- تطرق إلى قضية المقابر الجماعية في ترهونة كدليل على فظائع في ليبيا، معبرًا عن خيبة أمله في عدم كشف المحكمة عن جميع المتورطين وتسييس المحكمة.
- السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا انضم للانتقادات متهمًا المحكمة بالتحيز، بينما كريم خان دافع عن نزاهة واستقلالية المحكمة في تطبيق القانون رغم الضغوط.
الأمم المتحدة طاهر السني انتقادات شديدة اللهجة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ولمكتبه، حول عمل ونهج المحكمة في الملفين الليبي والفلسطيني والجرائم المرتكبة في غزة، وعدم تحركه لإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين.
وجه السفير الليبي فيجاء ذلك خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، قدم خلاله المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تقريره الدوري حول عمل المحكمة وتحقيقاتها في ليبيا، وأعلن فيه أنه يسعى لاختتام التحقيقات في ليببا قبل نهاية عام 2025، ومن ثم الاستعداد إلى المحاكمة في ما يتعلق بأوامر القبض الصادرة عن الدائرة التمهيدية خلال مراحل التحقيق.
واستهل السفير الليبي مداخلته خلال الجلسة بالتأكيد على تعاون بلاده مع المحكمة الجنائية الدولية، وأن دورها يأتي مكملاً للقضاء الوطني، وليس بديلاً عنه. وتحدث الدبلوماسي الليبي عن تفاصيل تقرير خان الأخير، وقال: "تابعنا ما ورد فيه عن استراتيجية تعتمد على ثلاثة مسارات: التحقيق في الجرائم المرتكبة في مرافق الاحتجاز، والجرائم المتعلقة بالعمليات التي جرت بين 2014- 2020، والجرائم المرتكبة ضد المهاجرين".
وحول إشارة التقرير إلى أن مكتب المدعي العام لن يسعى إلى استصدار أوامر قبض إضافية حتى استكمال مسار التحقيقات في نهاية 2025، تساءل السفير الليبي: "بعد مرور كل هذه السنوات والتحقيقات والزيارات الميدانية لفريقكم والأدلة والقرائن التي بحوزتكم، ولا أتحدث هنا عن فترتكم فقط، بل عن مؤسستكم التي بدأت عملها في ليبيا منذ قرابة ثلاثة عشر عاماً، هل يعني هذا أننا لن نرى بعد نتائج ملموسة بحجم ما يذكر من انتهاكات جسيمة في تقريركم؟ هل على الليبيين الانتظار أكثر؟ توقعنا أن نسمع نتائج فعلية بعد كل هذه الأعوام، في الوقت الذي شهدنا فيه خروج نتائج بسرعة قياسية في قضايا أخرى".
وحول تحديد التقرير عدداً من الأنشطة لما بعد عام 2025، والتي يمكن الاضطلاع بها "لتأمين تركة دعم إيجابية طويلة الأجل"، قال السفير الليبي: "هنا نفهم نية المحكمة الجنائية الدولية الاستمرار في عملها لسنوات مقبلة، وكأن الاستراتيجية توحي بالاستمرار إلى ما لا نهاية. نحن نرى أن ذلك غير منطقي، ويُخرج المحكمة عن الولاية الممنوحة لها، وكأن دورها القيام ببناء القدرات، حيث لا توجد إشارة واضحة إلى إن كانت ليبيا ترغب في ذلك أم لا".
وأضاف الدبلوماسي الليبي أن "قضية المقابر الجماعية في ترهونة من أكبر الفظائع التي شهدتها ليبيا في العصر الحديث، ونحن نأسف لأنه حتى الآن لم يجر الكشف عن جميع المتورطين في هذه القضية الشنيعة من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بالرغم من زيارات فريقهم المتعددة، وكم الأدلة والبراهين المثبتة، وتعاون مكتب النائب العام الليبي معهم"، مشيراً إلى أنه "حتى الآن لم يجر إصدار مذكرات قبض ضد جميع المتورطين، وبالأخص الهاربين منهم خارج البلاد، رغم إصدار مكتب النائب العام الليبي مذكرات اتهام وتوقيف ضدهم".
وطلب السفير الليبي من المدعي العام للمحكمة توضيح السبب وراء عدم ذكر التقرير الأخير الجرائم المرتكبة في ترهونة كملف قيد التحقيق. وقال: "نتمنى على السيد خان توضيح ذلك لعله مجرد لبس.. حيث كانت جرائم ترهونة تذكر منذ التقرير 91... ولكن في تقريركم الأخير اختفت تماماً، فهل هذا يعني أن هذه القضية قد أُقفلت من قِبلكم، وانتهى التحقيق فيها وجرى التعرف على جميع المتورطين ومن دعمهم؟"، متسائلاً عن "جدوى بقاء ليبيا تحت وصاية هذه المحكمة في وجود جريمة بيّنة ومكتملة".
وأضاف: "رغم أننا نؤمن بأهمية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولكن الليبيين يسألون ماذا قدمتم لنا؟ أين هي النتائج بعد ثلاثة عشر عاماً و27 تقريراً. عشرات الزيارات ومئات الأدلة والقرائن. كل هذه السنوات وبعد 2011 وضع اسم واحد فقط، وهذا الشخص قد قُتل. هذا يعطي الانطباع بأن المحكمة مُسيّسة".
