انتهت مهلة الأسبوعين التي حددها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، للقيادات الأمنية والعسكرية في محافظة ديالى، شمال شرقي البلاد، لبسط الأمن واستعادة الاستقرار في مدن المحافظة الحدودية مع إيران، وذلك بعد سلسلة من أعمال العنف والهجمات المسلحة راح ضحيتها أكثر من 40 عراقياً، بين قتيل وجريح، بين منتصف شهر فبراير/شباط الماضي ومطلع شهر مارس/آذار الحالي.
وخلال زيارة له إلى ديالى في 8 مارس الحالي، عقد السوداني سلسلة اجتماعات مع قيادات أمنية وعسكرية بالمحافظة، محدداً أسبوعين لاستعادة الأمن والقبض على المتورطين بالهجمات.
وعلى الرغم من انقضاء المهلة، إلا أن أي بيان حكومي لم يصدر كما كان متوقعاً من قبل أهالي المحافظة، الذين طالبوا عبر وقفات احتجاج بإقالة مسؤولين حاليين عن الأمن وحصر الانتشار الأمني بقوات الأمن النظامية فقط، في إشارة واضحة لأنشطة الجماعات المسلحة التابعة لـ"الحشد الشعبي".
وأمس الأربعاء، أعلنت محكمة جنايات ديالى إصدار أحكام إعدام بحق 5 مدانين بجرائم خطف وقتل في المحافظة، في قرار هو الأول من نوعه يتعلق بمدانين من خارج تنظيم "داعش" منذ مطلع العام الحالي، ويتم إصدار حكم إعدام بحقهم.
وأكد مسؤول عسكري عراقي في قيادة العمليات المشتركة، لـ"العربي الجديد"، أن حصيلة من تم اعتقالهم في ديالى بلغت أكثر من 200 متورط بأعمال عنف وقتل وتهريب وخطف وتهديد السلم المجتمعي، من بينهم أعضاء بفصائل مسلحة منضوية ضمن "الحشد الشعبي"، وآخرون يتبعون لجماعات جريمة منظمة، إلى جانب متهمين بالعمل مع تنظيم "داعش".
عمليات فرض القانون في ديالى
ووفقاً للمسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإنه "تم تفكيك شبكات تهريب ممنوعات وأخرى للنفط، كما تم ضبط أسلحة وأوكار لجماعات خارجة على القانون في مناطق تقع شمال شرقي بعقوبة، مركز محافظة ديالى". ولفت إلى أن "القيادات الأمنية في بغداد شخصت أخطاء في أداء عدد من المسؤولين بالجيش والشرطة، ومن المرجح إعفاؤهم من مهامهم خلال الفترة المقبلة".
من جهته، قال النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات فرض القانون، حققت نجاحاً خلال الأسبوعين الماضيين، وهذا ما دفع إلى نوع من الاستقرار الأمني والمجتمعي في المحافظة، لكن في نفس الوقت نطالب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بضرورة إجراء تغييرات تضمن تولي الكفاءات الأمنية المتحررة من التحزب والجهات الأخرى الخارجة على القانون والنظام الملف الأمني".
رعد الدهلكي: ما شهدته ديالى هو بسبب صراعات بين جهات للهيمنة على مُقدّراتها
وكشف الدهلكي أنّ "ما شهدته ديالى من أحداث أمنية، هو بسبب صراعات بين جهات نافذة ومسلحة للهيمنة على مُقدّرات المحافظة، وهذه الجهات لها ارتباطات خارجية، وربط ما حدث من خروقات خطيرة بالمشاكل العشائرية غير صحيح. وهو محاولة لإخفاء حقيقة ما يجري من مشاكل وتحديات أمنية في ديالى، ولا يمكن تعليق الحوادث الأخيرة على شماعة العشائر وما يجري بعلم السلطات الحكومية والأمنية، سواء المحلية أو المركزية في بغداد".
