انقسام دنماركي حول تمرير قانون يحظر حرق نسخ من القرآن

انقسام دنماركي حول تمرير قانون يحظر حرق نسخ من القرآن

01 اغسطس 2023
راسموسن (وسط) ووزيرا العدل والدفاع بعد إحاطة من البرلمان حول حرق القرآن (أسوشييتد برس)
+ الخط -

تواجه كوبنهاغن معضلة سياسية، مع محاولة حكومتها الائتلافية بين يسار ويمين الوسط تأمين أغلبية لتشريع يحظر حرق نسخ من القرآن الكريم.

وبينما تغيب رئيسة الحكومة ميتا فريدركسن (يسار وسط) عن المشهد، تاركة تصدره لوزير خارجيتها لارس لوكا راسموسن، وبعض الوزراء من حزبها الاجتماعي الديمقراطي، كوزيري الدفاع والعدل، بدأت تتضح مواقف معارضة للتشريع من أحزاب من اليسار واليمين، بعد اجتماع لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان أمس الاثنين.

ومع أن حكومة فريدركسن يمكنها تمرير قانون حظر الحرق بأغلبية ضئيلة، تشير الأحزاب الأخرى إلى أن ذلك سيؤدي إلى "انقسام سياسي وشعبي خطير".

وتتفق الأحزاب المعارضة في رفض تمرير التشريع، غير أنها ليست كلها مؤيدة لتصرف الحرق في حد ذاته.

واعتبر حزب "الشعب الدنماركي" اليميني المتشدد أن الحرق "جزء من حرية التعبير عن مواقف ناقدة للأديان"، فيما يذهب اليسار الدنماركي، مثل "حزب الشعب الاشتراكي"، إلى معارضة أي تشريع باعتبار أن المسألة تتعلق بـ"رفض الإملاءات من أنظمة غير ديمقراطية مع شعوبها"، كما عبرت زعيمة الحزب بيا أولسن دور. وتلك المواقف المتشددة اليسارية واليمينية تعبّر أيضا عن معضلة حزبية في المعسكرين.

وعادة ما يؤيد المحافظون والشعبويون سياسات تصادمية مع الإسلام، تحت عنوان "الدفاع عن القيم وحرية التعبير"، منذ انتهاجهم في 2014 سياسات متشددة تحت شعار "مكافحة النازية الإسلاموية"، بعد انخراط الدنمارك في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش".

واعتبرت مقررة الشؤون الخارجية في حزب المحافظين، هيلي بونسن، أن ما تطرحه الحكومة "كتابة تاريخ يمسّ بالحق الدستوري المكفول لإبداء الرأي والتعبير بحرية".

ويبدو في المقابل أن اليسار الدنماركي، وخصوصا "الشعب الاشتراكي" و"اللائحة الموحدة"، يحاول الموازنة بين رفض المساس بمواطنيهم من أصول مسلمة، و"التعرض لجوهر ديمقراطيتنا"، كما صرح مقرر الشؤون الخارجية في "الاشتراكي"، كارستن هونغ، صباح الثلاثاء.

واعتبر هونغ أن فرض تشريع جديد "يعتبر مساً بالحمض النووي الذي يقوم عليه مجتمعنا الديمقراطي". ويتفق بذلك "الاشتراكي" مع "المحافظين" واليمين القومي المتشدد.

من جهته، حذر ممثل حزب "الشعب الدنماركي"، اليميني القومي المتشدد، أندرس فيستيزن، من العودة إلى قانون عقوبات "التجديف"، الذي أُلغي في العام 2017. وعبّر فيستيزن عن سعادته بمواقف اليسار المؤيدة لمواقف حزبه.

وفي الاتجاه ذاته، ذهبت وزيرة الهجرة السابقة المتشددة في حكومات يمين الوسط السابقة، إنغا ستويبرغ، والتي أسست حزبها الخاص "ديمقراطيو الدنمارك" (تقليد لنسخة سويدية "ديمقراطيو السويد" في التسمية) بعدما حاكمتها محكمة دستورية بانتهاك آليات عمل وزارتها بفصل بعض الأزواج من اللاجئين السوريين عن بعضهم بدون سند قانوني.

وقالت ستويبرغ إن ما يجري "أمر مخزٍ"، فيما اعتبر حزبها أن التغييرات المقترحة "هي بمثابة مسّ بأسس المجتمع الدنماركي".

