ألقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليل الأربعاء، أول خطاب له أمام الكونغرس. كان من المفترض، حسب التقليد، أن يلقيه بعد حوالى أسبوعين من تسلمه الحكم، وأن يقتصر على العموميات والوعود، لكن فيروس كورونا فرض التأجيل ليتزامن، لأول مرة في تاريخ البيت الأبيض، مع خطاب المائة يوم الأولى من الرئاسة، التي درج اعتبارها فترة اختبار للرئيس الجديد.
وبذلك، تحولت المناسبة إلى فرصة قدّم خلالها بايدن جردة بما حققته إدارته حتى الآن، وبما تطمح إلى تحقيقه في الفترة المقبلة. في الأمرين، كانت نبرته عالية، استند فيها إلى رصيد متفوق على سلفه دونالد ترامب، 52-53%، حسب الاستطلاعات الأخيرة، و61% من المستقلين الذين يشكلون بيضة القبان في الانتخابات.
وكان نجاح إدارته في حملة التلقيح الرافعة الأساسية لتأييده الذي وصل إلى 69%، في ضوء النجاح الذي تجاوز التوقعات في تنظيمها وتسريعها، ما أدى إلى خفض الإصابات والوفيات. وساعد في ذلك حالة الانتعاش الاقتصادي، ولو البطيء، لكن الثابت في المدة الأخيرة.
كذلك أسهم قرار انسحاب بايدن من أفغانستان في تعزيز صورته، على الرغم من اهتزازها بعض الشيء جراء التخبط والفوضى في التعامل مع موضوعي الهجرة واللجوء عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك.
خطاب الـ100 يوم لبايدن كان مخصصاً للأوضاع والإصلاحات والسياسات الداخلية، وبالتحديد لشد العصب واسترجاع الثقة بعد الإنهاك الطويل الذي سببته الجائحة وممارسات الرئيس السابق. وهو يستند في ذلك إلى الإنجازات الصحية والتقديمات المالية (حزمة التحفيز) التي كانت إدارته وراءها، فضلاً عن رزمة مشاريع التنمية التي يدفع بها والتي تزيد على 4 تريليونات دولار، موزعة على تحديث البنية التحتية والخدمات الاجتماعية غير المسبوقة والممولة بزيادة الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء.
نقلة لا تقل عن محاولة إحداث تغيير كبير في دور الدولة ووظيفتها في توزيع الثروة. وهو توجه يعارضه الجمهوريون بقوة من خلال وضعه في خانة "التحول الاشتراكي" لتبرير عدم تمريره كله أو معظمه في الكونغرس، وبالأخص في مجلس الشيوخ الذي لن تقوى القوى المحافظة فيه على إدامة التصدي لمثل هذا التوجه بحكم التغيير المتزايد في توازنات التركيبة السكانية، المتوقع ألا يكون لمصلحتها.
السياسة الخارجية غابت عن الخطاب ما عدا دقائق قليلة عابرة عرج فيها الرئيس على العلاقات مع الصين وروسيا، فضلاً عن حرب أفغانستان وكوريا الشمالية، من دون أي جديد في إشارته.
كذلك غابت عن الخطاب المشهدية المألوفة، حيث جاء الخطاب وسط ترتيبات غير اعتيادية في داخل قاعة مجلس النواب وخارجها. فالحضور اقتصر على 200 من أصل 8 أضعاف هذا العدد في مثل هذه المناسبة.
مجلس الشيوخ تمثل بحوالي نصف أعضائه ومجلس النواب بأقل من ربعه، كذلك تمثلت الإدارة بوزيري الخارجية، أنتوني بلينكن، والدفاع، لويد أوستين. وغاب السلك الدبلوماسي والمئات من الضيوف والمدعوين. شبح كورونا فرض الاختصار. كذلك فرض هاجس الأمن تدابير حماية لا سابق لها.
صورة اجتياح الكونغرس في 6 من يناير/كانون الثاني الماضي ما زالت ماثلة في الأذهان، ومخاطر تكرار نماذج منها قائمة حسب التقديرات الأمنية. انعكس ذلك في عزل مبنى الكونغرس كلياً عن العاصمة، حيث تمركزت حوله مئات من قوات الحرس الوطني وأفراد الشرطة ورجال مخابرات "أف بي أي"، ودوريات البوليس السري، وسط غابة من الحواجز التي سدت الطرقات والمنافذ المؤدية إلى المبنى وعلى مسافة عدة كيلومترات حوله.
المناسبة دشّن فيها بايدن نهاية المئة يوم، كما لم يفعله رئيس من قبل، كما دشّن بخطابه جلسة غير مسبوقة برئاستها التي شاركت فيها ولأول مرة سيدتان: رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، بصفتها رئيسة مجلس الشيوخ الأولى ومن الملونين.
‘Madam Speaker, Madam Vice President,’ Biden said as he addressed Congress. ‘No president has ever said those words from this podium, no president has ever said those words. And it's about time!’ https://t.co/UFzRUcdalw pic.twitter.com/R00C0vQ1Wr
— Reuters (@Reuters) April 29, 2021
بداية فارقة لرئيس لقّبه سلفه ترامب بالرجل "النعسان"، نجاحه بدرجة مقبول في امتحان الفصل الأول من رئاسته التي جاءت محمّلة بالأزمات، يبيّن أنه رئيس "فاعل"، لكن التحدي الأكبر يبقى في الفصول اللاحقة.