شكلت نتائج الانتخابات العامة في المجر "صدمة" لأوروبا، بعدما حقق حزب رئيس الوزراء القومي المحافظ فيكتور أوربان (58 سنة)، فوزاً كبيراً في انتخابات الأحد، بينما لم يحصل تحالف الأحزاب المعارضة سوى على نحو 35 في المائة.
وحصد حزب "فيديز" القومي، الذي ينتمي إليه أوربان، نحو 53 في المائة، وسيحصل بذلك على 135 مقعداً في البرلمان من أصل 199.
ويتجه أوربان نحو الفوز برابع فترة على التوالي في الانتخابات التي جرت يوم الأحد، مع تأييد الناخبين طموحه إلى إنشاء دولة محافظة "غير ليبرالية" وتجاهل المخاوف بشأن علاقات بودابست الوثيقة مع موسكو.
الصدمة، كما سماها منافس أوربان على رئاسة الوزراء بيتر ماركي زاي (محافظ مدعوم من تحالف المعارضة من اليسار إلى اليمين)، لا تتعلق فقط بالداخل المجري، بل بالاتحاد الأوروبي، وعاصمة مقاره في بروكسل.
ولم يفوت فيكتور أوربان فرصة الفوز لتوجيه رسالته إلى الخارج بقوله: "لقد فزنا بانتصار كبير جدا بحيث يمكنك رؤيته من القمر، وبالتأكيد من بروكسل"، على ما نقلت صحيفة "هنغاريا اليوم" (هَنغري توداي).
رسالة أوربان إلى بروكسل تأتي على خلفية علاقة متوترة ومتصاعدة منذ نحو 8 أعوام، لأسباب تتعلق باتهامه بانتهاج سياسة تتعارض مع قيم وأسس قيام الاتحاد الأوروبي، من خلال سياسات "قومية مسيحية محافظة"، وتهم إلغاء الفصل بين السلطات، والهيمنة على وسائل الإعلام، واستخدام الموارد الأوروبية في تعزيز مركزة سلطته القومية المحافظة. وذلك يضع ساسة أوروبا أمام مزيد من المعضلات في التعاطي مع بلد أصبح حتى عند مؤسسة "فريدوم هاوس" خارج تصنيف "الديمقراطيات الليبرالية".
وإلى جانب ذلك، فإن نتائج انتصار أوربان تثير قلقا غربيا عاما بتحويل النموذج المجري في حكم القوميين المحافظين إلى حالة إلهام لغيرهم. فالمسألة تتعلق بانتعاش آمال معسكر عالمي ممتد من اليمين الأميركي إلى البرازيل وفرنسا وإيطاليا واسكندنافيا ودول أخرى في القارة العجوز، خصوصا مع تخطيطه للبقاء في السلطة حتى 2030، ما يشكل كابوساً سياسياً للغرب، ويعطي جرعة لاحتفاء أنصار معسكر اليمين القومي المتشدد.
رسالة أوربان إلى بروكسل كانت واضحة بقوله: "لقد انتصرت السياسات القومية الديمقراطية المسيحية، وعلينا أن نقول لبروكسل إن هذا ليس الماضي، بل المستقبل".
بالطبع لن تطرب أوروبا للرسالة، باستثناء ربما آذان المعسكر ذاته في فرنسا، الذاهبة نحو انتخاباتها الرئاسية مع نهاية الأسبوع المقبل.
الحرب الأوكرانية: تسريع التصادم
ما يقلق أوروبا من سياسات أوربان أن الرجل الذي يحكم قبضته على السلطة منذ 12 عاما، (مستعيدا تماما فوز 2010 بنسبة 53 في المائة)، أجرى تغييرات عميقة على المجتمع المجري ونظام الانتخابات والحكم، واستطاع هزيمة تحالف الأحزاب التي رفعت شعارات "وقف الحكم الاستبدادي وإعادة تأسيس الديمقراطية الليبرالية".
مرشح المعارضة ماركي زاي عبّر عن مرارة هزيمة المشروع المعارض بقوله: "أنا مصدوم مثل أي شخص آخر، ولا أريد إخفاء إحباطي".
ويبدو أن الزعيم الشعبوي في المجر، أوربان، هدف بالضبط إلى رسالة الإحباط تلك للقوى الأوروبية. فرغم الاتهامات التي أطلقتها المعارضة، والأصوات الأوروبية، عن تلاعبه بالعملية الانتخابية بشأن استخدام مليارات البلد للفوز، على شكل وعود ورواتب إضافية، يبدو أن الناخبين اقتنعوا بأن النمو الاقتصادي الذي تحقق وتراجع البطالة مستمر مع أوربان، رغم توقعات الاقتصاديين أن تسوء أوضاع المجر الاقتصادية مستقبلا.