على الطرف الآخر، انفرد حزب "البديل"، من معسكر اليسار، بموقف مؤيد لحظر حرق نسخ من القرآن، معتبراً التصرف "سخرية وتنمرا" بحق المواطنين الدنماركيين المسلمين.

وقال الحزب إن قوننة الحظر "لا تعني أبدا المسّ بحرية التعبير". بينما بقي حزب "اللائحة الموحدة"، اليساري أيضا، يتحرك على حبل مشدود بين رفضه الاستفزازات التي تقدم عليها "حفنة" بحرق نسخ من المصحف، ورفض تشريع يحظر تلك الاستفزازات.

حظر الحرق "ضرورة" للمصالح والأمن

وأمس الاثنين، حاول وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن، مدعوماً من وزيري الدفاع والعدل، إقناع ممثلي الأحزاب بأن استمرار الحرق "يضر بمصالح الدنمارك وأمن مواطنيها".

وفي الجلسة المغلقة، استحضر راسموسن الحرب في أوكرانيا وحاجة الغرب لمواقف خارجية متفهمة في مواجهة روسيا، وسانده في ذلك مندوب الدنمارك في الأمم المتحدة مارتن بيللا هيرمان، الذي حذر من "استغلال موسكو للأزمة من أجل عزل الغرب والدنمارك".

ويذهب راسموسن، ومعسكر من الخبراء، ومسؤولون أمنيون سابقون، مثل الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات (بيت) أثناء أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد في 2005، هانس يورغن بونيكسن، إلى اعتبار أن المصالح الغربية تتطلب مواجهة الأزمة الحالية بطريقة مختلفة عن أزمتي رسوم 2005 و2008.

ويدعم ساسة سابقون التوجه نحو حظر حرق نسخ من المصحف، بينهم وزيرا الخارجية الأسبقان موينز لوكاتوفت (يسار وسط)، وبيير ستي موللر (يمين وسط).

ويبدو أن نتائج اجتماع منظمة التعاون الإسلامي أعطت فرصة ودفعاً للسياسيين من أجل المضي نحو إيجاد مخارج، قبل أن تتدحرج الأزمة أكثر وتنفلت، مع توالي طلبات حرق نسخ من المصحف من قبل أفراد وجماعات يمينية متطرفة.

وفي السياق، توعد زعيم حزب "سترام كورس"، راسموس بالودان، بالمزيد من الفعاليات، وبأنه لن يلتزم بأي حظر لاستهداف المصحف.

وبالودان هو أول من أدخل فعاليات الحرق إلى هذا البلد منذ 2019، وانتقل بها إلى السويد، حيث تعيش الأخيرة ذات مأزق الدنمارك، وخصوصا مع حاجتها إلى علاقات دبلوماسية أفضل مع تركيا لتمرير عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتتنوع مقترحات الحظر التي يطرحها خبراء في وزارة العدل الدنماركية، لتمريرها أمام المشرعين، ما بين الاستفادة من آراء أساتذة القانون الذين يقترح بعضهم الحظر على أساس قانون عقوبات "التخريب"، ودعوة آخرين إلى تبني سياسات فرنسية وأوروبية تحظر المساس بالكتب المقدسة، باعتبار ذلك مساً بالأقليات.

وفيما تتواصل مساعي الطبقة السياسية للتوصل إلى حظر سريع، فإن أحد المخارج المطروحة يعتبر أن "حرق القرآن هو تعبير عن التنمر والتمييز" ضد فئات اجتماعية (المسلمين).

من جهة أخرى، اعتبر وزير العدل الدنماركي، بيتر هملغورد، أن "حرق المصحف يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على البلد وعلى الدول الصديقة (في أوروبا)، بالإضافة إلى التحديات الأمنية"، مبيناً أن النقاشات في وزارته تدور حول "إجراءات خاصة لوقف حالات إهانة البلدان والثقافات والأديان الأخرى، ذات العواقب السلبية على الدنمارك".

وأمام هذا المشهد المعقد، تسابق السياسات الدنماركية والسويدية الزمن لوقف تدهور العلاقات مع العالم الإسلامي، الذي يصفه راسموسن "قطبا لا بد من التعاون معه". وهذا السباق مرده أيضا توعّد بعض الأفراد والجماعات بـ"تحركات أخرى"، تشمل مقترحات علنية لا تستهدف فقط القرآن، بل صنع مجسمات لشخصيات مركزية في الإسلام، كالنبي محمد، وحرقها، ما ينذر بأزمات أكبر.

المساهمون