انفجار مرفأ بيروت... تجاوزات بالجملة في كف يد المحقق العدلي وتحرك لمواجهته

05 نوفمبر 2021
أهالي ضحايا الانفجار يتمسكون بالمتابعة القضائية (حسين بيضون)
+ الخط -

سادت الدوائر القانونية في لبنان أمس الخميس، بلبلة كبيرة مع نشر موقع "أن بي أن" التابع لـ"حركة أمل" (برئاسة نبيه بري) معلومات عن إصدار محكمة الاستئناف في بيروت قرارا بكفِّ يد المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عن متابعة التحقيق في الملف.
وجاء ذلك استجابة لدعوى تقدّم بها الوزير السابق يوسف فنيانوس، قبل أن يتبيَّنَ أنَّ "التوقيفَ" مؤقتٌ، ومن ثم خرجت سريعاً تحذيرات خبراء قانونيين من التجاوزات والمغالطات والفضائح المرتكبة من قبل القاضي حبيب مزهر، الذي أصدر القرار.

وقال المحامي فاروق المغربي لـ"العربي الجديد" إن "ورشة عمل قام بها المحامون المتابعون للملف منذ أمس لمعرفة ماذا حدث وكيف حصل ذلك، باعتبار أن مزهر لا يحق له النظر بالطلب والبتّ به، ليتبيّن أنه اعتدى على الملف 69 بهدف عرقلة التحقيق".
وأوضح المغربي "تقدم وكلاء المدعى عليه يوسف فنيانوس بدايةً بطلبٍ لرد القاضي البيطار أمام الغرفة 12 من محكمة الاستئناف التي يرأسها القاضي نسيب إيليا حمل الرقم 69، ومن ثم تقدموا بطلبٍ لردّ القاضي إيليا الناظر بطلبات الردّ المقدمة بوجه المحقق العدلي وقد حمل الرقم 72، وقد تمّت تنحية إيليا عن الملف، عندها عيّنت الغرفة 15 القاضي مزهر للبتّ بطلب الردّ بموضوع القاضي إيليا".
وتابع "أتى القاضي مزهر وضمّ الملف 69 إلى الـ72 بطريقة غير قانونية، فهو لا يحق له النظرّ بطلب ردّ البيطار، كون القاضي إيليا ينظر به رغم أنه طلب التنحي عندما قدّم إليه ورفضت الغرفة 15 ذلك وطلبت منه استكمال النظر بالطلب، وبالتالي عمد مزهر من تلقاء نفسه من دون أن تكلفه المحكمة بذلك بالنظر بالطلب 69، واتخذ قراراً بكف يد المحقق العدلي، لا بل طالبه كذلك بتسليمه كلّ الأوراق والملفات المتصلة بالتحقيق".
وشدد المغربي على أن "القاضي مزهر اعتدى على الملف 69، ويحتوي قراره غير القانوني على الكثير من المغالطات، فهو أولاً غير مكلف إلّا بالبت بطلب الردّ الموجّه من جانب وكلاء فنيانوس ضد القاضي إيليا والغرفة بأكملها تقرر وليس وحده، كذلك قام بتبليغ البيطار بالملف 69 من تلقاء نفسه متجاوزاً حدود مهامه وصلاحياته بهدف عرقلة التحقيق".
وأكد المغربي أنه "نحن كوكلاء عن الجهات المدعية في انفجار مرفأ بيروت تقدّمنا بطلبٍ لفصل الملفين، أي 69 و72، أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله، ونتوقع أن ينظر به يوم الاثنين المقبل واتخاذ القرار بشأنه، ونحن متفائلون نظراً لحجم الاعتداء الواضح والصريح على القانون الذي ارتكب للأسف من قبل قاض، وهو أيضاً عضو في مجلس القضاء الأعلى، ونحن مستمرّون حتى النهاية ولن نترك أي محاولة لتطيير التحقيقات تمرّ".

من جهته، قال المحامي علي عباس لـ"العربي الجديد" إن "قرار القاضي مزهر خطير جداً، وأخطر ما فيه أولاً أنه طلب تسليمه كامل ملف التحقيق، أي آلاف المستندات والأوراق ويقيم من خلالها قائمة مفردات، وستكون بمتناول أكثر من طرفٍ في ضرب صريح لسرية التحقيق بطريقة قد تهدد أيضاً حياة الكثير من الشهود الذين قد يكون استمع إليهم المحقق العدلي، ولم تنكشف هوياتهم، وذلك في حال كانت شهاداتهم تفضح المنظومة السياسية".

تجميد التحقيق
كذلك طلب مزهر قائمة بجميع أسماء المدعين والمدعى عليهم وأطراف الدعوى، بهدف إبلاغهم و"هذه إجراءات يتطلب البت بها مساراً طويلاً، أي تمييع ومماطلة تطير التحقيقات إلى أجلٍ بعيدٍ"، على حدّ تعبير عباس، الذي لفت أيضاً إلى تجاوز إضافي ارتكبه القاضي مزهر، ويتمثل بإعطاء القاضي البيطار الأمر بكف اليد والتوقف عن النظر بالملف، علماً أن القاضي بمجرد تبلغه طلب رده يتوقف تلقائياً عن النظر بالتحقيق.

هذه التجاوزات وغيرها الكثير الواردة في قرار مزهر، وفق ما يقول عباس "لا تهدف إلا إلى تجميد التحقيق، وتبعاً للتجارب الكثيرة لا نستبعد أن يكون هناك أوراق تلعب على الطاولة كفرض معادلات منها ما حصل، أحداث الطيونة مقابل انفجار المرفأ، واليوم ربما استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي مقابل إزاحة البيطار، فهذه المنظومة لا تعمل إلا بالصفقات والتسويات، من دون أن ننسى مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي التي لم يكشف عنها، ولكنها لم تفعل فعلها كما الظاهر".
وتساءل عباس "ما إذا كان تصرّف القاضي مزهر فرديا ومن تلقاء نفسه أم طُلِبَ منه ذلك، باعتبار أن ما قام به جرم تزوير إلى جانب كونه محسوبا على الرئيس بري الذي عيّنه قبل أيام عضواً في مجلس القضاء الأعلى، عدا عن أنه كان هجومياً على القاضي البيطار عندما استدعاه المجلس للاستماع إليه، ومعروف موقفه ضدّه وهذا تلقائياً يجب أن يبعده عن النظر في دعوى ردّ البيطار".

وقالت منظمة "المفكرة القانونية" إن الغرفة برئاسة إيليا كانت رفضت طلبات الرد السابقة المقدمة من المدعى عليهم الوزراء السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق لعدم الاختصاص، وفي حين منع إيليا الوزراء السابقين من عرقلة التحقيق بطرق غير قانونية، ذهب مزهر في الاتجاه المعاكس لتعليق التحقيق وإغراقه في سلسلة تبليغات، متذرّعاً بمبدأ "النزاعية" خلافاً لمبدأ "حسن سير العدالة".

وأشارت "المفكرة"، التي تعنى بمتابعة الشأن القانوني إلى أن "مزهر عُيّن مؤخراً عضواً في مجلس القضاء الأعلى بعد تشاور وزير العدل (هنري خوري) مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقد برز اسمه بين الأعضاء الأكثر إصراراً للاستماع إلى البيطار في المجلس، مما يوحي بوجود رأي مسبق لديه".

ومنذ الأمس، تشنّ حملة واسعة عبر "تويتر" على القاضي مزهر تحت وسم "#حبيب_القتلة" الذي قرّر "أن يكون النترات القضائية التي ستفجر العدالة"، وفق ما يقول المغردون في إشارة إلى نترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.

المساهمون