تنطلق اليوم الثلاثاء جلسة المصادقة على مشروع قانون النظام الداخلي للبرلمان التونسي، ليبرز الخلاف حول التناوب في رئاسة البرلمان، بين مدافعين عن استقرار المجلس التشريعي، ومناصري دورية انتخاب رئاسة المجلس كل عام.
ويتكون مشروع النظام الداخلي للبرلمان الجديد من 171 فصلاً موزّعة على 13 باباً، يقوم على تطبيق أحكام دستور 2022 الذي صاغه الرئيس التونسي قيس سعيّد في الباب الدستوري الخاص بالوظيفة التشريعية.
وتشمل بنود القانون الداخلي الجديد تنظيم "الأحكام العامة" للوظيفة التشريعية، و"العضوية والكتل النيابية والحصانة"، و"هياكل المجلس"، و"النظر في المبادرات التشريعية"، إضافة إلى "النظر في اللوائح"، و"مراقبة العمل الحكومي"، و"الحوار مع الهيئات"، و"تمثيل المجلس في الهيئات والمجالس الوطنية والعلاقات الدولية"، "والعلاقة مع الإعلام والمواطنين والمجتمع المدني"، و"اقتراح تنقيح الدستور"، و"التدابير الاستثنائية"، و"قيم ومبادئ العمل البرلماني"، إضافة إلى جملة من "الأحكام الانتقالية والختامية".
وتبرز عدد من النقاط الخلافية التي طُرحت خلال أعمال لجنة النظام الداخلي في الأسابيع الماضية، ورُحِّلت إلى الجلسة العامة لحسمها بتصويت النواب، إضافة إلى مجموعة من التعديلات المقترحة من البرلمانيين.
وتتصدّر مسألة إعادة انتخاب رئاسة البرلمان صدارة النقاط الخلافية المطروحة بين النواب، بين مساند لطرح مدة رئاسية كاملة بـ5 سنوات، لإبراهيم بودربالة ونائبيه الأول والثاني، في سياق المحافظة على استقرار المؤسسة البرلمانية، مع إمكانية سحب الثقة عند الإخفاق في مهمته، أو حدوث خرق أو تجاوزات، وبين رأي ثانٍ يدعم الانتخاب في بداية كل دورة برلمانية (كل سنة) على رئيس المجلس ونائبيه، في إطار التناوب في المنصب، فيما يذهب رأي ثالث نحو تجديد الثقة بالتصويت على منح الثقة، مطلع كل دورة برلمانية.
وأكد عضو لجنة النظام الداخلي بمجلس الشعب يوسف التومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "لجنة النظام الداخلي ناقشت مسألة دورية تجديد الثقة في رئاسة البرلمان، وإعادة انتخابات رئيس المجلس ونائبيه مطلع كل دورة برلمانية، ولكن تمّت التوصية بالإبقاء على مبدأ الانتخاب لمدة كاملة بـ5 سنوات"، مشدداً على أنه "من داعمي مبدأ الانتخاب لدورة كاملة للمحافظة على استقرار البرلمان، ولضمان استمرار عمله، خصوصاً وأن رئيس البرلمان هو رئيس المؤسسة النيابية، وكذلك رئيس الإدارة ومسؤول عن التسيير الإداري والمالي واللوجستي"، بحسب تفسيره.
وبيّن التومي أن "هذه النقطة مطروحة للنقاش والتعديل في الجلسة العامة، باعتبار أن هناك نوابا لديهم مقترحات في هذه المسألة".
ومن جانبه، اعتبر النائب عن "حركة الشعب" عبد الرزاق عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أداء الرئاسة يجب مراقبته من قبل النواب، ومن هنا جاءت فكرة تجديد الثقة في رئيس المجلس ونائبيه في بداية كل دورة برلمانية، تبدأ من أكتوبر/ تشرين الأول، وتنتهي في يوليو/ تموز من كل سنة"، مشيراً إلى أن "هذه الدورة ستُعتبر غير مكتملة، وبالتالي إذا تم إقرار تجديد الثقة في رئاسة البرلمان، فستكون بداية من أكتوبر 2024، وهو ما سيجنّب البرلمان مسألة سحب الثقة من رئاسته".
ولفت عويدات إلى أن "هناك من يدافع عن فكرة الاستقرار في إدارة المجلس في كلّ نواحيها، السياسية والإدارية واللوجستية والمالية، وأن استقرارها لمدة 5 سنوات هو أفضل للأداء".
وشدد المتحدث ذاته على أن ""حركة الشعب" تميل إلى فكرة تجديد الثقة، لأن في ذلك ما يضمن العلاقات الجيدة، ويمنع توتر العلاقة بين الرئاسة وبقية النواب كما حدث في برلمان 2019، عندما ذهب النواب لطلب سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي في 2020"، لافتاً إلى أن "فكرة سحب الثقة تعكس الصراع والتصادم والخصام الذي تهتز معه الثقة، سواء تم سحبها أو لا".
