انتهاكات "قسد" تعود إلى الواجهة شمال شرقي سورية

18 يونيو 2024
مسلحون من "قسد" بدير الزور، سبتمبر 2023 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اتهامات لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بالانتهاكات ضد المدنيين في شمال شرقي سورية تشمل الإخفاء القسري، القتل تحت التعذيب، والتجنيد الإجباري للقاصرين، مع تصاعد الغضب الشعبي خاصة بعد قتل الشاب علاء المحمد الميزر.
- حادثة قتل علاء المحمد الميزر تحت التعذيب بعد اعتقاله من قبل "قسد" أثارت استياءً واسعًا ودعوات للتحرك ضد القوات، وسط نفي "قسد" لضلوعها في الجريمة.
- التقارير والشبكة السورية لحقوق الإنسان توثق انتهاكات "قسد" المستمرة ضد المدنيين، بما في ذلك القتل تحت التعذيب والاعتقال القسري، مما يعكس نمطًا من العنف الممنهج ضد المدنيين في مناطق سيطرتها.

عاد ملف انتهاكات "قسد" ضد المدنيين في مناطق سيطرتها، شمال شرقي سورية، إلى الواجهة مجدداً، وسط اتهامات لقوات سوريا الديمقراطية بالإخفاء القسري والقتل تحت التعذيب، إضافة إلى اعتداءات ضد الجهات السياسية الناشطة في مناطقها، من شخصيات ومقار، وعمليات التجنيد الإجباري، وتجنيد القاصرين. وقد زادت انتهاكات "قسد" في شمال شرقي سورية أخيراً.

واتهم نشطاء وأهالٍ في محافظة دير الزور وريفها، شرقي سورية، "قسد" باعتقال شاب من أبناء المحافظة وقتله تحت التعذيب، ثم التمثيل بجثته قبل إعادتها إلى ذويه، ليل الجمعة الماضي، وهو ما جعل النقمة كبيرة في صفوف الأهالي على "قسد" في المنطقة، وفتح الباب أمام ظهور حراك جديد ضدها، من دون التكهن بماهية شكله ومداه. وسلّمت "قسد" جثة الشاب علاء المحمد الميزر وعليها آثار تعذيب وتشريح، بعد أن كانت قد اعتقلته خلال مشاجرة عشائرية في بلدته ذبيان بريف دير الزور الشرقي، ضمن مناطق نفوذ قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، شرقي سورية.

وقال الناشط الإعلامي جميل العكيدي، وهو مدير منصة العكيدات نيوز (المهتمة بأخبار محافظة دير الزور وريفها)، لـ"العربي الجديد"، إن اعتقال الشاب جاء على خلفية مشاجرة بينه وبين أحد جيرانه، وتم اقتياده إلى مقر عسكري لـ"قسد" في قاعدة حقل العمر (النفطي) التي توجد فيها قاعدة عسكرية لقوات التحالف الدولي. وشدد العكيدي على أن علاء الميزر تعرض للتعذيب ساعات طويلة وتم تسليم جثته لذويه، مساء الجمعة الماضي، وتظهر عليها آثار التعذيب، إضافة إلى ظهور آثار التشريح على الجثة، الأمر الذي يُرجح سرقة أعضاء من الجثة، لافتاً إلى أن الميزر مدني ولا ينتمي لأي جهة عسكرية أو سياسية.

نفى قيادي في "قسد" ضلوع قوات سوريا الديمقراطية بجريمة قتل الميزر

من جهة أخرى، زودت منصة العكيدات نيوز "العربي الجديد" بتسجيل صوتي لأحد أقارب الميزر يدعى أبو كمال، يشير فيه إلى أنه قبل ثلاثة أيام استنفرت مجموعات "قسد" في منطقتي ذبيان والشحيل، شرقي دير الزور، تزامناً مع حملة اعتقالات نفذتها هناك مستهدفة شباناً من أبناء المنطقة. وأشار إلى أنه فجر الجمعة الماضي داهمت مجموعات حي اللطوة في بلدة ذبيان أثناء مشاجرة عائلية هناك، وبدأت باعتقال شبان والسطو على منازل المدنيين، وأثناء محاولة علاء الميزر الفرار من المجموعات خوفاً من الاعتقال تم إطلاق النار عليه وإصابته، واقتادته حياً إلى نقطة لـ"قسد" في حقل العمر النفطي الذي توجد بداخله قاعدة للتحالف الدولي، ثم سُلِّم من هناك ميتاً، وقد استُئصِل كبده وكليتاه وقلبه ورئتاه وأعضاؤه التناسلية. ولفت أبو كمال إلى أن الشاب مدني وليس له علاقة بأي فصيل أو تجمع عسكري ويعمل مهندساً، وكانت "قسد" قد عرضت عليه العمل في حقل العمر النفطي قبل أيام لكنه رفض.

