انقلاب بوركينا فاسو: فرصة أمام روسيا لمزاحمة فرنسا بأفريقيا

30 يناير 2022
مواطنون في العاصمة واغادوغو يرفعون علماً روسياً (لامبير ويدراوغو/الأناضول)
+ الخط -

بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في بوركينا فاسو، في 23 يناير/كانون الثاني الحالي، وإبعاد العسكريين للرئيس روش مارك كريستيان كابوري، وإعلان وصول "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة" بقيادة الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا إلى السلطة، تتجه الأنظار إلى واحدة من أفقر الدول الأفريقية وسط توقعات باحتدام التنافس بين القوى العالمية على ملء الفراغات السياسية والأمنية في بلدان القارة.

ومن اللافت أن ردود الأفعال العالمية على الانقلاب في بوركينا فاسو كانت محدودة جداً باستثناء إدانة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وسط صمت الدول الغربية، بما فيها فرنسا، على الرغم من أن قواتها كانت تقاتل أخيراً ضد المتشددين في هذا البلد الأفريقي.

ومع ذلك، لم تبقَ روسيا بمنأى عن أزمة بوركينا فاسو، معربة على لسان نائب رئيسة قسم الإعلام والصحافة بوزارة الخارجية الروسية، أليكسي زايتسيف، عن انطلاقها من "الموقف المبدئي الرافض للأعمال غير الدستورية لتغيير السلطة"، داعية إلى الإفراج الفوري عن كابوري وعودة البلاد إلى الحكم المدني.

روسيا أمام فرصة للرد على فرنسا 

وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بالماسوف، أن أزمة بوركينا فاسو تشكل لروسيا فرصة للرد على الموقف الفرنسي الداعم لأوكرانيا، متوقعاً توسعاً لأنشطة الشركات العسكرية الخاصة الروسية في أفريقيا.

وقال بالماسوف في حديث مع "العربي الجديد" إن "لمنطقة الساحل الأفريقي تأثيراً كبيراً في الأمن العالمي، ولكنها تشهد تزايداً لنشاط الإرهابيين على خلفية الانهيار النهائي لمنظومة السلطة الاستعمارية الفرنسية".

وتابع: "تتحمل فرنسا المسؤولية عن ذلك بسبب اعتمادها على حلف الأطلسي في القضايا الأمنية، إذ لم تعد قواتها كافية لأداء مهامها في أفريقيا، وقد سلّمت مالي والآن جاء دور على بوركينا فاسو لتركيز قواتها في النيجر المجاورة الثرية باليورانيوم".


أصبحت لدى روسيا فرصة لرش الملح على الجرح الفرنسي في أفريقيا 

وحول رؤيته للمكاسب التي قد تحققها روسيا جراء تراجع الدور الفرنسي في أفريقيا، رأى زايتسيف أن "فرنسا تتبنى موقفاً غير محايد حيال الأزمة الأوكرانية وترسل سفناً حربية إلى البحر الأسود على مقربة من المياه الإقليمية الروسية، والآن أصبحت لدى روسيا فرصة لرش الملح على الجرح الفرنسي في أفريقيا وتعزيز مواقعها في القارة السمراء".

وأضاف: "قبل عام فقط، كان من المستحيل حتى تخيّل وجود شركة فاغنر العسكرية الخاصة في مالي، والآن قد يتسع نشاطها ليشمل بوركينا فاسو ثم النيجر".

بدوره، لم يستبعد الخبير في شؤون الشركات العسكرية الخاصة، يفغيني بيرسينيف، توجه الشركات العسكرية الخاصة الروسية إلى بوركينا فاسو في ما يصفه بـ"الشراكة بين الدولة الروسية والقطاع الخاص".

وأشار في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أنه "على مدى آخر أربع أو خمس سنوات، بات يتبلور توجه واضح نحو تنامي وجود الشركات العسكرية الخاصة الروسية في أفريقيا، تحديداً شركة فاغنر التي تحولت فعلياً إلى نوع من الشراكة غير المسجلة قانوناً بين الدولة والقطاع الخاص. وفي حال حضورها إلى بوركينا فاسو، لن تختلف مهام فاغنر فيها عن البلدان الأفريقية الأخرى، مثل تدريب الكوادر الأمنية وحراسة المنشآت والشخصيات الهامة".

"فاغنر" إلى الواجهة

وحول العوائد الاقتصادية التي قد تجنيها "فاغنر" مقابل أعمالها في بلد فقير مثل بوركينا فاسو، كشف بيرسينيف: "لا تحصل الشركات العسكرية الخاصة على مقابل أتعابها نقداً دائماً، وإنما قد يكون في شكل أسهم في شركات محلية أو حصول شركات مرتبطة بها على حقوق الامتياز لاستثمار الثروات المعدنية للبلد المضيف. وليس من المستبعد أن يتم ذلك بصورة غير رسمية في ظل هيمنة اقتصاد الظل على الدول الأفريقية".

ومن مؤشرات اهتمام الشركات العسكرية الخاصة الروسية بوضع قدمها في بوركينا فاسو، نشر مدير "رابطة الضباط من أجل الأمن الدولي"، ألكسندر إيفانوف، خطاباً باللغة الفرنسية اقترح فيه على واغادوغو خدمات المدربين الروس، مستشهداً بتجربتهم في بناء الجيش في جمهورية أفريقيا الوسطى.

كذلك نشر مدير "صندوق حماية القيم الوطنية"، مكسيم شوغاليه، الذي سبق له أن اعتُقل في ليبيا، خطاباً مفتوحاً هو الآخر إلى داميبا، وصف فيه ما يجري بـ"اللحظة التاريخية"، معتبراً أن العسكريين وفروا للسكان السلميين فرصة في حياة أفضل وحل المشكلات الأمنية، ومستشهداً أيضاً بتجربة جمهورية أفريقيا الوسطى، في ظل تعاونها مع "فاغنر".


تستفيد "فاغنر" من الثروات الطبيعية للبلدان الأفريقية

مع العلم أنه ليس هناك كيان مسجل اسمه "فاغنر"، بل هي تسمية متداولة إعلامياً للإشارة إلى الخبراء والمدربين العسكريين والمرتزقة الروس المشاركين في المهام وأعمال القتال خارج روسيا، وربطت تقارير إعلامية متكررة "فاغنر" باسم رجل الأعمال المقرب من الكرملين، يفغيني بريغوجين، الملقب بـ"طباخ بوتين".

يذكر أن انقلاب بوركينا فاسو وقع بعد تظاهرات حاشدة اتهم المشاركون فيها الحكومة بالعجز عن التصدي للمتشددين، في ضوء مقتل ما لا يقل عن ألفي شخص على أيديهم في العام الماضي.

وتفاقم الغضب الشعبي بعد قيام المتشددين بعملية قتل جماعي جديدة بحق العسكريين والمدنيين شماليّ البلاد، فيما شكل التوقف عن توزيع المؤن ذريعة لاستياء العسكريين.