وأضاف عويدات: "نحن مع الصرامة في تطبيق النظام الداخلي الجديد من خلال الأحكام الجديدة، خصوصاً بعد تجربة برلمان 2019 التي تُعدّ أسوأ تجربة يجب أخذ العبرة منها، حيث تم وقف وتعطيل الجلسات، دون إمكانية فعل أي شيء، إذ لا يمكن لرئيس الجلسة سابقاً سوى القيام بتنبيه لثلاث مرات أو سحب الكلمة، غير أن نواباً عطلوا الجلسة من خلال مضخمات صوت"، بحسب قوله.
وبيّن أن "النظام الداخلي الجديد، بناءً على الدستور الجديد، يرفع الحصانة آلياً عن النواب في حالات تعطيل الجلسة، أو الاعتداء بالعنف المادي أو اللفظي على حرمة المجلس أو أحد النواب، ويأمر رئيس المجلس بمغادرته القاعة ويوقف الجلسة".
وأفاد بأن "هيكلاً جديداً سيتمّ إرساؤه، وهو هيئة الحكماء، لتوطيد العلاقات بين النواب، ولتنفيذ قرار إخراج النائب، وللحضور في جلسات تأديب مع مكتب المجلس، كما يمكن إقرار عقوبة منع النائب المخالف من دخول تلك الجلسة أو أكثر، وحتى طيلة دورة برلمانية، أو بحرمانه من منحته البرلمانية تصل حتى نصف أجره"، لافتاً إلى أن "هناك إجراءات صارمة لفرض النظام وضمان حسن سير المجلس".
من جانب آخر، أكد النائب عن مبادرة "لينتصر الشعب" أحمد السعيداني دعمه "مقترح إعادة تجديد الثقة في رئيس البرلمان، وفي حال عدم الحصول على الأصوات الكافية، يتم المرور لخيار انتخاب رئيس برلمان جديد".
وأشار السعيداني، في تصريحات صحافية عن عمل لجنة النظام الداخلي، إلى أنها "لا تضمن التوازنات وتمثيل جميع النواب والمجموعات البرلمانية، وأن الجلسة العامة ستحسم بالتصويت"، لافتاً إلى أن "أصواتاً تعالت بحجة أن هذه الفترة تتطلب نوعاً من الاستقرار، لكننا في كتلة "لينتصر الشعب" وكتل أخرى وبعض النواب تمسكنا بأن الاستقرار يتحّدد بالإنجاز داخل البرلمان لا برئاسته''، حسب قوله.
وأوضح السعيداني أنه "جرى اقتراح استحداث مفهوم اللجان السيادية، والذي كان نقطة خلافية أخرى داخل اللجنة، وقد سقط أيضاً لأنه لم يحظَ بالأغلبية"، معتبراً أن لجنة النظام الداخلي تعاملت مع "النظام الداخلي كمسألة إجرائية بحتة''، مضيفاً أن ''أغلبية فصوله هي إعادة بث حياة في جسد ميت، واستنساخ للنظام الداخلي القديم (2014)".
وبيّن المتحدث ذاته أنه "على عكس ما يروّجه البعض، هناك معارضة داخل البرلمان''، متابعاً أن ''كتلة "لينتصر الشعب" ستكون في المعارضة في ضوء تطلّب الأمر ذلك، وفي ضوء تمسك الدولة بالإجراءات الموجعة المضمنة في وثيقة الإصلاحات التي عرضت على صندوق النقد الدولي، على غرار رفع الدعم".
ويختلف القانون الداخلي الجديد في التنصيص على إجراءات سحب الوكالة كما نظمها الدستور الجديد، وتحدث عنها رئيس الجمهورية مراراً.
وخلافاً للنظام الداخلي لمجلس النواب المنحل بقرار من قيس سعيد ضمن إجراءات وصفت بالانقلابية، فقد منع مشروع النظام الداخلي للبرلمان الجديد صراحة النواب من ممارسة أي نشاط آخر بمقابل أو دون مقابل، مع وضع النواب المنتمين للوظيفة العمومية في حالة عدم مباشرة.
كما نصّ المشروع على وجوب حضور النائب في كلّ هياكل المجلس، مع منع التغيب عن أشغال المجلس دون عذر، وضرورة إثبات العذر وتقديم المؤيدات في أجل لا يتجاوز 72 ساعة من تاريخ التغيب، حتى لا يتم الخصم من أجره إذا تجاوز جلستين عامتين متعلقتين بالتصويت، وثلاث غيابات في أعمال اللجان في الشهر نفسه، وعن أشغال المكتب.
ويحجر القانون الداخلي "السياحة الحزبية" تناغماً مع الدستور. ففي حال استقالة نائب من كتلته، لا يمكنه الالتحاق بكتلة أخرى، ويبقى غير منتمٍ لأي كتلة طيلة المدة البرلمانية (5 سنوات).
وخلافاً للقانون الداخلي السابق الذي ينظم جلسة منح الثقة من الحكومة المنبثقة عن البرلمان، وعن الأغلبية البرلمانية الحاكمة، وتنظيم جلسات مساءلة الحكومة، وتوجيه لائحة لوم لرئيس الدولة، ومساءلة الهيئات الدستورية، أصبحت الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية، وهو يعيّنها، كما لا يخضع الرئيس لمساءلة البرلمان، ولا يمكن سحب الثقة منه.