"قسد" اعتقلت الشاب وقتلته

وأكد الناشط جاسم العلاوي، المقيم في دير الزور، هذه الرواية لـ"العربي الجديد"، مبيناً أن مجموعات "قسد" هي التي اعتقلت الشاب وهي التي سلمته إلى ذويه بعد قتله. وأشار نشطاء في دير الزور، في أحاديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات "قسد" سلّمت، يوم الأحد ما قبل الماضي، جثمان الشاب علاء الدغمش، وذلك بعد اعتقال دام قرابة عشر ساعات، وظهرت على جسده آثار التعذيب والتشريح، موضحاً أنّ الدغمش اعتقل في بلدة درنج، شرقي محافظة دير الزور، من دون معرفة أسباب اعتقاله أو التهم الموجهة إليه.

لكن الناشط عمر البوكمالي، وهو أحد أبناء المنطقة الشرقية في سورية، استبعد في حديث مع "العربي الجديد"، أن تلجأ "قسد" لمسألة الاتجار بالأعضاء بعد عمليات الاعتقال أو القتل تحت التعذيب، لافتاً إلى أن عمليات الاتجار ونقل الأعضاء البشرية تحتاج إلى خبرات وإمكانيات كبيرة، ولا تتم بهذه الطريقة. ولم ينف انتهاكات "قسد" باعتقال وتصفية المدنيين وغيرهم، لكن ليس لدرجة الوصول إلى تجارة الأعضاء. وأضاف البوكمالي أن هناك شكوكاً أساساً حول المشاجرة التي حدثت خلال اعتقال الشاب، معتبراً أن هناك أطرافاً تريد الاستفادة منها ومن مقتل الشاب الميزر، لتبرير هجوم جديد على "قسد"، لا سيما أن بلدة ذبيان تعتبر معقل الشيخ العشائري إبراهيم الهفل، الذي قاد حراكاً مسلحاً ضد "قسد" العام الماضي، قبل أن يتم وأد هذا الحراك.

وكانت "قسد" قد سلّمت منذ بداية العام الحالي جثث شبان قضوا تحت التعذيب في سجونها، معظمهم من أرياف محافظة دير الزور، شرقي سورية، البعض منهم وُجهت إليهم تُهم بالانتماء إلى تنظيم داعش، على الرغم من عدم إثبات هذه التهم، والبعض الآخر قضوا تحت التعذيب من دون معرفة الأسباب الدافعة للاعتقال والقتل. ووثق نشطاء من دير الزور وريفها انتهاكات "قسد" التي شملت قتل ستة أشخاص تحت التعذيب خلال 15 يوماً، ثلاثة منهم تحت سن البلوغ، أو السن القانوني.

"قسد" تنفي قتل الميزر

وتواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولين من قوات سوريا الديمقراطية للسؤال عن حوادث انتهاكات "قسد" الأخيرة، لكن لم يرد سوى قيادي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، نافياً ضلوع "قسد" بجريمة قتل الميزر. وقال إن هذا الأسلوب لم يكن متبعاً في يوم من الأيام من قبل أي جهة عسكرية أو أمنية في شمال شرق سورية. وأضاف أن "قسد مؤسسة محترمة ولها تراتبية قيادية، ولا ولم تتبنَ العمل الإجرامي في أي يوم وفي أشد الظروف". وحول انتهاكات "قسد" الأخرى، أشار القيادي إلى أن "هناك اتهامات وليس حقائق" بشأن هذه المزاعم.

