صادق البرلمان التونسي الجديد، مساء أمس الجمعة، على مشروع نظامه الداخلي بواقع 121 صوتاً، وسط تحفظ وحيد ورفض نائبين، وذلك رغم الانتقادات لمحدودية صلاحيات المجلس التشريعي وتحجيم دور النواب، فيما يتمسك أعضاؤه بأن النظام الداخلي يؤمّن النجاعة الكافية لحسن أداء وظيفة المجلس التشريعية في نظام رئاسي كما يضبطه دستور 2022.
ودان "حراك 25 جويلية"، المساند للرئيس قيس سعيّد، مضمون النظام الداخلي للبرلمان، معتبراً في بيان أنه "مناف لمطالب الشعب التونسي في فصوله 6 و24 و134 وعديد من الفصول الملغمة التي فصلت على مقاس مصالح شخصية للنواب ومغايرة لمراسيم الرئيس"، داعياً الشعب "للدفاع عن مسار 25 يوليو بعد تحويل وجهته في أولى أشغال البرلمان".
وتوالت الأحداث على البرلمان التونسي السابق منذ أن بدأ سعيّد إجراءاته الاستثنائية، في 25 يوليو/ تموز 2021 بالاستناد إلى البند 80 من دستور 2014، بدءاً من إعلان تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن البرلمانيين والشروع في ملاحقتهم قضائياً. ومساء 30 مارس/ آذار 2022، حلّ الرئيس التونسي البرلمان المنتخب وفق دستور 2014، في خطوة اعتبرتها المعارضة الضربة القاصمة للمسار الديمقراطي في البلاد فيما عدّها أنصاره تصحيحاً له ليتم بعدها اختيار برلمان جديد على مقاس سعيّد.
رغم ذلك ندد "حراك 25 جويلية" بالنظام الداخلي للبرلمان الجديد معتبراً أنه "مفخخ" و"يتحيل على إرادة الشعب التونسي ومطالب 25 جويلية"، داعياً الحراك الرئيس التونسي إلى "التدخل العاجل في هذه المهزلة البرلمانية"، بحسب ما جاء في البيان.
وغاب 30 نائباً عن جلسة تمرير القانون الداخلي للمجلس، حيث حضر عملية التصويت النهائية 124 فقط من أصل 154 نائباً، في وقت تعهد البرلمانيون الجدد بأنهم سيقطعون مع ظاهرة الغيابات التي كانت في البرلمانات السابقة وجميع التصرفات المسيئة لصورة البرلمانيين.
الهاشمي: برلمان مسخ في غياب الديمقراطية
واعتبر القيادي في حزب "ائتلاف الكرامة" والنائب بالبرلمان المنحل زياد الهاشمي أن "النظام الداخلي الجديد لمجلس قيس سعيّد هو نسخة مشوهة من النظام الداخلي القديم الذي صاغته جميع الحساسيات السياسية في البرلمان، لهذا كان متنوعاً نوعاً ما ومع القليل من النقائص التي وجب تداركها وقتها".
وأوضح الهاشمي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه عندما طالبت كتلة "ائتلاف الكرامة" تعديل النظام الداخلي واجهت معارضة قوية من الحزام البرلماني لقيس سعيّد المتكون أساساً من "التيار الديموقراطي" و"حركة الشعب" و"الدستوري الحر".
وأفاد بأن "النظام الداخلي الجديد لبرلمان قيس سعيّد خال تماماً من تعريف المعارضة ولهذا ألغاها واعترف ضمنياً بمحدودية صلاحياته وتجنب كل ما يزعج حكومة قيس سعيّد وبرنامجه"، مشيراً إلى أن "هذا النظام الداخلي يعبر بامتياز عن برلمان مسخ في غياب الديمقراطية والمعارضة داخل البرلمان".
وفي ردّه على الانتقادات، أكد عضو لجنة إعداد النظام الداخلي النائب يوسف التومي أن "منطلق عمل البرلمان هو دستور 2022 وبالتالي لا يمكن وضع فصول متعارضة مع ما جاء به الدستور، وبالتالي عند تركيز (تشكيل) المحكمة الدستورية ستنظر في دستور النص من عدمه"، مشدداً في حديث لـ"العربي الجديد" بأنه "لم يقع وضع فصول متعارضة مع الدستور فعلى مستوى الحصانة تم تنزيل نفس الفصول الدستورية 65 و66".
وفيما استغرب من "الانتقادات الموجهة من أناس لم يطلعوا على الدستور"، لفت التومي إلى أنه "بالنسبة لمن يتحدثون باسم 25 يوليو فإن رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، أكد للبرلمانيين في جلسة عامة أن رئيس الجمهورية عبر عن ارتياحه بعمل البرلمان، مؤكداً لمن يدعي من حركات أنه يتكلم باسمه أنه في حل منهم جميعاً". ودعا التومي إلى "قراءة الدستور والتثبت من عدم مطابقته أو مخالفته".
كما استغرب من "الحديث عن المصالح الشخصية للنواب ومسألة أجرهم"، مشيراً إلى أن "راتب النواب لم يتم الرفع فيه ولا تغييره، بل هو نفس ما كان مقرراً في البرلمان السابق من منحة عمل برلماني ومنحة استرجاع مصاريف".
ونفى "مسألة التداخل أو السطو على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم".
وحول عدم تصنيف المعارضة والتي كانت محل جدل داخلي وانتقاد بخلق برلمان من لون واحد قال يوسف التومي "بداية نحن اليوم في نظام رئاسي وليس نظام برلماني، وقد تم تحرير مبدأ التصويت للنواب حسب القانون والموازنة، فيمكن للنائب أن يصوت لصالح الموازنة هذا العام ويرفضه العام المقبل مثلاً، وبالتالي لا يتم إلزامه لمدة خمس سنوات كاملة برفض الموازنات بسبب اختياره الانتماء للمعارضة".
