمة التكافلية لمواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار الأوبئة أو حدوث الكوارث الطبيعية"، والذي نصّ على اقتطاع نسبة 1 في المائة من مجموع رواتب جميع العاملين في الدولة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو البنوك، ونسبة 0.5 في المائة من رواتب أصحاب المعاشات لمدة 12 شهراً متصلة (قابلة للتمديد)، اعتباراً من الأول من يوليو/ تموز 2020، بحجة تمويل صندوق جديد لمواجهة الأوبئة والفيروسات.
كذلك أيّد تعديل أحكام المرسوم بقانون رقم 49 لسنة 1948، بشأن تنظيم الوضع تحت مراقبة الشرطة، والذي استهدف تقنين فرض المراقبة على المعارضين السياسيين في أوقات الليل داخل أقسام الشرطة، بعد قضاء مدة عقوبتهم في السجن، ومنعهم من طلب تحديد مكان المراقبة، فضلاً عن منح وزير الداخلية سلطة تحديد هذا المكان خارج نطاق المحافظات التي يُقيمون بها. في حين وافق البرلمان على تعديل بعض أحكام قانون "مكافحة الإرهاب"، والهادف إلى تجميد عضوية المدرجين على قوائم "الإرهابيين" في النقابات المهنية، ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات، وأي كيان تساهم فيه الدولة أو المواطنون بنصيب ما، ومجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية، وأي كيان مخصص للمنفعة العامة، والتوسع في مصادرة أموال وممتلكات المعارضين من المحسوبين على جماعة "الإخوان المسلمين".
بيع الجنسية
وشملت قائمة التشريعات "الكارثية" التي مررها المجلس، وأشعلت حالة من الغضب لدى الشارع: بيع الجنسية المصرية مقابل وديعة بنكية مدتها 5 سنوات بقيمة 7 ملايين جنيه (نحو 450 ألف دولار)، وخصخصة المرافق العامة كالسكك الحديدية ومترو الأنفاق، إضافة إلى منح قادة الجيش امتيازات واسعة، وتحصينهم من المساءلة القضائية حيال الجرائم التي ارتُكبت بحق المعتصمين السلميين في وقائع العنف الدامية التي أعقبت إطاحة مرسي، وزيادة رواتب ومعاشات الوزراء والمحافظين ونوابهم إلى الحد الأقصى للأجور.
كذلك أقر 3 تشريعات متصلة لتنظيم الصحافة والإعلام، والمعروفة إعلامياً بـ"قوانين إعدام الصحافة"، كونها تشترط حصول الصحافي أو الإعلامي على التصاريح اللازمة لحضور أحد الاجتماعات العامة، أو إجراء لقاءات مع المواطنين، مع منح "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" سلطة منع تداول وسحب تراخيص وحجب المواقع الإلكترونية، والحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، متى زاد متابعوها عن خمسة آلاف.
أما عن اتفاقيات القروض الخارجية، فوافق مجلس النواب على المئات منها، الأمر الذي حمّل الأجيال المقبلة مزيداً من الديون، ولعل أبرزها اتفاق صندوق النقد الدولي لتسهيل إتاحة تمويل تحصل بموجبه مصر على قرض بنحو 2.77 مليار دولار، وآخر بقيمة 5.2 مليارات دولار، ومن قبلهما قرض ثالث بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016، ليصل مجموع ما حصلت عليه مصر من الصندوق غلى 20 مليار دولار تقريباً.
وفي 16 إبريل/ نيسان 2019، وافق مجلس النواب على طلب تعديل الدستور الذي أضاف نصاً انتقالياً يسمح باستمرار السيسي في الحكم حتى عام 2030، من خلال زيادة مدة رئاسة الجمهورية من 4 إلى 6 سنوات، والسماح للرئيس الحالي بالترشح لولاية ثالثة عند انتهاء ولايته الثانية في 2024، مع العلم أنه انتخب في عام 2018 لمدة 4 سنوات فقط.