رديف مصطفى: انتهاكات "قسد" رسائل ترهيب للطرف الآخر المختلف معها

إلا أن متابعين للوضع في شرق الفرات لحظوا أنه منذ الحراك العشائري في محافظة دير الزور وما قبله، قامت "قسد"، التي تسيطر على مناطق في شمال شرق سورية، لا سيما مناطق واسعة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، بحملات واسعة استهدفت شباناً من أبناء تلك المناطق، لا سيما في دير الزور، وغالباً ما تكون التهمة الانتماء لتنظيم داعش. لكن أبناء المنطقة يشيرون إلى أسباب انتقامية من وراء انتهاكات "قسد" على خلفية الحراك، إضافة إلى أسباب عنصرية تقف وراءها طبيعة أبناء المنطقة الذين ينتمون للمكون العربي مقابل قيادة كردية لـ"قسد".

توثيق انتهاكات "قسد"

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 5188 شخصاً، بينهم 836 طفلاً و532 امرأة، لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري داخل مراكز الاحتجاز التابعة لـ"قسد"، وذلك منذ إعلان تأسيسها (تأسيس وحدات حماية الشعب في يوليو/ تموز 2012)، حتى يونيو/ حزيران الحالي. ووثقت الشبكة أيضاً مقتل ما لا يقل عن 105 أشخاص، بينهم ثلاثة أطفال وامرأتان، وذلك منذ إعلان تأسيس "قسد" (تأسيس وحدات حماية الشعب)، حتى يونيو 2024، وسجلت تسليمها 64 من جثامين الضحايا لعائلاتهم وتظهر عليها آثار تعذيب، بعد دفع ذويهم مبالغ مالية أو تدخل وساطات من ذوي النفوذ. وازدادت أخيراً حالات الاعتداء على مكاتب الأحزاب المعارضة لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، وهي الجهة التي تدير المنطقة إلى جانب الجناح العسكري (قسد)، لا سيما أحزاب المجلس الوطني الكردي المعارض لقوات سوريا الديمقراطية و"الإدارة"، فضلاً عن حالات التجنيد الإجباري، وتجنيد القاصرين من الجنسين.

رسائل "قسد" من عمليات القتل

وأشار عضو "رابطة المستقلين الكرد السوريين"، السياسي والحقوقي رديف مصطفى، إلى أن انتهاكات "قسد" تشبه إلى حد كبير "الانتهاكات التي يقوم بها نظام الإبادة الأسدي، وهي انتهاكات ممنهجة ومنظمة تستهدف من يختلف معها". وأضاف مصطفى، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "في ما يخص عمليات القتل والتعذيب الوحشي رهن الاعتقال، فإن قسد تريد منها إرسال رسائل ترهيب للطرف الآخر المختلف معها، والحادثة الأخيرة ليست الوحيدة، وقد سبقتها الكثير من الحوادث في مناطق سيطرة قسد على اختلافها".

وعدد مصطفى انتهاكات "قسد" و"الإدارة الذاتية" وأحزابها ضد المدنيين، مشيراً إلى "التجنيد الإجباري، وتجنيد القاصرين، رغم عدم وجود شرعية لقسد أو الإدارة للقيام بأي عمليات تجنيد، بالإضافة إلى الاعتداء على مكاتب الأحزاب السياسية المعارضة وإحراقها، واستهداف الصحافيين والسياسيين وقمع حرية الصحافة، والتحكم الاقتصادي، لا سيما بلقمة عيش الناس وتجويعهم، في ابتزاز واضح لوضع الناس الاجتماعي والاقتصادي". واعتبر مصطفى أن "قسد هي منظمة إرهابية تتبع لحزب العمال الكردستاني، وتقوم بأعمال وحشية لتبرير سيطرتها بالقوة والعسكرة"، مضيفاً: "العربي إذا اختلف معهما يُصنَف داعشياً، والكردي إذا عارضهما يكون خائناً وعميلاً".

وتأسست "الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية" التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قسد"، التي تأسست في نهاية 2015 لمحاربة تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. واستطاعت في معارك جرت بين عام 2016 وبداية 2019 طرد التنظيم من منطقة شرق نهر الفرات التي تُشكل نحو ربع مساحة سورية وتعد الأغنى بالثروات. وتشكل "الوحدات الكردية" (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي)، النواة الصلبة لهذه القوات، التي تضم العديد من الفصائل الأخرى، وتحكم منطقة غالبية سكانها من العرب.