إلى ذلك، وجه السفير الروسي في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، انتقادات مماثلة لكريم خان والمحكمة وعملها بخصوص الملف الليبي. وقال نيبينزيا حول تقرير المحكمة المتعلق بليبيا: "هناك انتقاص للمعلومات التي جرى التأكد منها، كما أن هناك معلومات مضللة، ولم يجر التوصل إلى مذكرة توقيف، بينما قصف حلف الناتو مؤسسات شرعية ليبية، وارتكب جرائم أخرى". وحمّل دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية الجرائم التي ترتكب في مراكز الاعتقال الليبية، وإعادة تلك الدول للمهاجرين بشكل قسري إلى ليبيا، على الرغم من معرفتها بأنهم سيواجهون خروقات حقوق إنسان وتعذيباً واتجاراً بالبشر.
مصداقية المحكمة الجنائية الدولية بشأن غزة "على المحك"
وفي ملف غزة، قال السفير الليبي: "في حال كانت القضية الليبية وملفاتها معقدة لهذه الدرجة، والأدلة التي تدين المتورطين صعبة المنال، والفاعل دائماً عندكم مبني للمجهول، فمن الأفضل توجيه جهودكم ومواردكم إذن لما هو أسهل وأوضح، ومنقول لكم صوتاً وصورة وبالبث المباشر"، مضيفاً: "السيد خان، أنا أتحدث عن غزة. عن الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب التي ترتكب ولمدة سبعة أشهر أمام أعينكم، العالم ينتظر منك أن تثبت جدوى هذه المحكمة، وأن تتسم بالشجاعة، وأن تصدر مذكرات القبض على مجرمي قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذين يتبجحون ليلاً ونهاراً بجرائمهم، وأعلنوا مراراً وتكراراً نيتهم ارتكاب إبادة ضد الشعب الفلسطيني".
وشدد السفير الليبي على ضرورة الكشف عن "المتورطين في مقبرة الأطفال الجماعية في غزة، والمجاعة في القطاع، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية المرتكبة في "هولوكست القرن الواحد والعشرين... هولوكست غزة"، متسائلاً: "هل تحتاج مزيداً من الأدلة؟ ألا ترى التهديدات الآن على المدنيين في مدينة رفح والمجزرة المحتملة في أي وقت؟". واعتبر أن "الآن هو الاختبار الحقيقي لهذه المؤسسة، فهل هي مُسيّسة أم حيادية ومستقلة؟ لأن مصداقيتها كانت دائماً محل تساؤل، ويوماً بعد يوم أصبحت على المحك".
بدوره، قال السفير الروسي: "نود أن نعرف ما إذا كانت المساهمات الطوعية للولايات المتحدة في ميزانية المحكمة سيجري استخدامها في التحقيق بشأن فلسطين؟ لا يقتصر الكيل بمكيالين فقط على الملف الليبي، بل بكل أنشطة المحكمة. ونود أن نشدد على عدم تحرك المحكمة إزاء المأساة التي نشاهدها اليوم في غزة". وأضاف "نود أن نعرف فيما يخص مجلس الشيوخ الأميركي الذي ينظر في مشروع قانون يهدف إلى معاقبة مسؤولي المحكمة المشاركين في التحقيقات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها".
من جهته، طلب كريم خان مجدداً الكلمة في نهاية الجلسة للرد على أسئلة ومداخلات المندوبين الليبي والروسي. وقال رداً على مندوب ليبيا بخصوص الملف الليبي إن "نقطة الانطلاق واضحة، ولا يمكن أن تكون إحالة مجلس الأمن غير نهائية... ولذلك وضعنا خريطة طريق لكيفية إتمام ذلك، وأن ننهي مرحلة التحقيقات".
وفي رده على السفير الروسي، قال خان: "أشكره على قلقه بشأن الضغوط والتهديدات التي أتعرض لها شخصياً، كما يتعرض لها مكتبي، والمطالبة بأن أتنحى ونتوقف عن العمل. لن نخضع حتى لو صدرت مذكرة توقيف ضدي أو ضد مسؤولين منتخبين في المحكمة من قبل الاتحاد الروسي أو من قبل مسؤولين منتخبين آخرين في أي ولاية قضائية أخرى". وأضاف: "ندرك أن هناك قوى في هذا المجلس تتمتّع بالسلطة والنفوذ. نحن منظمة دولية.. وهناك شيء اسمه القانون. كل ما يمكنني فعله هو أن أقول إننا سنقف بكل ما أوتينا من قوة لتطبيق القانون بنزاهة واستقلالية".
ويشار في هذا السياق إلى أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أصدرت مذكرة اعتقال ضد مسؤولين روس، على رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، لـ"دوره في حرب أوكرانيا، والترحيل القسري لأطفال من أوكرانيا إلى روسيا". كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بياناً بداية الشهر تحذر فيه من التهديدات بالانتقام ضد موظفيها، مشيرة إلى أن ذلك يمكن أن يشكل اعتداء على مجرى العدالة. ولم تسم المحكمة أي جهة، في وقت أشارت فيه تقارير غربية إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل حذرتا المحكمة من إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين على خلفية الحرب على غزة.