انتقادات لتصريحات وزارة الداخلية التونسية حول البحيري: فضيحة ومحاولة لتثبيط الاحتجاجات
وُجهت انتقادات واسعة للندوة الصحافية التي عقدها وزير الداخلية توفيق شرف الدين حول وضع المحامي والنائب نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية، حيث وصفها المعارضون بالفضيحة، وبمحاولة لإفشال الحشد لاحتجاجات 14 يناير/كانون الثاني، لقطع الطريق أمام المحتجين.
وعقد وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، أمس الإثنين، ندوة صحافية كشف فيها عن أن وضع نائب رئيس "حركة النهضة" نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية منذ 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، سببه "إصدار جوازات سفر لأشخاص بطريقة غير قانونية وشبهة إرهاب جدية"، وذلك إثر اعتبار هيئة الدفاع عن البحيري أنه في حالة اختطاف واختفاء قسري، ورفعها شكاوى ضد رئيس البلاد قيس سعيّد ووزير الداخلية دولياً ومحلياً.
وأضاف شرف الدين أن قرار الإقامة الجبرية الذي تم اتخاذه بحق البحيري (63 عاماً)، استند إلى أسس قانونية (الأمر المتعلق بإعلان الطوارئ لسنة 1978)، وبناءً على شبهات تتعلق بالإرهاب (قانون مكافحة الإرهاب).
واستغرب القضاء تصريحات وزير الداخلية، وأفاد مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، اليوم الثلاثاء، بأن النيابة العمومية تسجّل "استغرابها" ممّا ورد بالندوة الصحافية، بخصوص تعطل الإجراءات لدى النيابة العمومية حول فتح أبحاث تحقيقية تعلقت "بتوفر معلومات مفادها حصول شخص سوري الجنسية وزوجته السورية على بطاقتي تعريف وطنية وجوازي سفر تونسيين تم استخراجهما خلال فترة إشراف نور الدين البحيري على وزارة العدل".
وأشار البلاغ إلى أن "النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية تعاملت بكل جدية ووفق الإجراءات المقرة قانوناً مع موضوع قضية الحال، ورتبت الآثار القانونية المتمثلة في فتح بحث تحقيقي في أجل لم يتجاوز 4 أيام من تاريخ توصلها بالتقرير التكميلي الصادر عن الإدارة الفرعية للأبحاث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظمة والماسة بسلامة التراب الوطني". وأضاف البلاغ أن مقتضيات المجلة الجزائية تنصّ على أنه "يجب دائماً على مأموري الضابطة العدلية التخلي عن القضية بمجرد تولي الأعمال فيها من النيابة العمومية أو قاضي التحقيق، كما عليهم تسليم ذي الشبهة حالاً إليهم، مع التقارير المحررة والأشياء المحجوزة لكشف الحقيقة".
وأشار البلاغ نفسه إلى المعلومات المتعلقة بالشخص السوري المذكور وزوجته المتحصلين على شهادة في الجنسية من الإدارة العامة للمصالح العدلية بوزارة العدل، بناء على جوازي سفر تونسيين مسلمين من سفارة تونس بفيينا سنتي 1982 و1984.
"النهضة": عودة للمحاكمات السياسيّة
بدورها، عبّرت "حركة النهضة"، اليوم الثلاثاء، عن "استغرابها مما جاء في مداخلة القائم بأعمال وزارة الداخلية بخصوص التهم الموجهة إلى الأستاذ نور الدين البحيري، والتّي تبقى من اختصاص القضاء وحده للبت فيها دون سواه، وهو ما يؤكد الصبغة السياسيّة لكل ما تعرّض له الأستاذ البحيري منذ اختطافه، يوم الجمعة السابق، ويعيد بلادنا مجدداً إلى مربّع الاستبداد والمحاكمات السياسيّة".
وعبّرت في بيان لها، عن "رفضها المتجدد لكلّ القرارات المصادرة لدستور الجمهوريّة التونسيّة 2014، وتعتبرها نزوعاً بيّناً نحو الحكم الاستبدادي الفردي المطلق، وانقلاباً مُكتمل الأركان على الشرعية الدستورية وعلى المسار الديمقراطي، واغتصاباً لكلّ السلطات عبر توظيف أجهزة الدولة الصلبة".