وشدّد النائب عن محافظة ديالى على أن "العمليات الأمنية في ديالى يجب أن تستهدف السلاح المنفلت للمليشيات والذي يشكل خطراً حقيقياً لاستقرار المحافظة ويهدد السلم الأهلي فيها. فلا يمكن أن تكون العمليات الأمنية تستهدف بعض قطع السلاح لدى المواطنين فقط، وهناك سلاح مخبأ يهدد الأمن والسلم المجتمعي، وبقاء هذا السلاح يعطي احتمالية استمرار الجرائم والخروقات الأمنية".
وشهدت محافظة ديالى خلال الأسابيع الماضية خروقات أمنية كبيرة، من خلال تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات وعائلات كاملة أسفر عن مقتل واصابة عدد من المواطنين، إذ شنّ عناصر تنظيم "داعش" هجمات على القطعات الأمنية، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من عناصر الأمن العراقية. ودفع هذا الأمر إلى إطلاق عملية أمنية لفرض القانون لا تزال مستمرة حتى الساعة.
وتعتبر ديالى واحدة من أبرز المحافظات التي تحتوي على مناطق منزوعة السكان، والتي جرى تهجير أهلها من قبل الجماعات والمليشيات المسلحة أسوة بمناطق أخرى، مثل جرف الصخر في بابل والعويسات في الأنبار. ولا تزال بعض المناطق، مثل السعدية وقرى المقدادية وحوض العظيم وسد حمرين، خالية من سكانها وتنشط داخلها جماعات مسلحة، بعضها ينضوي ضمن هيئة "الحشد الشعبي".
تقصير الأجهزة الأمنية وضغوط سياسية في ديالى
بدوره، قال النائب عن محافظة ديالى صلاح التميمي، لـ"العربي الجديد"، إننا "ما زلنا ننتظر إجراءات رئيس الوزراء بعد انتهاء مهلته الأسبوعين للقيادات الأمنية، خصوصاً مع وجود مؤشرات كثيرة تؤكد وجود تقصير في أداء ومهام بعض القيادات الأمنية والعسكرية والمجاملة على حساب الأمن وفرض القانون".
وكشف التميمي أنه "على الرغم من مرور أيام طويلة على إطلاق عمليات فرض القانون في ديالى، لا تزال الضغوط تمارس من قبل بعض الجهات والشخصيات للتراخي في قضية ملاحقة المطلوبين، وكذلك عدم إجراء أي تغييرات وإصلاحات في المنظومة العسكرية والأمنية في ديالى، لوجود غطاء سياسي وحزبي لتلك الشخصيات".
صلاح التميمي: لا تزال الضغوط تمارس للتراخي في قضية ملاحقة المطلوبين
وأضاف النائب نفسه: "سنعمل خلال الأيام المقبلة على استضافة السوداني أو من ينوب عنه في مجلس النواب لمعرفة ما هو التقييم للوضع الأمني في ديالى، بعد انتهاء مهلة الأسبوعين، وكذلك ما هي الإجراءات التي يمكن أن يتخذها بعد انتهاء المهلة، كما لا يمكن إهمال ملف ديالى الأمني مع مرور الوقت، فهذا الأمر ربما يعيد الجرائم ولهذا يجب بقاء الضغط الأمني واستمرار عمليات فرض القانون لفترة طويلة".
من جهته، قلّل الباحث في الشأن العراقي غازي فيصل من إمكانية أن تسهم مهلة السوداني في إنهاء الاضطرابات الأمنية في ديالى. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الضغوط التي تُمارس على الحكومة في بغداد كبيرة، بهدف حماية الجماعات المسلحة في ديالى، والتي ترتبط بعضها بأحزاب معروفة".
واعتبر أن رئيس الوزراء "ليس مُطلق اليدين، فهناك ضغوط تمارس عليه من قبل أطراف سياسية وكذلك جهات مسلحة تمنعه من اتخاذ أي قرارات لحلول جذرية بشأن الأوضاع الأمنية في ديالى، خصوصاً بقضية تغيير المحافظ أو بعض القيادات الأمنية والعسكرية بسبب الغطاء والحماية السياسية لها".