انتقادات لمرسوم قيس سعيّد بشأن المجلس المؤقت للقضاء في تونس: إعلان للاستيلاء على جميع السلطات

13 فبراير 2022
ردود فعل رافضة ومنددة بالانحراف القانوني الخطير الذي كرسه سعيّد على مقاسه (Getty)
+ الخط -

أثار صدور الأمر الرئاسي بتعيين مجلس أعلى مؤقت للقضاء، يحلّ محلّ المجلس الذي كان قائماً، ردود فعل رافضة ومنددة بالانحراف القانوني الخطير الذي كرسه الرئيس التونسي قيس سعيّد على مقاسه، لضمان وضع يديه على جميع السلطات والانفراد بها.

وقالت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا المرسوم الذي جاء على المقاس، هو بمثابة إتمام عملية الإجهاز على ما بقي من المؤسسات الدستورية المنتخبة"، مشددة على أن "هذا المرسوم هو إعلان الاستيلاء على جميع السلطات في البلاد".

وفسرت كريم أن "سعيد بعد أن انقض على السلطة التشريعية والتنفيذية بالمرسوم 117، أتم اليوم الاستيلاء على السلطة القضائية". وشددت على أن "مدة هذا المجلس المؤقت غير محددة، كما أن هذا المرسوم غير قابل للطعن على غرار المرسوم 117 ولا يزول إلا بقرار من سعيد أو بنهاية ولايته".

وبينت أن" استثناء المحامين والعدول من تركيبة المجلس المؤقت يعود لعدم خضوعهم لسلطات سعيّد (قطاع حر)، على عكس القضاة الذين سيصبحون مرتهنين له، يعملون تحت طائلة الخوف خشية على مساراتهم المهنية ومرتباتهم، أو أن تسلط عليهم عقوبات أو نقل تأديبية في حال رفضوا التعليمات".

ولفتت أستاذة القانون الدستوري إلى أن "هذا المرسوم مواصلة في خرق الدستور وامتداد للتجاوزات التي كرسها الأمر 117 من قبل، بل إنه خرق حتى التزام الرئيس بعدم المس بباب الحقوق والحريات، حيث تم المس بحق جوهري وهو الحق في الإضراب بالتنصيص على منع القضاة من الإضراب وتعليق العمل في المحاكم".

وبينت أن "هذا الإجراء يعتبر مهزلة قانونية جديدة، بعد أن تم حل مجلس منصوص على إحداثه في الدستور ومنتخب بإشراف هيئة الانتخابات".

ونصص المرسوم الرئاسي على أن فترة عمل المجلس مفتوحة، إلى غاية تشكيل مجلس أعلى للقضاء، فيما أشارت نفس الوثيقة إلى منع القضاة من الإضراب.

واختزل سعيدّ المجلس المؤقت الجديد في 21 عضواً معينين موزعين على 3 مجالس قضائية (القضاء العدلي، والمالي والإداري)، وكانت تركيبة المجلس الأصلي 45 عضوا.

ويتكون كل مجلس من الأقضية الثلاثة من 7 قضاة، 4 يعينون بحسب صفاتهم الوظيفية و3 قضاة متقاعدين يعينهم رئيس الجمهورية، عكس المجلس المنحل، الذي كان يضم ثلثين من أعضائه منتخبين بشكل مباشر من القضاة باشراف هيئة الانتخابات.

كما أبعد سعيّد، من تركيبة المجلس القضائي المؤقتة، المحامين وعدول التنفيذ والإشهاد وأساتذة القانون والجامعيين أو أي مهن أخرى غير قضائية، ليصبح مجلساً صرفا للقضاة.

ويترأس المجلس المؤقت بحسب المرسوم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وينوبه رئيس المحكمة الإدارية ورئيس محكمة المحاسبات.

ويحق لرئيس الجمهورية طلب إعفاء أي قاض "يخل بواجباته" بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، ويصدر المجلس "فورا" قرارا بإيقاف القاضي المعني عن العمل إلى حين البت في ملفه، بحسب المرسوم الرئاسي.

كما يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض على أي تسمية أو ترقية أو نقلة في الحركة القضائية بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، بحسب نفس الوثيقة.

كما تضمن المرسوم الرئاسي صلاحية اعتراض رئيس الجمهورية على ترشح للوظائف العليا في القضاء بناء على تقرير حكومي.

