جاءت ردود فعل واشنطن، إجمالاً، على حصيلة اليوم الأول من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية مخالفة لحسابات البيت الأبيض، ومعظمها من الفريق المحسوب على خندق الرئيس، سواء في الكونغرس أو الإعلام أو أوساط أهل الرأي، وثمة من اعتبرها مخيبة للآمال.
الانطباع الغالب أنه "تنازل" من غير مقابل كافٍ، وأنه طرح المآخذ خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، من دون ضمان عدم تكرار أسبابها، ومن غير المساءلة عن انتهاكاتها كما سبق له وتوعّد. بذلك، بدا وكأنه "أعطى أكثر مما أخذ"، وارتضى الظهور بمشهد "معيب"، بحسب تعبير صحيفة واشنطن بوست.
قبيل هبوط طائرته في جدة، ركّزت معظم متابعات الزيارة على الشكليات، مثل مراسم الاستقبال ومدى الترحيب؛ باعتبار أنها تنطوي على مؤشرات أولية على احتمالات ذوبان بعض جليد العلاقات بين الإدارة والسعودية، بقدر ما تؤشر على ما يمكن أن تتمخض عنه مهمة الرئيس من نتائج ومردودات كانت وراء مجيئه إلى المملكة بعد طول تردد.
لذلك، جرى التركيز على ما إذا كانت ستحصل "مصافحة" بين الرئيس وولي العهد محمد بن سلمان، أو ما إذا كانت لحظة الاستقبال سترافقها "ابتسامة" أو تعبيرات "الودّ"، وغير ذلك من علامات الترحيب التي تصاحب عادة زيارة بهذا المستوى. ومع أن التعويل على مثل هذه المقاييس لا يستقيم في تقويم العلاقات عادة، إلا أنه صحّ إلى حدّ بعيد هذه المرة. فقد توقف المراقبون أمام لحظات الاستقبال من المطار إلى قصر السلام، مع مقارنتها بزيارة سلفه دونالد ترامب إلى المملكة في 2017، خصوصاً غياب العاهل السعودي الذي قيل إنه ربما تغيّب لأسباب "صحية"، قضت باستنابة أمير مكة الأمير خالد الفيصل للقيام بالمهمة.
وتعزز الانطباع بعد الاستقبال "الناشف" لبايدن من قبل ولي العهد محمد بن سلمان عند وصوله إلى قصر السلام، والذي اقتصر على "سلام بالقبضة"، كان أكثر ما أثار الانتقاد، بل الغضب في واشنطن. النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي تحدث بلغة حادة عن الزيارة، كما عن المملكة التي "ما كان بإمكانها أن تكون موجودة لولا الحماية الأميركية". وأعرب عن عتبه على الرئيس الذي ذهب "لترميم العلاقة مع الرياض، في حين كان المفروض أن تقوم هذه الأخيرة بعملية الترميم".
كلامه كان صورة مكبّرة عن مناخ الاستياء من مشهدية بدء الزيارة. ثم جاء المؤتمر الصحافي للرئيس بعد لقائه ولي العهد وفريقه، ليثير المزيد من الانتقادات. مفاتحة بايدن للقيادة السعودية بقضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وبمسألة النفط، "لا ترقى إلى مستوى الإنجاز"، بحسب قراءات خبراء في شؤون المنطقة مثل دافيد اغناشيوس. الوعد النفطي مفتوح على الوقت، حيث قد يكون "لأسابيع أو لأشهر"، والاكتفاء بطرح مقتل خاشقجي في الجلسة مع ولي العهد "لا يرقى إلى الحدّ المناسب" بعد كل الاعتراض والتوعد بالمساءلة؛ "كان المطلوب أكثر من ذلك".
زيارة المملكة أو "زيارة الطوارئ" كما سمّاها السناتور الديمقراطي كريس مورفي، كانت من الأساس معقدة ومحفوفة بالمخاطر. الاعتقاد أنه لولا حرب أوكرانيا لما حصلت أصلاً. توسلها الرئيس لتسجيل نقاط لصالح حزبه ورئاسته عشية الانتخابات النصفية، وللتخفيف من ضغوط التضخم وارتفاع أسعار الطاقة التي يواجهها الوضع الأميركي. أحد أهدافها كما قال الرئيس، كان إعادة تركيب التحالف في المنطقة للتصدي لإيران، وإن كان في الحقيقة لإجبارها على الانصياع والعودة إلى اتفاق 2015.
موقف الإمارات أمس الجمعة بإعادة سفيرها إلى طهران ومعارضتها لأي تحالف مضاد لإيران، أثار علامات استفهام حول التوقيت، كما حول مؤتمر جدة الإقليمي اليوم السبت، المصمَّم لموضوع التحالف، والذي زعم الرئيس بايدن أنه كان في أصل زيارته للمملكة. وبذلك، تشوشت الصورة أكثر مما هي مشوشة. "الإنجاز" الأهم بالمقاييس الأميركية لزيارته كان في فتح خط الطيران المباشر بين إسرائيل والسعودية. هي خطوة حظيت بترحيب سائر القوى السياسية في واشنطن. الباقي ما زال حتى اللحظة في خانة الخسارة، أو على الأقل، خارج حساب الربح، وهذا كان آخر ما يريده بايدن في وضعه الحالي.