انهيار الليرة اللبنانية يدفع المحتجين إلى الشارع

02 مارس 2021
الاحتجاجات شهدت قطعاً للطرقات (حسين بيضون)
+ الخط -

بينما يمرّ الملف الحكومي في لبنان بفترةٍ من الجمودِ، يشهد سعر صرف الدولار في السوق السوداء حركة تصاعدية بوتيرةٍ سريعة، لامست، اليوم الثلاثاء، سقف عشرة آلاف ليرة لبنانية للمرّة الأولى منذ يوليو/ تموز الماضي، حين شهدت العملة الوطنية انهياراً غير مسبوقٍ.

هذا السيناريو بتداعياته على مختلف القطاعات، وترجمته غلاء فاحشا وتدهورا في قيمة الرواتب والأجور، وتقلص القدرة الشرائية عند المواطنين، لم يحرّك حتى الساعة المعنيين، سياسياً ومالياً، والموكلة إليهم مهمة تصريف الأعمال لوضع حدّ لتفلّت تجار العملة الذين يتصرفون بلا حسيب أو رقيب، ولم يحدث بعد أيّ خرقٍ "علني" لتسريع عملية تشكيل الحكومة، باعتبار أنّ غياب الاستقرار السياسي هو من أهم العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، كما أن وجود حكومة جديدة أصبح شرطاً دولياً مقروناً بجملة إصلاحات، لضخّ الدعم المالي القادر وحده على النهوض بالبلاد اقتصادياً.

وشهد عددٌ من المناطق اللبنانية اليوم، بقاعاً وشمالاً وفي العاصمة بيروت، قطعاً للطرقات احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار، والانهيار النقدي والمعيشي، وطالب المحتجون بسقوط الطبقة السياسية العاجزة عن إدارة الأزمة، والتي يرون أنها تمضي بالبلد إلى الانهيار الشامل.

وقال عددٌ من المحتجين في ساحة الشهداء، في العاصمة اللبنانية، أنّهم قطعوا مختلف المداخل والطرق المؤدية إلى بيروت، وهناك مجموعات على مساحة الوطن نزلت إلى الشارع للاحتجاج، حتى في مناطق محسوبة على أحزاب تقليدية، في البقاع وبعلبك والجنوب والشمال، لأنّ الجوع لا يستثني أحداً، والفقر طرق باب جميع المواطنين.

وأكد المحتجون أنهم لن يخرجوا من الطرقات، ويجب أن تشهد الأيام المقبلة تصعيداً يعيد الحشد إلى الساحات، في ظلّ الغلاء المعيشي المرشح للتحليق عالياً مع وصول الدولار إلى عشرة آلاف ليرة لبنانية، والتقنين القاسي في التيار الكهربائي، وانقطاع الأدوية، وزيادة أسعار المحروقات وتوابعها، وغيرها من الأزمات التي تحاصر اللبنانيين.

وفي وقتٍ لا تزال فيه الحركة الاحتجاجية في الشارع اللبناني خجولة مقارنة مع حجم الكارثة الاقتصادية والمعيشية، يشدد المدير التنفيذي لـ"مؤسسة سمير قصير" والناشط السياسي أيمن مهنا، في حديثه مع "العربي الجديد"، على أنّ "الصراع غير متكافئ بين الشعب والسلطة السياسية، باعتبارها لا تكترث لأي ضغطٍ شعبي، وهي دائماً مستعدّة للجوء إلى العنف، ولو أدى ذلك إلى سقوط ضحايا، ولا تلتفت حتى إلى الضغط الدولي، وتقارير المنظمات الحقوقية، التي تتحدث عن الانتهاكات الحاصلة في لبنان من الطبقة السياسية والأجهزة الأمنية بحق الناشطين السلميين، والصحافيين، وأصحاب الكلمة الحرّة، وتستكمل أسلوبها القمعي، والصدامات العنفية في التظاهرات، والتجارب كثيرة في ذلك، وهذا من أهم الأسباب التي تحول دون تكرار تحركات بحجم انتفاضة 17 أكتوبر، أو نزول الناس إلى الطرقات خوفاً من خسارة حياتهم".

ويقول مهنا إنّ "لبنان يعيش في ظلّ سلطة سياسية مستهترة جدّاً، مجرمة، منفصلة عن أبسط حقوق الناس، وكل ما له علاقة بالإدارة السليمة، ولا تهمها مصلحة الناس ومعيشتهم، أو حتى جريمة مرفأ بيروت، والاغتيالات السياسية، بل كلّ ما تركز عليه وتعمل من أجله هو كيفية تقاسم الحصص في مجلس الوزراء، وفي الدولة"، مشيراً إلى أنّ "الطبقة السياسية أثبتت عجزها وفشلها في مختلف الميادين، حتى صحياً، كانت إدارتها لملف فيروس كورونا كارثية، ومليئة بالشوائب والانتهاكات، والفضائح، وهي لا تقوم بأي إصلاح يقف بوجه ممارساتها وصفقاتها، علماً أنّه مطلب المجتمع الدولي لمنح أي دعم مالي للبنان".

ولا يزال الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري على موقفيهما، أقلّه علنياً، واللقاءات مقطوعة بينهما، فيما يؤكد مصدر مطلع على المشاورات الحكومية، لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك حركة اتصالات مكثفة منذ أيام على خطّ عون – الحريري، عبر وسطاء، لتقريب المسافة بين الرجلين، والوصول إلى تفاهم مشترك، أو تسوية ما من شأنها أن تساهم سريعاً في إزالة العراقيل، ومنها ما يطاول شكل الحكومة، حيث هناك بحث جدي في إيجاد صيغة مشتركة لعدد المقاعد الوزارية، ودراسة إمكانية دمج بعض الوزارات، في ظلّ حلحلة بسيطة لعقدة وزارة الداخلية، التي يمكن اعتبار التوافق حولها مقدّمة أساسية للإعلان عن ولادة حكومية في وقتٍ قريبٍ".

ويلفت المصدر إلى أن "هناك تقدماً ملحوظاً قد يترجم قريباً إذا ما طرأت عراقيل جديدة، ولكن أي اتفاق، إن حصل، سيكون استباقاً لأي لقاء سيعقد بين الرئيسين عون والحريري، في محاولة لتفادي تكرار سيناريو الجولات السابقة والأجواء السلبية التي تخرج عنها".

المساهمون