حقّق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، أكبر نصر له على الأرجح، منذ خسارته الانتخابات الرئاسية لصالح جو بايدن، في 2020، مع فقدان النائبة الجمهورية المعارضة له، والتي تعتبر من ألدّ أعدائه داخل الحزب، ليز تشيني (ابنة ديك تشيني)، مقعدها في مجلس النواب عن ولاية وايومينغ، والذي تشغله منذ 2017، في الانتخابات التمهيدية للحزب والتي تسبق الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتمنح خسارة تشيني، ابنة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، والتي لعائلتها حضور سياسي عريق في الولاية، دفعاً قوياً لترامب، ولأنصاره ومؤيديه داخل الحزب الذي انحاز كثيراً إلى أقصى اليمين منذ وصول ترامب إلى السلطة في 2016.
كما تهز خسارة تشيني العصا، لأي جمهوري قد يفكر مجدداً بانتقاد الرئيس السابق، الذي تمكن كما يبدو من الانتقام من فرقة الجمهوريين المتواضعة جداً داخل مجلس النواب، والتي صوّتت خصوصاً لصالح عزله بقضية اقتحام أنصاره مقر الكونغرس في يناير/كانون الثاني 2021؛ إذ إن اثنين فقط من أصل النواب الجمهوريين العشرة المعارضين لترامب في المجلس، لا يزالان صامدين بعد خسارة تشيني، هما دافيد فالاداو ودان نيوهاوس.
إطاحة ليز تشيني: المعتدلون ينقرضون في الحزب
وجاءت خسارة تشيني، بفارق كبير، لصالح المحامية المدعومة من ترامب، هارييت هيغيمن، في وايومينغ، في وقت يواجه الرئيس السابق إحدى أكثر القضايا خطورة ضدّه، منذ خسارته الانتخابات.
خسرت تشيني أمام المحامية المدعومة من ترامب هارييت هيغيمن
ففيما من المقرر أن تحلّ اللجنة النيابية التي تحقق في دور ترامب المحتمل في تحريض أنصاره على اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، لمنع المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة، نفسها، مع نهاية العام الحالي، إلا أن الرئيس السابق الذي تدور تكهنات حول عزمه الترشح للرئاسة مرة ثانية، يواجه قضية أكثر خطورة، قد تؤدي إلى إدانته، ومنعه من الترشح لأي منصب سياسي بعد الآن. وتتعلق القضية باحتفاظ ترامب بوثائق رئاسية في منزله الخاص بعد مغادرته الرئاسة، في خرق للقانون الذي يقتضي تسليمها للأرشيف الوطني.
وكانت خسارة تشيني، أمام هيغيمن، محسومة منذ أسابيع عدة، بحسب استطلاعات الرأي، لكن النائبة الجمهورية راهنت على إحباط قد يصيب قاعدة ترامب في الولاية، بعد المداهمة، وحماسة المؤيدين لها في المقابل، بالإضافة إلى تسجيل واسع لناخبين ديمقراطيين لصالحها، لم يسعفها كما يبدو. وبحسب معهد إديسون، فقد تقدمت هيغيمن التصويت، بـ66 في المائة من أصوات الناخبين، فيما حصلت تشيني على 28.9 في المائة.
تحقيقات "أف بي آي" لا تضعف ترامب
وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) اقتحم منزل ترامب في ولاية فلوريدا، في 9 أغسطس/آب الحالي، حيث صادر عملاؤه وثائق احتفظ بها الرئيس الجمهوري السابق بمنزله. لكن هذه القضية، التي تأخذ بعداً سياسياً استثنائياً اليوم في الولايات المتحدة، ويواجهها للمرة الأولى رئيس أميركي سابق، لم تؤثر كما بدا في توجهات الناخبين الجمهوريين في وايومينغ. والولاية هي إحدى الولايات الحمراء التي تصوت تقليدياً للجمهوريين، ومنحت ترامب فوزاً كبيراً على بايدن (بفرق حوالي 40 نقطة) في انتخابات الرئاسة قبل عامين.
وعاقب الناخبون الجمهوريون، كما يبدو تشيني، على مواقفها المعادية لترامب، وتصويتها أولاً في الكونغرس لصالح عزله، بقضية اقتحام الكونغرس، ثم انضمامها إلى اللجنة النيابية التي شكّلتها رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، للتحقيق في دور ترامب بالتحريض على الاقتحام.
