عشية بداية الجولة الثانية من حرب روسيا في أوكرانيا، تتحرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمخاطبة المجتمع الدولي، وبالتحديد دوله الوازنة، كما خاطبها الرئيس جورج بوش الابن في 20 سبتمبر/أيلول 2001 عشية حرب أفغانستان، عندما قال: "على الدول أن تقرر الآن إما أن تكون معنا وإما ضدنا".
الإدارة الأميركية الآن اعتمدت نفس التخيير – التحذير ولو بصيغة مختلفة، خاصة مع الكبار؛ الصين والهند، وربما لاحقاً مع السعودية بضغط من الكونغرس. فالحرب الأوكرانية باتت محكومة بالتصعيد بعد انسداد طريق المفاوضات التي نعاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يومين. وعليه، سارع البيت الأبيض إلى تجميع أوراقه، خصوصاً الدبلوماسية منها، علّها تساعد في تضييق الخناق على موسكو وعزلها وحرمانها من تمويل آلتها الحربية.
لكن محاولة رفع الضغوط على الهند والصين المحايدتين علناً والمتعاطفتين ضمناً مع موسكو، لا يبدو أنها أسفرت عن نتيجة حتى الآن، بالرغم من التلويح بكلفة عالية لعدم الاستجابة.
الرسالة بهذا المعنى كانت واضحة وصارمة في كلمة وزيرة الخزانة جانيت يلين، أمس الأربعاء، في "مجلس أتلانتيك" للدراسات بواشنطن. خطابها، الذي جاء قبل أسبوع من اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن بحضور وزراء المال من كافة الدول، كان مخصصاً للحديث عن الأزمة المتفاقمة التي تسبب بها ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم والنقص المرتقب في السلع الأساسية.
لكنها أدخلت عليه موضوع الحرب من زاوية رفض الحياد والتحذير من عواقب "أي موقف يمكنه أن يقوّض العقوبات"، والتشديد على أهمية انضباط الساحة الدولية وتقيّدها بمقتضيات تطبيقها ضد روسيا، ولا سيما الصين، ولو أنّ مصارفها وشركاتها امتنعت حتى الآن عن مساعدة موسكو للتملّص من العقوبات.
لكن الحياد بهذه الطريقة لا يكفي ولا يزيل شكوك واشنطن. المطلوب موقف صيني من موسكو "إذا ما رغبت بكين في مواصلة تكاملها الاقتصادي مع العالم". ضمناً، يعني إذا ما أرادت الاستمرار في علاقاتها التجارية مع أميركا وأوروبا، والتي تشكّل الرافعة الأساسية لصعودها الاقتصادي، "فمصالحنا مع الصين قد يصبح من الصعب فصلها عن أمننا القومي لو اختارت بكين دعم موسكو"، كما قالت.
كذلك كانت الرسالة إلى الهند ولو بلغة أخف، خلال لقاء بالفيديو قبل يومين بين الرئيس بايدن ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بحضور شخصي لوزيري الخارجية والدفاع في كل من البلدين. اللقاء الذي دام ساعة كان "ودياً وصريحاً"، حسب وصف مسؤول في البيت الأبيض. يعني أنّ الخلافات بقيت على حالها.
الجانب الأميركي لفت إلى أنه "ليست من مصلحة الهند زيادة مشترياتها من الطاقة الروسية، لأنّ من شأن ذلك أن يعرقل رد واشنطن على حرب روسيا في أوكرانيا". والمعروف أنّ واشنطن ازدادت ريبتها بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى نيودلهي، التي تكللت باتفاق مع الهند على ترتيب المدفوعات التجارية بينهما بعملة البلدين.
رئيس الوزراء مودي، الذي امتنعت حكومته عن التصويت في الأمم المتحدة ضد موسكو مؤخراً، أكد "استمرار العلاقات الجيدة مع روسيا"، والتي تعود إلى الزمن السوفييتي، مع التشديد على "دعمه المفاوضات" الروسية الأوكرانية.
واشنطن لا تقوى على التشدد مع الهند والعكس صحيح. يجمعهما القلق من الصعود الصيني
واشنطن لا تقوى على التشدد مع الهند، والعكس صحيح. يجمعهما القلق من الصعود الصيني الذي كان وراء انضمام الهند إلى تجمع "كواد" الرباعي؛ أميركا وأستراليا واليابان والهند، المصمم للوقوف بوجه التنين.
وبحسب مطلعين على الوضع الهندي، هناك قوى سياسية هندية لا ترى مكسباً في التقارب مع موسكو لناحية أنّ الأخيرة لا توفر دعامة للهند تجاه الصين، "لأنها حيادية بين الاثنين مع ميل للصين". لكن مع ذلك، ليس من المتوقع أن تنتقل نيودلهي إلى الضفة الأميركية في الأمد المنظور.
على الجانب الآخر، تتوالى التوقعات باحتدام القتال ودخوله مرحلة أكثر شراسة ودمار، مع الحديث عن احتمال دخول السلاح الكيميائي إلى الميدان وتزايد الدعوات إلى توسيع العقوبات بحيث تشمل صادرات الطاقة الروسية بالكامل.
وفي هذا السياق، خصص بايدن 800 مليون دولار لتزويد كييف على وجه السرعة بأسلحة نوعية، شملت لأول مرة دفاعات جوية ومسيّرات وعربات مصفحة، مع توفير التدريبات اللازمة لاستخدامها، مع ما يمثله ذلك من دخول موارب على خط العمليات العسكرية. وفي آخر التسريبات، أنّ أحد أقطاب الإدارة، ربما وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قد يقوم بزيارة قريبة إلى كييف للتطمين، وربما أيضاً في محاولة لإزالة الارتياب الأوكراني في النوايا الأميركية.