محاولة لمنع قيام جبهة واسعة معارضة للانقلاب
بدوره، قال عضو المبادرة الديمقراطية لحركة "مواطنون ضد الانقلاب" الناشط أحمد الغيلوفي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، إن "الندوة الصحافية لوزير الداخلية اعتراها كثير من اللغط والارتباك والفوضى، فقد ذكر جوازي سفر سُلّما في فيينا يعودان إلى سنة 1982 لا ندري أي علاقة بينهما وبين البحيري، وعلى كل حال، يبدو أن الجملة الأبرز في كل الندوة هو تهديد السلم العام والدعوة للعصيان، وهذا ما يعني أن لا علاقة للبحيري بهذه التهم، وإنما هي عملية استباقية لمنع الناس من الخروج بكثافة في 14 يناير/كانون الثاني".
وبيّن أنه "بعد الهالة السوداوية والشيطانية التي رسمت لنور الدين البحيري طيلة 10 سنوات، كنا نتوقع أن يتم الكشف خلال الندوة عن قصة 2000 قاضٍ تابعين وخاضعين لما يسمّى بقضاء البحيري، والتي بقيت منذ 2013 (تاريخ توليه وزارة العدل)، وتحولت لأسطورة يونانية". وأضاف "كنا نتوقع أن يتم الكشف عن الجهاز السري، وتورط البحيري فيه، والكشف عن الغرفة السوداء وعن 1500 مليار منسوبة له، واليخت الشهير، وعن الثروات التي سُوّق لها، وعن صلته بالاغتيالات السياسية لشكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهو ما لم يتم خلال الندوة".
ولخص الغيلوفي بالقول "تمخض الجمل فأنجب فأراً، فهذه الندوة برأت البحيري ولم تدنه"، مشدداً على أنه "إذا كانت هناك عملية تنظيف وغسيل يمكن أن تتم لحركة النهضة، فقد قام بها قيس سعيّد من حيث أراد تشويهها".
وبيّن المتحدث أن "الملاحظ هو الارتباك الشديد لوزير الداخلية، والهروب من الصحافة، وهو ما يعكس ضعف حجته وعدم تمكنه من هذا الملف، أو أنه لا أساس لهذا الملف من الجدية، ما دفعه للهروب من الصحافة، إذا كان وزيراً للداخلية ومحامياً ماسكاً بالملف ومتشبعاً منه". وأضاف الغيلوفي أن "هناك محاولة لترويع وإخافة كل من ينوي الخروج للاحتجاج في 14 يناير رفضاً للانقلاب"، مشيراً إلى أن "سعيّد مصاب بفزع بعد قانون المالية الذي أصاب الناس بخيبة كبرى، ما دفعه للقيام بالتغطية على الفشل الاقتصادي والسياسي الذريع".
وتابع الغيلوفي أن "هذه العملية يريد أن يغازل بها أتباعه، سواء من الحشد الشعبي أو ممن سانده في 25 يوليو (تموز)، والتي تمني النفس بأن يضرب سعيّد خصمهم الأيديولوجي"، مشيراً إلى أن سعيّد "أراد أن يقطع بهذه العملية قيام جبهة واسعة معارضة للانقلاب، وأن يسترجع من هربوا منه، وأن يخيف من عارضوه".
ولفت إلى أنه "باختطاف البحيري، الرجل الثاني في النهضة، فكّر في ترهيب أنصارها، معتقداً أنه سيربك عملية التحشيد ليوم 14 يناير"، بحسب قوله.
رئيس المكتب السياسي لـ"ائتلاف الكرامة": ندوة وزير الداخلية فضيحة
من جانبه، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحزب "ائتلاف الكرامة" يسري الدالي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن الندوة الصحافية لوزير الداخلية "فضيحة بأتم معنى الكلمة من الناحية الشكلية ومن حيث المضمون، حيث خرج الوزير ليعلمنا بأنه يواصل تجاوز القانون والدستور، وينصب نفسه مكان القضاء، فعندما لم تستجب وزيرة العدل والنيابة العمومية لمطلبه، أقدم بنفسه على اختطاف البحيري".
وتابع الدالي أن "الحجج التي قدّمها الوزير واهية، وفيها تضارب وتداخل وغموض"، مشيراً إلى أنه "ظن أن الندوة مخصصة لتقديم استقالته عند الوهلة الأولى من فرط حديثه عن التدخل السياسي في الشأن الأمني، ورفضه لهذا التدخل".