وزعم التومي أن "هذا البرلمان لن يكون كرتونياً، لأن النقاشات أثبتت أن النواب مع المصلحة الوطنية وليس مع فرد أو شخص بعينه"، مضيفاً أن "الرقابة على الحكومة موجودة ولم يتم إلغاؤها، وهناك فصول تتحدث عن تنظيم الحوار مع الحكومة في الفصل 133 ومع الهيئات وتوجيه الأسئلة لأعضاء الحكومة".
وبالنسبة لغياب البرلمانيين عن جلسة التصويت رجح أن "تكون لهم أعذارهم وقد أعلموا بها رئيس البرلمان"، مبيناً أن "النظام الداخلي الجديد صارم في مسألة الغيابات، حيث سيتم الاقتطاع من أجر النواب وسيتم نشر أسماء المتغيبين وهو ما يمثل مسألة مهمة للناخبين لمتابعة النواب، وبالتالي بالنسبة للمتغيبين يمكن للناخبين أن يسحبوا منهم الوكالة كما أنه يؤثر على شعبيتهم وعلاقتهم بالناخبين".
الدبابي: غرفة تسجيل تعطي الشرعية والمشروعية
من جانبه، قال أستاذ القانون الدستوري، خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا النص سيزيد من إضعاف الغرفة الأولى للوظيفة التشريعية التي هي بطبيعتها ضعيفة ومحدودة الصلاحيات، بل منزوعة الصلاحيات بدستور 2022".
وتابع الدبابي موضحاً "الدستور وضع غرفة تشريعية أولى ضعيفة والقانون الانتخابي خلق برلماناً ضعيفاً من ناحية المشروعية السياسية والشعبية بنسب مشاركة ضئيلة جداً خلال الدورين الانتخابي الأول والثاني، كما أنه برلمان ضعيف من حيث الشحنة السياسية والحزبية بداخله، بل إنه أنتج مشهداً هشاً ومفتتاً، ولاحظنا ذلك منذ الأعمال الأولى لجلسات البرلمان".
وشدد الدبابي على أن "النظام الداخلي جاء اليوم لينهي مسار إضعاف البرلمان من خلال تعزيز ضعف الوظيفة التشريعية عبر غياب آليات رقابية على الحكومة وغياب أي إشارة قريبة أو بعيدة لمسألة المعارضة، وكل هذا يبين النية السياسية والدستورية من جعل هذا البرلمان مجرد غرفة تسجيل تعطي الشرعية والمشروعية لقرارات جاهزة تخطها السلطة التنفيذية بمفردها وتحديدا يخطها رئيس السلطة التنفيذية بمفرده".
وأشار إلى أن "هذا البرلمان بعيد كل البعد عن كونه سلطة حقيقية وسلطة مضادة، بل إنه يكاد يكون الأسوأ من البرلمانات السابقة للثورة 2011".
ويتضمن النّظام الدّاخلي لمجلس نواب الشعب، 171 فصلاً موزّعة على 13 باباً وهي الأحكام العامّة، والعضويّة والكتل النّيابيّة والحصانة، وهياكل المجلس، والنّظر في المبادرات التشريعية، والنّظر في اللّوائح، ومراقبة العمل الحكومي، والحوار مع الهيئات، وتمثيل المجلس في الهيئات والمجالس الوطنيّة والعلاقات الدّولية، والعلاقة مع الإعلام والمواطنين والمجتمع المدني، واقتراح تنقيح الدّستور، والتّدابير الاستثنائيّة، وقيم ومبادئ وقواعد العمل البرلماني والأحكام الانتقاليّة والختاميّة.
كما تضمّن فصولاً تتعلّق بسير عمل المجلس وتحدّد العلاقة بين أعضائه وتجرم العنف والاعتداءات، وهي نقاط لم يتعرّض لها النّظام الدّاخلي السّابق، حيث "لا يتمتع النّائب بالحصانة البرلمانيّة بالنّسبة إلى جرائم القذف والثّلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس أو خارجه، ولا يتمتّع بها أيضاً في صورة تعطيله للسّير العادي لأعمال المجلس".
وللقطع مع البرلمان السابق وفي تماهٍ مع فصول الدّستور الجديد منعت "السّياحة الحزبيّة"، حيث ينص على أنه "إذا انسحب نائب من الكتلة النيابية التي كان ينتمي إليها عند بداية المدة النيابية، لا يجوز له الالتحاق بكتلة أخرى".
وفي ما يخصّ تكوين الكتل البرلمانيّة، حدد لجنة النظام الدّاخلي، تكوينها من 15 نائبا وإذا نزل عدد أعضائها عن 10 نواب يتم حلها، في حين أنّ النظام الداخلي للبرلمان السّابق، أتاح إمكانية تكوين كتلة برلمانيّة بسبعة نواب فقط.
وخلافاً للبرلمان السابق الذي يميز دور المعارضة ويحميها لم يتم التنصيص على تصنيف المعارضة البرلمانية، بينما أقرّ البرلمان تركيز 11 لجنة تشريعية قارّة، مقابل 18 لجنة في المجلس السابق منها 9 لجان كان تختص بمراقبة عمل الحكومة.
ولا يتضمن النظام الداخلي آليات رقابة على رئيس الجمهورية أو توجيه لائحة لوم له أو محاسبته باعتبار أن دستور 2022 لم يتضمن ذلك، بل اكتفى بمخاطبة رئيس الدولة للبرلمان أو ترتيبات أداء اليمين عند انتخابه.