شهدت الساعات الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري، اليوم السبت، إقبالاً ضعيفاً من الناخبين للإدلاء بأصواتهم في محافظات المرحلة الأولى، فيما تورط أنصار المرشحين عن حزب "مستقبل وطن"، المدعوم من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في العديد من انتهاكات للعملية الانتخابية، مثل حثّ المواطنين على الانتخاب عبر مكبرات الصوت، وتوفير وسائل مواصلات لنقلهم إلى اللجان مصحوبة بدعاية الحزب.
ورصد "العربي الجديد" حالة من ضعف الإقبال في أغلب لجان محافظة الجيزة، وحضوراً مكثفاً من أنصار مرشحي "مستقبل وطن" عن المقاعد الفردية على أبواب اللجان، لحث المواطنين على التصويت لصالحهم، وكذلك لصالح "القائمة الوطنية" التي يقودها الحزب عن مقاعد القائمة، وسط مباركة من قوات الجيش والشرطة التي تتولى مهمة تأمين اللجان من الخارج.
كذلك ظهرت بوضوح محاولات "مستقبل وطن" لحشد كبار السن والنساء والأقباط في مواجهة ضعف الإقبال، لا سيما في المناطق الشعبية، والمكتظة بالسكان في محافظة الجيزة، مثل الوراق وإمبابة وبولاق الدكرور والعمرانية والهرم، مقابل الحصول على شنطة بلاستيكية تحوي سلعاً تموينية، أو مبالغ مالية تتراوح بين 50 و100 جنيه (بحسب المنطقة).
من جهته، أدلى رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، بصوته في إحدى لجان مدينة الشيخ زايد بالجيزة، داعياً جموع المصريين إلى المشاركة الفعالة في هذا الاستحقاق الدستوري، والذي يأتي في ظل "مناخ ديمقراطي" تتمتع به مصر، و"يضمن إعطاء الأصوات الانتخابية بحرية لمن يستحقون تمثيل الشعب المصري"، على حدّ زعمه.
وحرص مدبولي على الاطمئنان على تطبيق الإجراءات الاحترازية في لجان الاقتراع للوقاية من فيروس كورونا، قائلاً إنه "بعد إتمام انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، يكون البرلمان المصري قد اكتمل بغرفتيه، لتؤديا دورهما جنباً إلى جنب، الأمر الذي من شأنه تدعيم القاعدة الديمقراطية، وإثراء الحياة النيابية في مصر".
كذلك أدلى مفتي الديار المصرية، شوقي علام، بصوته في مدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، مدعياً أن واجب المشاركة في الاستحقاقات الديمقراطية، ومنها انتخابات مجلس النواب، نابع من الحب للوطن، والانتماء إليه، و"الذي لم يسمح في وقت من الأوقات لإرادة الشر أن توقف مسيرته، أو أن تملي عليه شروطها، حتى في أحلك الأوقات، وأقسى الظروف"، وفق قوله.
ويُنتخب نصف عدد أعضاء مجلس النواب على النظام الفردي، والنصف الآخر على نظام "القوائم المغلقة المطلقة"، الذي يُهدر نحو 49% من أصوات الناخبين، وذلك وسط إجراءات تأمينية مشددة اتخذتها قوات الجيش والشرطة، بدعوى "مواجهة أي محاولات تخريبية من أنصار جماعة الإخوان لإفساد العرس الديمقراطي".
وتقتصر المنافسة في انتخابات مجلس النواب على قائمة واحدة فقط في مواجهة قائمة النظام المعروفة بـ"القائمة الوطنية من أجل مصر" في كل دائرة انتخابية، ففي قائمة الجيزة ومحافظات الصعيد يخوض تحالف "نداء مصر" المنافسة في هذه الانتخابات الصورية، والذي يشرف عليه طارق زيدان، أحد الناشطين المقربين من المؤسسة العسكرية، والتي دفعت به إلى المشهد السياسي خلال الأحداث التالية لثورة 25 يناير.
وزيدان اتهم منذ سنوات في عدد من القضايا المالية المخلة بالشرف، ويروج لقائمته من خلال حملات إلكترونية مدفوعة الأجر، يفتخر فيها بحصوله على شهادة تقدير من المخابرات المصرية، لدوره "الوطني" في أحداث اقتحام مقر جهاز "أمن الدولة" السابق في ضاحية مدينة نصر بالقاهرة.
وتضم "القائمة الوطنية" في الجيزة العديد من الأسماء "سيئة السمعة"، مثل ضابط الشرطة السابق المتهم في قضايا تعذيب، والذي تدور حوله شبهات بشأن اتجاره في الآثار، علاء عابد، وأحد أبرز تجار السلاح في مناطق الصعيد، هشام الشعيني، ووالدة المخرج محمد سامي المتزوج من الفنانة مي عمر، صبورة السيد، والمتورطة في قضية رشوة شهيرة على خلفية ملكيتها لمدارس "طيبة الدولية للغات".