تغييب المعارضة
وغابت كل الوجوه المحسوبة على ثورة يناير عن تشكيل مجلس النواب الجديد (2021-2026)، باستثناء 4 نواب فقط من مجموع 596 نائباً، وهم النائب المخضرم عن حزب "الوفد" محمد عبد العليم داوود، أحد أبرز وجوه المعارضة تحت قبة البرلمان في العشر سنوات السابقة لاندلاع الثورة، والنائب الشاب عن حزب "التجمع" أحمد بلال، العضو السابق في حركة شباب 6 إبريل بمدينة المحلة الكبرى في الغربية.
هناك أيضاً النائبان ضياء الدين داوود، وأحمد الشرقاوي، عضوا تكتل (25-30) الذي حاول أداء دور المعارضة الناعمة في البرلمان السابق، وسرعان ما انهار بعد خسارة الغالبية العظمى من نوابه في الانتخابات الأخيرة، ولعل أبرزهم أحمد الطنطاوي في محافظة كفر الشيخ، وهيثم الحريري في الإسكندرية، ومحمد عبد الغني، وخالد عبد العزيز شعبان في القاهرة، وعبد الحميد كمال، وطلعت خليل في السويس.
غابت كل الوجوه المحسوبة على ثورة يناير عن تشكيل مجلس النواب الجديد باستثناء 4 نواب فقط
وشهدت الانتخابات البرلمانية المنقضية عمليات واسعة من التزوير، لإقصاء أي صوت معارض من مجلس النواب الجديد، والذي يعد الأقل تمثيلاً للمعارضين في تاريخ المجالس النيابية المصرية، في ظل الانتهاكات التي شهدتها الانتخابات برعاية من أجهزة الأمن، والقضاة المشرفين عليها، ومنها عمليات التلاعب في أعداد المصوتين، والتزوير لصالح المرشحين المحسوبين على السلطة الحاكمة.
ولم يشفع لرئيس البرلمان السابق علي عبد العال تماهيه التام، وطاعته بلا مناقشة لقرارات النظام طيلة الفصل التشريعي المنقضي، ومشاركته في تمرير المئات من التشريعات "سيئة السمعة"، إثر ترشيح حزب "مستقبل وطن" الحائز على الأغلبية رئيس المحكمة الدستورية السابق، حنفي جبالي، لمنصب رئيس مجلس النواب بدلاً منه، بغرض تسليم السلطة التشريعية، بغرفتيها، لقضاة المحكمة الدستورية.
مجلس استشاري
ويشغل رئيس المحكمة السابق عبد الوهاب عبد الرازق رئاسة مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، الذي عاد إلى الحياة النيابية كمجلس استشاري بموجب تعديلات الدستور الأخيرة، من دون ثمة صلاحيات تشريعية أو رقابية، بهدف إرضاء أكبر قدر ممكن من رجال الأعمال والسياسيين والإعلاميين المؤيدين للسيسي، والذي قد يحتاج إلى أموالهم لتمويل حملته الدعائية في انتخابات الرئاسة عام 2024.
ويعد مجلس الشيوخ معطلاً منذ عقد أولى جلساته في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بسبب عدم امتلاكه صلاحية إصدار مشروع قانون لائحته الداخلية، بوصف مجلس النواب هو صاحب سلطة إصدار القوانين وفقاً للدستور. ويحصل أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على مكافآت وبدلات شهرية تعادل الحد الأقصى للأجور (42 ألف جنيه شهرياً أي حوالي 2600 دولار)، وهي مُعفاة من جميع أنواع الضرائب والرسوم، ولا يجوز التنازل عنها.
ويحظى نواب البرلمان بالعديد من الامتيازات العينية كذلك، على غرار حصولهم على اشتراك سفر مجاني في الدرجة الممتازة في السكك الحديدية، وتذاكر مجانية لرحلات الطيران الداخلية، مع تحمل موازنتي مجلسي النواب والشيوخ تكاليف إقامتهم في فنادق 5 نجوم طيلة أيام الجلسات، إضافة إلى سداد العديد من الاشتراكات الخاصة، والخدمات المقدمة إليهم من الدولة، عوضاً عنهم.