على الرغم من إعلان الهدنة في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان بوساطة روسية منذ يوم السبت الماضي، تواصل يريفان وباكو تبادل الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، وسط عجز موسكو عن الضغط على أي من طرفي الأزمة نظراً للمصالح الكبرى التي تربطها مع كل منهما، وكذلك مع تركيا التي تعد الداعم الرئيسي لأذربيجان.
وفي الوقت الذي تتهم فيه وزارة الدفاع الأذربيجانية أرمينيا بـ"انتهاك صارخ لاتفاق الهدنة الإنسانية وشنّ قصف على بعض المناطق"، تنفي يريفان ذلك، متهمة بدورها باكو بـ"التقدم على الاتجاهات كافة تقريباً وتمهيد الأرضية لأعمال عدوانية ضدّ بلدات سكنية".
في السياق، يقرّ الخبير في مركز دراسات القوقاز وآسيا الوسطى بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أريشيف، بهشاشة الهدنة، وسط فشل الجهود الدولية في تحقيق النتائج المرجوة لناحية وقف إطلاق النار وإيجاد حلّ للنزاع، معتبراً في الوقت نفسه أنّ نزاع كاراباخ لا حلّ عسكرياً له على المدى البعيد. ويقول أريشيف في حديث مع "العربي الجديد": "الهدنة التي تم التوصّل إليها ليست صامدة. ومن الواضح تماماً أنّ أذربيجان التي سبقت بأعمال القتال، تسعى لتثبيت مواقعها في الأراضي التي سيطرت عليها. في الواقع، أصبحت السلطات الأذربيجانية رهينة لتصريحاتها الحازمة".
أريشيف: لا تستطيع روسيا دعم أي من الطرفين علناً بسبب علاقاتها الوطيدة مع كليهما
وفي معرض حديثه عن التباين في مواقف اللاعبين الخارجيين الرئيسيين؛ روسيا وتركيا، يلفت أريشيف إلى أنّ "موسكو لا يمكنها، على عكس أنقرة، الانحياز صراحة لطرف على حساب آخر بسبب العلاقات الوطيدة التي تربطها مع أرمينيا وأذربيجان على حد سواء". ويضيف: "من الواضح أنّ أذربيجان كانت تستعد لأعمال القتال منذ فترة طويلة، وأنّ جزءاً من المعدات العسكرية التركية بقي على أراضيها بعد التدريبات المشتركة في الصيف الماضي". ويتابع: "تعتبر القيادة التركية نفسها عاملاً لا يمكن من دونه تسوية أي مسألة في أوراسيا وحتى في شمال أفريقيا. في المقابل، لا تستطيع روسيا دعم أي من الطرفين علناً بسبب علاقاتها الوطيدة مع كليهما، والمصالح الاقتصادية مع تركيا التي ترفع سقف الرهان في كاراباخ".
وحول الخيارات القائمة أمام موسكو لتهدئة الوضع في كاراباخ، يوضح أريشيف: "تقوم روسيا بكل ما في وسعها لتحويل الوضع إلى سكة الحوار السياسي وتجميد النزاع، وتُجري محادثات مكثفة مع تركيا، بما في ذلك بين وزيري دفاع البلدين، ليضاف كاراباخ كمحور جديد للتنسيق الروسي التركي بعد سورية وليبيا".
ومع ذلك، يرجح الباحث الروسي ألا يعود الوضع في كاراباخ إلى ما كان عليه قبل اندلاع أعمال القتال، مؤكداً في الوقت نفسه أنه "لا حلّ عسكريا للقضية، بل سيتم التوصل، طال الزمن أم قصر، إلى وضع راهن جديد ستنطلق منه المحادثات السياسية".
بدوره، يرى رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة "بليخانوف" الاقتصادية الروسية بموسكو، أندريه كوشكين، أنّ "ما يجري في كاراباخ أمر مؤسف بالنسبة إلى روسيا، في ظلّ قربها الجغرافي واحتضانها جاليتين أرمينية وأذربيجانية كبيرتين لا يقل تعداد كل منهما عن مليونين". ويقول كوشكين في حديث مع "العربي الجديد": "الحرب في كاراباخ أمر مؤسف، لأننا جميعاً خرجنا من بلد واحد؛ الاتحاد السوفييتي، كما أنها تجري جغرافياً بالقرب من حدودنا. وعلى الرغم من أنّ جذور النزاع تعود إلى ما قبل أكثر من قرن، إلا أنّ الجيش الأحمر، تمكن منذ العشرينيات من القرن الماضي من ردعه، ولم يعد إلى الواجهة إلا في عام 1989، ولكن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لم تتمكن من تسويته لاحقاً".
وعلى الرغم من أنّ هذا ليس أول تصعيد من نوعه يشهده كاراباخ منذ تجميد النزاع قبل أكثر من ربع قرن، يلفت الباحث الروسي إلى اختلافه عن غيره "بسبب تغير الموقف التركي"، مضيفاً: "في أبريل/نيسان 2016، استمر التصعيد لأربعة أيام فقط مقابل أكثر من أسبوعين الآن، مما يدل على أنه تتم تغذيته من الخارج وسط إصرار تركيا على الحل العسكري للنزاع".
كوشكين: النزاع تتم تغذيته من الخارج
ومن مؤشرات تزايد الدور التركي في نزاع كاراباخ مقابل انحسار الدور الروسي، تأكيد الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، على ضرورة أداء تركيا دوراً هاماً في تسوية النزاع، واصفاً في حوار مع قناة "أر بي كا" الروسية أخيراً الدور التركي بأنه "إيجابي بامتياز".
في المقابل، أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في حوار مع التلفزيون الرسمي الروسي، في وقت سابق، "وفاء موسكو بالتزاماتها أمام أرمينيا في إطار معاهدة الأمن الجماعي"، مذكراً بأنّ "أعمال القتال تجرى خارج الأراضي الأرمينية، مما لا يقتضي رداً جماعياً من الدول الأعضاء في المنظمة"، إلا أن تطور الأحداث وبدء توسع القتال ليشمل داخل الأراضي الأرمينية يمهدان على الأرجح لتبدل في الموقف الروسي.
وكثفت روسيا جهودها الدبلوماسية في الأيام الأخيرة، مما توّج باستضافة موسكو محادثات مكثفة بين وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان بمشاركة نظيريهما الروسي، سيرغي لافروف، أسفرت عن التوصل إلى اتفاق تطبيق الهدنة الإنسانية اعتباراً من 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. إلا أنّ الطرفين سارعا لتبادل الاتهامات بخرق هذه الهدنة.
يذكر أنّ الإقليم الواقع في أذربيجان والذي تقطنه أغلبية أرمينية، شهد منذ 27 سبتمبر/أيلول الماضي، مواجهات مسلحة بين يريفان وباكو جرت باستخدام سلاح المدفعية والطيران والدبابات، وسط تعرض بلدات سكنية للقصف وسقوط قتلى بين العسكريين والمدنيين على حد سواء.