وتجرى انتخابات مجلس النواب على مدار يومي السبت والأحد في 14 محافظة مصرية كمرحلة أولى، وهي: الجيزة، والفيوم، وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، والوادي الجديد، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، والإسكندرية، والبحيرة، ومطروح، في حين تجرى خلال يومي 7 و8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في 13 محافظة، منها العاصمة القاهرة.
وقيدت الهيئة الوطنية للانتخابات نحو 63 مليون مصري بقاعدة بيانات الناخبين، مع اتخاذ إجراءات تعقيم كل مركز اقتراع ولجنة قبل بدء الانتخاب وبعده خلال يومي التصويت في مواجهة تفشي وباء كورونا، وهو ما كلف موازنة الدولة أموالاً باهظة تناهز المليارات الأربعة، بالنسبة لانتخابات مجلسي الشيوخ والنواب معاً، لا سيما مع ارتفاع قيمة بدلات القضاة، حيث تجرى هذه الانتخابات بمشاركة 18 ألف قاضٍ، ومساعدة 120 ألف موظف.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر قد شهدت تفاعلاً كبيراً ليلة الانتخابات، بعد تداول مقطع صوتي للإعلامي المؤيد للنظام عبد الرحيم علي، مالك موقع "البوابة نيوز" الإخباري، والمرشح في الانتخابات عن دائرة الجيزة والدقي والعجوزة، يهاجم فيه السلطة الحاكمة والسيسي، في مكالمة هاتفية مع المستشار ماجد منجد، زوج ابنته السابق.
وتحدى علي القانون، بقوله: "القانون ده يمشي عليهم، أما أنا فأطلع اللي عندي، وأحبسهم كلهم"، مستطرداً "أنا فوق القانون، ورئيس الجمهورية نفسه ماعرفش يوديني للنيابة العامة... وأحلف بالطلاق عبد الفتاح السيسي مايعرفش يوديني للنيابة... ومدير المخابرات العامة جالي لحد البيت علشان يصالحني!".
كذلك انتشر مقطع فيديو لأمين حزب "مستقبل وطن" في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، إبراهيم عجلان، يقول فيه إن "الحزب هو استنساخ للحزب الوطني (الحاكم إبان عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك)"، مضيفاً أن "حزب مستقبل وطن يمتلك قوة ونفوذاً كبيراً لدى كافة المسؤولين في الدولة".
وزاد عجلان، قائلاً: "اللي بينزل ينتخب بيستخير ربه عشان يشوف مين اللي هايقدر يخدمه... ومستقبل وطن النهارده هو مستقبل البلد دي، وهو الحزب الحاكم زي ما كان زمان الحزب الوطني... ونائب الحزب بيدخل على أي وزير بيخلص مصلحته، وجميع الأجهزة في الدولة بتخدم عليه"، على حسب تعبيره.
وسارع حزب "مستقبل وطن" إلى إصدار بيان رسمي رداً على المقطع، قال فيه: "تلاحظ تداول مقطع فيديو لأحد القيادات الشعبية في محافظة البحيرة، وهو يتحدث عن انتخابات مجلس النواب، وتصوراته الخاصة عن حزب مستقبل وطن، حيث قامت اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان، والموالون لها، ببذل جهد كبير في ترويج هذا المقطع، ومحاولة إلصاق صفة حزبية بالمتحدث".
وأضاف الحزب: "المتحدث في المقطع لا يحمل أي صفة حزبية، ومستقبل وطن لا يسعى لأن يكون شبيهاً بأية أحزاب، لا في الشكل أو في الأداء السياسي، بل إنه يرفض تماماً أن يُعاد إنتاج أشكال وأساليب سياسية قديمة، في ضوء حرصه على مصلحة مصر وشعبها... وأن يكون أكثر انفتاحاً، ودعماً لكافة الأحزاب لممارسة حياة سياسية وديموقراطية سليمة، بعيدة كل البعد عن أي مغالبة سياسية، أو انفراد بالسلطة"، وفقاً لمزاعمه.
وسبق أن كشفت مصادر متطابقة في الجمعيات الأهلية المصرية لـ"العربي الجديد"، أن حزب "مستقبل وطن" خاطب جميع الجمعيات في المحافظات بشكل رسمي، من أجل طلب قوائم الفقراء والمستفيدين في كل جمعية خيرية، والاستحواذ على صور بطاقاتهم الشخصية، ما يعزز الشكوك بشأن نوايا تزوير انتخابات مجلس النواب الجارية.
وأفادت المصادر بأن "المسؤولين عن نحو 45 ألف جمعية تلقوا تهديدات من المرشحين عن الحزب، تشمل التضييق والغلق، في حال عدم تسليم بيانات وبطاقات المستفيدين من خدماتها، فضلاً عن إلزام كل جمعية بتوفير حافلتين لنقل 100 ناخب على الأقل من المسجلين في دفاترها في كل مرحلة انتخابية".