بات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تحت قفص الاتهام بخيانة الثورة السودانية وشرعنة الانقلاب، على إثر توقيعه، اليوم الأحد، على الاتفاق مع قائد الانقلاب العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
ومن خلال قراءة نصوص الاتفاق السياسي، يبدو أن حمدوك قدم عربون اعتراف بالانقلاب العسكري وقدّم له المبررات الكافية، إذ لم يصفه بالانقلاب، بل مجرد "إجراءات وقرارات اتخذها القائد العام للقوات المسلحة نتيجة فشل كل مبادرات احتواء الأزمة بين القوى السياسية، وأصبحت مهدداً لوحدة البلاد وأمنها واستقرارها". وحسب تقديرات الكثير من المراقبين، فإن ذلك يُعد التنازل الأول والأخطر، من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وما يؤخذ كذلك على حمدوك، توقيعه بنفسه على الاتفاق من دون الرجوع إلى تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو التحالف الذي رشّحه لمنصب رئيس الوزراء، ومضى في خطوة التقارب مع قائد الانقلاب رغم المواقف الرافضة للقوى والأحزاب الرئيسة في الحرية والتغيير والتي تجددت قبل وبعد التوقيع على الاتفاق السياسي.
كذلك جاء توقيع عبد الله حمدوك على الاتفاق السياسي مخالفاً لمطالب الشعب السوداني بعد الانقلاب الذي رفض ويرفض بشكل واضح التفاوض مع الانقلابيين أو الدخول معهم في شراكة أو منحهم شرعية جديدة بعد انقلابهم، وقد دفع الشعب السوداني ثمن رفض انقلاب البرهان حياة 40 شخصاً قتلتهم القوات الأمنية طوال الأربعة أسابيع الماضية.
ولم يكسب حمدوك في اتفاقه مع الانقلاب سوى الحفاظ على نفسه في السلطة رئيساً للوزراء، من دون النظر إلى مصير أعضاء حكومته، ولا أعضاء المجلس السيادي الانتقالي الذين تم إعفاؤهم من مناصبهم وتعيين مدنيين بدلاً منهم، كما لم يقرر اتفاق حمدوك مع البرهان في مصير قرارات أخرى اتخذها الأخير بعد الانقلاب؛ إعفاء سفراء ودبلوماسيين وموظفين بدرجات رفيعة سبق لحمدوك أن عيّنهم في الخدمة المدنية، بل منح مجلس السيادة الجديد بقيادة البرهان سلطة الإشراف على الأداء الحكومي.
وفي إشارة خجولة، تطرق اتفاق البرهان-حمدوك إلى التحقيق في حوادث القتل التي وقعت أثناء التظاهرات الرافضة للانقلاب وتقديم الجناة للمحاكمة، لكن لم يحدد النص أي أداة للتحقيق والمحاسبة، على عكس ما تم الاتفاق عليه في وقت سابق بعد فض اعتصام محيط القيادة العامة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق.
ولا يرى المحلل السياسي عبد الله رزق أن اتفاق حمدوك-البرهان سيمثل فرصة لحقن دماء السودانيين، لافتاً إلى أن "الشارع العريض الرافض متمسك بمطالبه بمدنية الحكم الكاملة ومحاكمة الانقلابيين وعدم الدخول معهم في شراكة جديدة، وأن تلك الرمزية سيفقدها بعد أن قال الشعب كلمته رفضاً للانقلاب".
وأوضح رزق لـ"العربي الجديد" أن رئيس الوزراء تجاهل مطالب الشارع، وانعزل نحو الاعتماد على الدعم الذي يجده من المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن الانقلابيين حرصوا على وجوده في السلطة لمخاطبة المجتمع الدولي وتلافي العقوبات التي يمكن أن تواجه الانقلاب في المستقبل.
وأكد رزق أن "خطوة حمدوك بعيدة تماماً من الواقع السياسي، ولا تتوافق حتى مع الخريطة الأميركية التي وُضعت للخروج من الأزمة، والتي اقترحت العودة الكاملة لحكومة حمدوك ورفع حالة الطوارئ، والالتزام بالوثيقة الدستورية وإطلاق سراح المعتقلين".
من جهته، نفى المسؤول القانوني في حزب المؤتمر السوداني، كمال الأمين، أن يكون عبد الله حمدوك قد خان الثورة، لافتاً إلى أنه "اتخذ قراره الأخير في ظل تعقيدات كبيرة، ولم يقدم تنازلات، بل أعاد العمل كلياً بالوثيقة الدستورية التي تعيد سلطة تحالف الحرية والتغيير كقوى حية من حقها اختيار حكومة التكنوقراط".
وأوضح الأمين أن تكوين أي حكومة بعيداً عن التحالف سيواجه بمشكلات دستورية، مشدداً على إجراء حوار موسع بين كل القوى السياسية للتوافق فيما تبقى من المرحلة الانتقالية.
من جهته، يرى المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين، حسن فاروق، أنه لا يوجد وصف غير "الخيانة" للتعبير عما قام به حمدوك، مشيراً إلى أنه تنكر لكل شعارات وأهداف الثورة وانقلب عليها بالكامل، واختار "جزءاً من فريق الخيانة وسيسقط معهم".
وأوضح فاروق لـ"العربي الجديد" أن "خيانة حمدوك لم تبدأ اليوم، بل منذ بداية حكمه، حيث غض النظر عن تعدي العسكريين على صلاحيات حكومته، وتدخلهم في الشؤون التنفيذية وفي السلام، وعدم استجابته في وقت سابق لصوت الشارع وتطلعاته، وظل يبيع الكلام للناس".
ورجح فاروق مشاركة حمدوك في سيناريو الانقلاب منذ وقوعه قبل أسابيع، مشدداً على أن "ما حدث اليوم هو إكمال للطبخة التي يقف خلفها المجتمع الدولي والإقليمي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإكمال ملفات التطبيع وتنفيذ سياسة البنك الدولي الاقتصادية وتنفيذ أجندات تلك القوى وتحقيق مصالحها".
وشدد فاروق على أن الشارع السوداني وضع عبد الله حمدوك "في مركب واحد مع البرهان وبقية الانقلابيين وسيسقطهم معاً، وسيثبت القراءة الخاطئة للغرب، الذي يعتقد أن عودة حمدوك فيها إنهاء للأزمة وتهدئة للشوارع".