وجاء الموقف الأوروبي من الحرب الروسية على أوكرانيا مسرّعا للتصادم بين بروكسل وبودابست.
ذهب أوربان، تحت عناوين قومية وسيادية، إلى رفض العقوبات الأوروبية على موسكو. وذلك التفرد لم يأت من فراغ، بل نتاج سنوات من تميز العلاقة بالكرملين. ففي الحملة الانتخابية الأخيرة، راح "فيديز" يشيع بين الناخبين أن "المعارضة (التي وصفها باليسارية) تخطط لإرسال جنود مجريين إلى أوكرانيا"، وفي السياق ذاته، اعتبر وزير الخارجية المجري بيتر زيغارتو أن الانتخابات هي "بين السلام والحرب".
وبسيطرة واضحة لأوربان على وسائل الإعلام استغل الرجل الحرب لإثارة أجواء خوف في المجر من الانخراط فيها. فقد ظل في حملته يكرر إلقاء اللوم على أوروبا في ارتفاع أسعار الطاقة، معتبرا أن "العقوبات الغربية" على روسيا تتسبب بضرر للمواطنين المجريين. فالتدخل في كبح ارتفاع أسعار البنزين والوقود وتقديم مساعدات مالية لهم، أظهرته كشخص حريص على مصالحهم.
تغريد أوربان خارج سرب حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي يوتر العلاقة بالأعضاء الثلاثة الآخرين في مجموعة "فيسغراد"، التي تضم التشيك وسلوفاكيا وبولندا، رغم أن وراسو المحكومة بحزب قومي شبيه بفيديز، هو حزب القانون والعدالة، تتفق معه في انتقاد "تدخل بروكسل" في شؤون دول شرق ووسط أوروبا.
نظرية المؤامرة، أو ما يسمونه "مخططا سريا"، أحد أهم أسلحة دعاية المعسكر القومي في المجر، ومصدرها من بين مصادر كثيرة، بروكسل، التي وللمفارقة تضخ الأموال إلى بودابست، بالرغم من اتهام نظامها السياسي بالسير بعيدا عن القيم الأوروبية الديمقراطية.
وبدت بروكسل عاجزة عن حسم موضوع العقوبات على المجر، بحجة عدم دفع الناخبين يمينا، بينما ومع واقع أن أوربان هيمن الآن على البرلمان، فربما تجد بروكسل نفسها مضطرة إلى اتخاذ مواقف عقابية أخرى.
ذلك كله لا يخفف من تسويق أوربان لدعاية أنه انتصر على مراكز قوة دولية كبيرة، مضيفا أن "كل سنت قدموه لليسار كان بمثابة أموال ضائعة. ويبدو أن اليسار المجري كان أسوأ استثمار في حياة العم جيوري" (في إشارة إلى الملياردير الأميركي المجري من أصل يهودي جورج سوروس).
وتتعرض بودابست لانتقادات دائمة بسبب ما تقول عنه منظمات حقوقية إنه "انتهاك لحقوق الأقليات والمهاجرين". ورغم عدم استقبال المجر للاجئين، الذين عبروا منها في 2015 نحو الغرب والشمال، ظل المجريون يتلقون جرعات زائدة تخوف من هؤلاء. هذا إلى جانب سوء أوضاع الأقليات، بمن فيهم الغجر وغيرهم من الأقليات الدينية.
ويعتبر أوربان تلك الانتقادات بمثابة دليل آخر على "المؤامرة" التي يشترك فيها "اليسار بدعم سوروس والبيروقراطيون في الاتحاد الأوروبي ووسائل الإعلام الأجنبية"، بحسب خطابه الذي نشرته وسائل إعلام مجرية وأوروبية.
في نهاية المطاف، فإن رسالة الفوز التي وجهها أوربان، فجر اليوم، ذهبت أكثر نحو الخارج، وخصوصا أوروبا، بتمني أن تكون على نموذجه نفسه مستقبلا بقوله: "سيكون هذا مستقبلنا الأوروبي المشترك"، ومعتبرا أن نتائج الانتخابات منحة من الرب وتعبير عن الدفاع عن استقلال المجر وحريتها.