تصب المصالحة الخليجية في صالح القمة العربية المقررة في الجزائر هذا العام. ومن شأن هذه المصالحة أن توفر ظروفاً ومعطيات أفضل للقمة المقبلة، لم تكن لتتوفر لولا حدوث اختراق هام في جدار الأزمة بين دول الخليج، وإنهاء تداعياتها الإقليمية والعربية.
"رب ضارة نافعة"، يصدق ذلك على القمة العربية في الجزائر التي تم تأجيلها منذ مارس/آذار 2020، بسبب أزمة وباء كورونا الطارئة، التي عمت العالم والدول العربية حينها، والتي فرضت حينها حالة من الحجر والانشغال بالوضع. لكن ذلك التأجيل، وبغض النظر عن أن دوافعه صحية وليست سياسية، فإنه أتاح الإمكانية والوقت للجهود الكويتية والأميركية، التي ترافقت مع متغيرات إقليمية ودولية، لتحقيق تغيير في العلاقات الخليجية-الخليجية من جهة، ومنح الجزائر فرصة لتحضير أفضل لهذه القمة، وفي ظروف إيجابية، أفضل بكثير من تلك التي كانت تسود العلاقات في منطقة الخليج والعالم العربي بشكل عام، من جهة أخرى.
القمة العربية في الجزائر كان يمكن أن تنتهي إلى الإخفاق لو عقدت في مارس الماضي
وكان الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط قد أعلن، من الجزائر بعد لقائه الرئيس عبد المجيد تبون نهاية فبراير/شباط 2020، الاتفاق على تأجيل موعد القمة، التي كانت مقررة في 30 مارس/آذار الماضي، بسبب فيروس كورونا. وحدد تاريخاً لانعقادها قبل 30 يونيو/حزيران 2020، لكن المتحدث باسم الرئاسة الجزائرية محند السعيد أوبلعيد، أعلن في يونيو مجدداً عن تأجيل ثانٍ للقمة العربية، بسبب استمرار الأزمة الوبائية وانتشار كورونا، من دون تحديد موعد جديد للقمة.
ويسود الاعتقاد أن القمة العربية في الجزائر كان يمكن أن تنتهي إلى الإخفاق، وبلا مخرجات جادة، ناهيك عن مستوى ضعيف من الحضور العربي، لو انعقدت في توقيتها المحدد في مارس الماضي، حين كانت الأزمة الخليجية في تلك الفترة ما تزال في سياق الصدام السياسي، والخلافات قائمة بين أطرافها، إضافة إلى ما أفرزته من محاور واصطفاف داخل البيت العربي. لكن المصالحة الخليجية الأخيرة في منطقة العلا السعودية، وفق ما يقول دبلوماسيون جزائريون، لـ"العربي الجديد"، تُنتج متغيرات مهمة بالنسبة للقمة العربية، وتجعل الطريق سالكاً أمام الجزائر، المستضيف للقمة، وأمام الأمانة العامة للجامعة العربية، لإعادة تجديد التنسيق بشأن التحضير لعقد قمة ناجحة على مستويات كثيرة، تكون إطاراً لتعزيز المصالحات العربية. ويحضر خصوصاً ملف سورية، والحديث عن إمكان إعادة مقعدها في الجامعة العربية لنظام بشار الأسد، وكذلك الدفع باتجاه حلحلة خلافات عالقة، على غرار الخلاف الجزائري المغربي، وإعادة توجيه الجهود العربية نحو تحقيق مزيد من المصالحات الداخلية في دول عربية تعيش صراعات داخلية، كاليمن وليبيا، بعدما أثرت سياسات وخلافات المحاور بشكل بالغ على الحرب، وضرب جهود استعادة السلام في هذين البلدين، إضافة إلى ملف القضية الفلسطينية، وجملة من التحديات التي تواجهها المنطقة العربية.
وتُجمع تحليلات وقراءات سياسية على أن المصالحة الخليجية، بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين، ومصر أيضاً، ونزع خيوط الخلاف، من شأنها أن تسهم في نجاح قمة الجزائر، سواء على مستوى الملفات والمواضيع التي تطرح للنقاش في القمة، أو على صعيد حضور رفيع ممكن للقادة العرب إلى الجزائر، لمزيد من تكريس المصالحات العربية-العربية. لا سيما أن الجزائر حافظت على علاقات طيبة مع كل الدول العربية، بما فيها أطراف الأزمة الخليجية في حينها. وحثت هذه الأطراف بشكل مستمر على الحوار لحل الخلافات.
يجد تبون في انعقاد القمة العربية فرصة مناسبة لحضور سياسي عربي وإقليمي
وفي السياق، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر حيدور حاج بشير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجزائر ستنظر إلى هذا التقارب في أروقة القمة على أساس نصر لرؤيتها، لأنها لم تنجر إلى أي طرف وطالبت بإنهاء الفرقة. وأضاف أن هذه الخطوة التقاربية قد توفر ظروفاً إيجابية للقمة بشكل عام، لكنها لا تنهي مجمل الإكراهات الممكنة في القمة العربية. واعتبر أنه من السابق لأوانه رفع سقف التوقعات الإيجابية للقمة المقبلة، خصوصاً في ظل دخول عامل آخر، وهو مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وانخرطت فيه دول عربية عدة.
على صعيد آخر، وكما استفاد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة من انعقاد القمة الأفريقية، خلال العام الأول لتسلمه السلطة سنة 1999، كمنصة لتثبيت حضوره الإقليمي، يجد الرئيس الجديد عبد المجيد تبون في انعقاد القمة العربية بعد بضعة أشهر من إكماله العام الأول لتسلمه السلطة، فرصة مناسبة لحضور سياسي عربي وإقليمي. وتسهّل المصالحة الخليجية مهمته بشكل لافت في هذا السياق، خصوصاً إذا نجحت الدبلوماسية الجزائرية في توظيف الثقل السياسي والتاريخي للبلاد وعلاقاتها المتوازنة، ونشطت في تحضير جيد للقمة وملفاتها، بما يجعل من القمة العربية في الجزائر قمة قرارات وخطوات مهمة. يُذكر أن الجزائر استعادت في يوليو/تموز الماضي منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، بعد ثلاث سنوات من وفاة مساعد الأمين العام السابق الجزائري أحمد بن حلي، إذ تسلم وزير الاتصال الجزائري السابق حسان رابحي منصبه في القاهرة بصفته أميناً عاماً مساعداً، من قِبل أبو الغيط.