وتتألف اللجنة من 9 نواب: اثنان منهم فقط يمثلان الحزب الجمهوري، بعدما رفض رئيس الأقلية الجمهورية في المجلس كيفن ماكارثي عمل اللجنة، ولم يسم أياً من الأسماء الجمهورية للانضمام إليها. وحدها تشيني، والنائب الجمهوري الآخر آدم كيسينغر، قرّرا الانضمام إلى اللجنة. وكان كيسينغر، من ناحيته، قد أعلن في وقت سابق، عدم رغبته في الترشح لدورة نيابية جديدة، قائلاً إن الأجواء السياسية في واشنطن أصبحت "موبوءة" جداً.
لكن تشيني التي يشاع أنها تطمح للترشح للرئاسة في 2024، حتى لو كمستقلة، تعهدت أول من أمس، في خطاب إقرار الهزيمة، "فعل كل ما يلزم" لكي لا يُنتخب ترامب رئيساً مجدّداً. وأضافت: "لقد قلت منذ 6 يناير 2021، إنني سأفعل كل ما يلزم لضمان ألا يقترب دونالد ترامب مجدّداً من المكتب البيضوي، وأنا أعني ذلك". وأكدت مساء الثلاثاء أن يدها ممدودة إلى "الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلّين"، مضيفة: "فلنتعهد بناء جبهة موحدة ضد كل من يريدون تدمير جمهوريتنا".
تمكنت السيناتورة الجمهورية ليزا موركوفسكي، المعارضة أيضاً لترامب، من التقدم للمنافسة في انتخابات نوفمبر
من جهته، سارع ترامب إلى الترحيب بهزيمة عدوّته. وكتب على "تروث سوشل"، شبكة التواصل الاجتماعي التي أسّسها، أنه يتعين على تشيني "أن تخجل من نفسها، من الطريقة التي تتصرف بها". وأضاف: "الآن، يمكنها أخيراً أن تقع في غياهب النسيان السياسي". وكان ترامب قد توعد مراراً في السابق بإنهاء حياة تشيني السياسية، نظراً لمواقفها المعادية له، ووضع كل ثقله وراء منافستها هيغيمن، التي رافقها في حملتها الانتخابية نهاية مايو/أيار الماضي.
أما هيغيمن، التي تؤمن بنظرية "سرقة" الانتخابات التي روّج لها ترامب بعد خسارته أمام بايدن، فاعتبرت في تصريح لشبكة "فوكس" الإخبارية إثر فوزها، أن تشيني خسرت "لأنها ركّزت على هوسها بدونالد ترامب، لكن سكاّن وايومينغ، وناخبيها، أرسلوا رسالة قوية جداً بالانتخابات".
وبحسب تعبير صحيفة "واشنطن بوست" أمس، في مقال حول انتخابات وايومينغ، فقد هزّت تشيني العصا، لكل الجمهوريين الذين قد يفكرون في انتقاد ترامب. وقالت الصحيفة، إن خسارة تشيني، أمام هيغيمن، تعيد التذكير بكل الجمهوريين- ومن بينهم نائب ترامب السابق، مايك بنس- الذين إما أبدوا دعمهم القوي لترامب بقضية الوثائق ومداهمة "أف بي آي"، أو التزموا الصمت، حفاظاً على رؤوسهم في أي من الاستحقاقات الانتخابية أو السياسية المقبلة.
وفي مقابل خسارة تشيني، تمكنت السيناتورة الجمهورية ليزا موركوفسكي، المعارضة أيضاً لترامب، من التقدم للمنافسة في انتخابات نوفمبر، بعدما انتقلت والمرشحة المدعومة من ترامب، كيلي تشيباكا، إلى مرحلة جديدة مقبلة من التصويت في انتخابات بولاية ألاسكا، تجري لاختيار 4 مرشحين عن كلا الحزبين، للمنافسة في الانتخابات النصفية، يكونون قد حلّوا في المراتب الأربعة الأولى في انتخابات تمهيدية. كما تمكنت الجمهورية سارة بالين، المدعومة من ترامب، من التقدم أيضاً للمنافسة على المقعد الوحيد للنواب في الولاية.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)