مرسوم "باطل وغير شرعي"

وقال أستاذ القانون الدستوري، عضو تنفيذية حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "إصدار سعيد المرسوم الذي ينص على حل المجلس الأعلى للقضاء، هو مرسوم باطل وغير شرعي ولا أثر له في الواقع، وقد اعتبر القضاة أن هذا المرسوم باطل والمجلس الأعلى للقضاء باق، والقضاة متمسكون باستقلاليتهم وبهياكلهم المنتخبة بديمقراطية، لأنها صمام أمام محرقة الحقوق والحريات التي يدفع إليها سعيّد بعد وضع يده على القضاء، والدور القادم سيكون على الإعلام والمؤسسات الإعلامية".

بدورها، قالت المحامية المتحدثة باسم "محامون لحماية الحقوق والحريات"، إسلام حمزة، في تصريح لـ"العربي الجديد": "للأسف رئيس الجمهورية يواصل سياسة الأمر الواقع غير آبه للمقاومة والمعارضة وللمواقف، وقد ذهب إلى الحل الفعلي للمجلس الأعلى للقضاء الدستوري والقانوني ووضع مرسوما يكوّن مجلسا مؤقتا غير شرعي، سيكون مجلسا تابعا للرئيس سينخرط في كل ما يريد أن يقوم به".

وتابعت: "منذ الانقلاب انقض رئيس الجمهورية على جميع مفاصل السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ورأينا تصديا من القضاة الشرفاء ورأينا مساعيه بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة من ترغيب وترهيب وسب وشتم ولكنهم تصدوا له".

وتأسف حمزة قائلة: "للأسف آخر الحصون سقطت وتنتظرنا أيام سوداء، سيضع الرئيس قضاة كما يريد وحسب ما يريد لإنجاز ما يريد".

حكم فردي

من جانبه، اعتبر رئيس كتلة حركة النهضة والمتحدث الرسمي باسم الحزب، عماد الخميري أن "مرسوم قيس سعيّد حول مجلس القضاء المؤقت هو تكريس فعلي وتدشين عملي لقضاء سعيّد، حيث التراجع عن كل المكتسبات التي ناضل من أجلها التونسيون والتونسيات في قضاء مستقل، بهذا المرسوم نعود إلى قضاء تحكمه السلطة التنفيذية بالكامل وتتحكم في تعييناته، وفي المسارات المهنية للقضاة، ولها الحق في معاقبة القضاة وعزلهم".

وتابع الخميري على صفحته بـ"فيسبوك": "لا علاقة لهذا المرسوم بالإصلاح وإنما تحركه رغبة قيس سعيد في الاستحواذ على السلط كل السلط وتكريس حكم فردي ستكون له عواقب وخيمة على مستقبل البلاد".

وفي السياق ذاته، كتب رئيس حزب الأمل ومنسق مبادرة اللقاء الوطني للإنقاذ، أحمد نجيب الشابي على حسابه بـ"فيسبوك": "مرة أخرى وتحت جناح الظلام، أصدر رئيس الجمهورية مرسومه المشؤوم بحل المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بهيئة مؤقتة تخول له التدخل في تعيين القضاة وترقيتهم ومؤاخذتهم ونقلتهم وإعفائهم".

وتابع: "قلعة أخرى من قلاع الحرية وحصن من حصونها يسقط امام أعيننا وبمباركة منا. عقبة أخرى تنزاح على طريق العودة إلى الحكم المطلق، في كساء شعبوي رديء هذه المرة. ثم بعد؟ سوف يدفع المجتمع، وفي مقدمته النخب بلا شك، ثمنا باهظا من الألم والشدة والتضحية بالنفس والنفيس".

بدوره اعتبر القيادي بالتيار الديمقراطي، محمد العربي الجلاصي على صفحته بـ"فيسبوك"، أن "قيس سعيد يجمّع السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية والتأسيسية بيده". قائلا: "شخصيا لا ثقة لي في رجل انقلب على الدستور بأي عذر أو تبرير كان. لا ثقة لي في قدرته وكفاءته للإصلاح ولو أراد، ولو خلصت نيته ولا أراها تخلص". 

أما رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، سمير بن عمر، فعلق على بنود المرسوم قائلا إن "قيس سعيد يستعمل العصا الغليظة في التعاطي مع تحركات القضاة".

وتابع: "المحامون كانوا ممثلين بثمانية أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء، وعندما أعلن قيس سعيد حل المجلس المنتخب دعمه عميد المحامين إبراهيم بودربالة ثم طفق يدلي بتصريحات يستجدي فيها قيس سعيد الإبقاء على تمثيلية المحاماة في المجلس المؤقت الذي يعتزم إرساءه. وبعد نشر المرسوم تبين أن قيس سعيد لم يعر أي أهمية إلى توسلات طابوره الخامس وقام بالاستغناء عن تمثيلية المحامين في مجلسه المؤقت".

المساهمون