وبيّن المتحدث أن "الرسالة واضحة، وهي ترهيب التونسيين وقمعهم، وتخويف كلّ من يحاول النزول إلى الشارع في 14 يناير، وكلّ من يقاوم الانقلاب ويقف ضده، وكلّ من يعبر عن رفضه لما تقوم به سلطة الانقلاب".
وشدد على أن "ما وقع مع البحيري هي محاولة لضرب الدولة، والبرلمان هو جزء من الدولة، وتهديد لكلّ من يدافع عن الشرعية باعتباره ضد الشرعية، ويستعمل السلطة التنفيذية المتمثلة في الأمن والدفاع".
ولفت إلى أن "هذا يُعدّ اعتداءً صارخاً وإجراماً في حق الشرعية، وكل ما يقوم به خارج القانون والشرعية الدستورية، وهم بصدد اغتصاب الحياة السياسية وتسميمها".
إلى ذلك، اعتبر المحامي والقيادي بـ"حركة النهضة" سامي الطريقي أن "وزير الداخلية قام في ندوته الصحافية بتبرئة البحيري من التهم التي لاحقته"، قائلاً عبر صفحته على "فيسبوك": "تفضل وزير الداخلية مشكوراً بالتصريح ببراءة البحيري من جميع التهم التي لاحقته والمتعلقة بوضع جهاز القضاء تحت إمرته"، وما نسب إليه حول أن ثروته طائلة، وتُقدّر بألف و500 مليار.
من جانبه، قال المحامي عضو هيئة الدفاع عن البحيري العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني إن "ما جاء على لسان وزير الداخلية خلال الندوة الصحافية أمس، يعكس محاولته تحريض قوات الأمن على المحامين وعلى هيئة الدفاع، رغم أن تصرف وسلوك الدفاع كان مسؤولاً". وتابع الكيلاني في تصريح صحافي، أنه "ليس من دور وزير الداخلية أن يعلمنا كمحامين طريقة التصرف والسلوك".
وفي رده على تلميح الوزير بتتبعه من قبل القضاء العسكري بتهم تحريض الأمنيين على العصيان، وحديثه عن محاسبته بمقتضى المجلة العسكرية، قال الكيلاني "أنا متمسك بكل ما قلته، وخلافاً لما يزعمه وزير الداخلية، فما توجهت به هو تحسيس للأمن الجمهوري الذي يجب أن يكون على مسافة من كل الأطراف، ودعوته لعدم تطبيق الأوامر المخالفة للقانون، لما فيها من تبعات قانونية، وأنا أعتز بما قلت لأنه في صميم الدفاع عن دولة القانون".
في مقابل ذلك، قال النائب والقيادي بحزب "تحيا تونس" وليد الجلاد، على حسابه بـ"فيسبوك": "أمنيتي أن يكون كلام وزير الداخلية صحيحاً وتؤكده السلطة القضائية، وخلاف هذا أصبحنا في اللادولة وعلى أبواب الفوضى. ربي يحمي بلادنا".
وفي السياق، عبّر الصحافيون التونسيون عن استيائهم من عدم تمكينهم من طرح الأسئلة على وزير الداخلية، الذي اقتصر مؤتمره على تقديم القرارات المتخذة دون فتح المجال للتفاعل معه.
إضراب الجوع يقترب من طي أسبوعه الثاني
إلى ذلك، شارف إضراب الجوع في تونس، الذي تنفذه مجموعة شخصيات ونواب وحقوقيون، على طي أسبوعه الثاني، بمرور 13 يوماً على انطلاقته في مقر حزب "حراك تونس الإرادة" بالعاصمة، والذي يشارك فيه أيضاً الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي من مقر إقامته في باريس.
وأعلن المضربان عن الطعام عز الدين الحزقي (78 عاماً)، وأحمد الغيلوفي، أمس الإثنين، تعليقهما إضراب الجوع بطلب من الأطباء، مع مواصلة الاعتصام ومساندة المضربين، فيما دخل المستشار السياسي الأسبق وعضو "حراك مواطنون ضد الانقلاب" عبد الرؤوف بالطبيب على خط إضراب الجوع عوضاً عنهما، بينما نقل المضرب زهير إسماعيل، أمس الأول، للمستشفى لإجراء فحوصات معمقة، بسبب تدهور صحته.