بايدن في فخ خطوط أوباما الحمراء: ارتباك غربي بمواجهة موسكو  

21 يناير 2022
جندي أوكراني على خط الجبهة في بيسكي، شرقي البلاد (برندان هوفمان/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، فجر الأربعاء الماضي، والتي أثارت لغطاً وارتباكاً غربياً، عن الاجتياح الروسي الكلي لأوكرانيا، باتت تتسبب اليوم بظهور الغرب "ضعيفاً" في مواجهة روسيا.

والاختلاف في مواقف ألمانيا وفرنسا و"دول الشمال" (السويد، فنلندا والدنمارك والنرويج) والبلطيق (لاتفيا، إستونيا، ليتوانيا) من تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يزيده ضبابية الحليف الأميركي. فحتى المعارض الروسي، أليكسي نافالني، من محبسه لم يرق له سقوط الغرب "مراراً وتكراراً في فخاخ بوتين"، بحسب رسائل وصلت إلى مجلة "تايم"، مشدّداً على أن الولايات المتحدة تتصرف "مثل تلميذ مذعور".

خلافات غربية حول مواجهة روسيا

وسرّعت تصريحات بايدن، عن خلافات غربية حول أدوات مواجهة التحدي الروسي، من خروجها إلى العلن. ويشبّه البعض تصريحات بايدن عن "غزو كامل" و"طفيف" بما ساد في ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014 والتدخل الروسي في سورية في عام 2015 تحت "الخطوط الحمراء" للرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما.

تخشى أوكرانيا من انتهاج روسيا سياسة "القضم التدريجي"

وزادت ضبابية المواقف بمستوى الإرباك الغربي خلال الساعات الـ48 الأخيرة. ووصف عضو لجنة السياسات الخارجية في الكونغرس، الجمهوري مايكل ماكويل، التصريحات تلك بـ"كارثية".

وعلى الرغم من مسارعة المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، للتأكيد أن واشنطن لن تميز بين غزو كبير أو صغير، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، أصبح واضحاً وجود تباين في حلف الأطلسي حول "الرد الحازم والموحد".

وقد حاول في السياق وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، التخفيف من وطأة تلك التصريحات، قبل توجهه للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف أمس الجمعة في جنيف.

وتعيد تجربة أوكرانيا قبل نحو 8 سنوات مع "غزو الرجال بلباس أخضر"، من دون زي رسمي روسي، المخاوف من أن الكرملين ينتهج سياسة "القضم التدريجي"، لتغيير الخطوط الجغرافية. وذلك كله يتزامن مع ما يشبه تطويق البلد من الشرق والشمال، في بيلاروسيا، غير بعيد عن العاصمة كييف.

واعتبر وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، التصريحات الأميركية "بمثابة ضوء أخضر لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين". بل إن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عقّب بنفسه على "الغزو الصغير"، باعتبار أنه لا يوجد شيء اسمه غزو بسيط، وأن "الخسائر في الأرواح" ليس فيها أقل وأكثر.

أسباب الارتباك الغربي

 أسباب اختلاف القوى الغربية حيال التصرف مع تكتيكات الرئيس الروسي، ليست غريبة على الكرملين، وأهمها غياب إرادة ورغبة أغلب الأطراف خوض حرب مدمرة لأجل أوكرانيا، على الرغم من أن اللعب عند حافة الهاوية يُقابل بتحشيد وتعبئة في بعض النواحي، التي ترسم خطوطها الحمراء المحلية، كدول الشمال في البلطيق.

ولدى الكرملين خبرة طويلة مع سياسات جيرانه في الاتحاد الأوروبي. فالتصريحات التي ساقتها زعيمة "الخضر" وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، في الحملات الانتخابية (سبتمبر/أيلول الماضي) عن ضرورة مد أوكرانيا بالسلاح الدفاعي اللازم، لم تصمد قبل نزولها عن الشجرة العالية.

وهو ما يقرأه البعض كاستمرار حكومة يسار الوسط بزعامة أولاف شولتز، بتبني البراغماتية والسياسة الواقعية التي انتهجتها المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل، لتجنب الاصطدام بروسيا.

وتتعرّض سياسة برلين لانتقادات مراقبين ومحللين أوروبيين وألمان، مع توقيع 72 شخصية ألمانية في برلين عريضة نشرتها الصحف المحلية، دعت إلى خروج ألمانيا من "عقدة الغزو النازي لروسيا".

وغير بعيد عن قراءة الكرملين لتفاصيل المواقف الغربية جاءت أيضاً رغبات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول بناء قوة أوروبية، بمعزل عن حلف الأطلسي، فماكرون، الذي لا يتوافق مع تدخلات الروس العسكرية في أفريقيا، يسعى منذ أسابيع، إلى تسويق قيادة باريس منفردة للاتحاد الأوروبي، وبمعزل عن التنسيق السابق مع برلين.

غضب أوروبي من تراخي ألمانيا ودول أخرى

ورفض البعض الأوروبي لاستغلال ماكرون استحضار موسكو "ورقة النازية" في علاقتها ببرلين لا ينفي وجود تذمر وغضب مكتوم من تراخي ألمانيا، وعلى الأقل في إسكندنافيا وبولندا ودول البلطيق. فسياسة برلين في العمق ترفض في محادثات تنسيق المواقف مع الشركاء الغربيين تضمين خط غاز "نوردستريم 2" (السيل الشمالي 2) الروسي، في مواجهة موسكو.

في المجمل، وغير بعيد عن تلك الأجواء، يذهب بعض الأوروبيين إلى المقارنات بالحالة التي سادت أوروبا عام 1939، عشية الحرب العالمية الثانية. وهؤلاء يقارنون بين تراخي الغرب آنذاك مع الزعيم النازي أدولف هتلر، واختباره القوى الغربية بسياسة قضم الدول، وما يقدم عليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين هذه الأيام في تهديد أوكرانيا عسكرياً.

ولن يكون غريباً أن يساهم أي تحرك عسكري روسي، صغيراً أم كبيراً، في صبّ المزيد من الزيت على الخلافات الغربية حول كيفية الاستجابة إن طبق ما حذرت منه أجهزة استخبارية عسكرية، عن أنه "يخطط لإرسال مجموعات تضرب الأراضي الروسية"، فيستخدم اللون البرتقالي الذي يتهم البعض ألمانيا والولايات المتحدة بمنحه إياه، للتخلص من أعباء التدخل الغربي المباشر، والمستبعد من قبل كثيرين.

المساهمون