انتخابات جزئية في المغرب: استفتاء على الثقة بالحكومة

20 يوليو 2022
قيادة "العدالة والتنمية" الذي حل ثامناً بانتخابات سبتمبر الماضي في امتحان جديد (فرانس برس)
+ الخط -

يتوجه الناخبون المغاربة، يوم غد الخميس، إلى صناديق الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تشريعية جزئية في 3 دوائر انتخابية، في وقت تبدو فيه محطة 21 يوليو نزالاً انتخابياً برسائل سياسية بين أحزاب الأغلبية الحالية (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) وأحزاب المعارضة.

وبينما تحبس الأحزاب المشاركة في النزال الانتخابي الجديد أنفاسها، قبل ساعات من انتهاء الحملة الممهدة للانتخابات التشريعية الجزئية، تبدو المنافسة على أشدها للظفر بستة مقاعد في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) موزعة على الشكل التالي: دائرة الحسيمة (شمال شرقي البلاد) أربعة مقاعد، ودائرة مكناس (وسط) مقعد واحد، ودائرة مديونة (جهة الدار البيضاء) مقعد واحد. 

وكان مرسوم لرئيس الحكومة صدر بالجريدة الرسمية في 2 يونيو/ حزيران الماضي حدد تاريخ 21 يوليو/ تموز الحالي موعداً لإجراء انتخابات جزئية لملء خمسة مقاعد شاغرة بمجلس النواب برسم الدائرتين الانتخابيتين المحليتين الحسيمة ومديونة، بعد قرار المحكمة الدستورية القاضي بإلغاء انتخاب نورالدين مضيان (حزب الاستقلال) وبوطاهر البوطاهري (التجمع الوطني للأحرار) ومحمد الحموتي (الأصالة والمعاصرة) ومحمد الأعرج (الحركة الشعبية) أعضاء بمجلس النواب في الدائرة الانتخابية المحلية الحسيمة.

كما أمرت المحكمة بتنظيم انتخابات جديدة بالدائرة مديونة، بعد إلغاء انتخاب هاشم أمين الشفيق عضواً بمجلس النواب، وفي دائرة مكناس بعد إلغاء انتخاب بدر الطاهري عن حزب التجمع الوطني للأحرار.

حملة انتخابية باهتة

ومنذ انطلاقها في الساعة الأولى من يوم الجمعة 8 يوليو/ تموز الحالي، بدت الحملة الانتخابية المنتظر أن تنتهي اليوم الأربعاء في الساعة الثانية عشر ليلاً، باهتة وخجولة، إذ اكتفى المرشحون بعقد لقاءات مع رؤساء وأعضاء الجماعات الترابية (بلديات، مجالس جهوية... وغيرها) في محاولة لحشد دعم تصويت المواطنين لصالحهم. في حين حاول الأمناء العامون للأحزاب المتنافسة النزول بكل ثقلهم في الساعات الأخيرة للحملة في محاولة لدعم مرشحيهم وإعطاء بعض الزخم للحملة.

وإلى جانب انشغال المواطنين بالإجازة الصيفية، وقبلها بإجازة عيد الأضحى، كان لتخوف عدد من المرشحين من تعرضهم للطعن في انتخابهم بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية أثر كبير في إحجامهم عن عقد تجمعات كبيرة.

وتنص دورية وزارة الداخلية المتعلقة بتنظيم الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية على "عدم تجاوز التجمعات والأنشطة في الفضاءات المغلقة والمفتوحة أكثر من 25 شخصاً، مع إلزامية الحصول على ترخيص من لدن السلطات المحلية في حالة تجاوز هذا العدد، وعدم السماح بتنظيم التجمعات الانتخابية في الفضاءات المفتوحة التي تعرف حركية مكثفة واكتظاظاً يصعب معه فرض احترام التدابير الاحترازية".

كما تشترط هذه الدورية ارتداء الكمامة، واحترام التباعد الاجتماعي في كل الأنشطة المرتبطة بالحملة الانتخابية.

ويتوقع مراقبون أن تكون نسبة المشاركة في انتخابات الغد متدنية، بسبب تزامن إجراء الانتخابات التشريعية الجزئية مع الإجازة الصيفية، ولأنه في ظل خفوت الحماسة والمواجهات الحزبية والسياسية، لا يكاد المواطن العادي يلمس وجود مظاهر قوية ودالة لهذه الانتخابات.

تبدو دائرة الحسيمة ساحة لـ"معركة سياسية" بين سبعة مرشحين لكسب أصوات الناخبين، اعتماداً على معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية خاضعة للتغيير وعلى ثقلهم السياسي بوصفهم قيادات بارزة

دائرة الموت

مع بدء العد التنازلي للصمت الانتخابي في الدوائر الانتخابية الثلاث، تعد دائرة الحسيمة بسباق محموم للظفر بالمقاعد المخصصة لها، وصل إلى حد تصنيفها في خانة "دوائر الموت"، بالنظر إلى طبيعة المرشحين المتنافسين، ورهانات وانتظارات قيادات الأحزاب التي نزلت بكل ثقلها لتحقيق نصر انتخابي على خصومها السياسيين.

وتبدو دائرة الحسيمة ساحة لـ"معركة سياسية" بين سبعة مرشحين لكسب أصوات الناخبين، اعتمادا على معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية خاضعة للتغيير، وأيضاً على ثقلهم السياسي بوصفهم قيادات بارزة في أحزابها، وكذلك لكون أربعة أسماء منها كانت قد ظفرت بمقاعدها في تشريعيات 2021.

وهؤلاء الأربعة هم نورالدين مضيان، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ورئيس كتلتها النيابية، وبوطاهر البوطاهيري القيادي في التجمع الوطني للأحرار، ومحمد الحموتي القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، بالإضافة إلى محمد الأعرج وزير الثقافة السابق وعضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية.

وفي وقت تبدو فيه المنافسة قائمة بين المرشحين الأربعة ومرشحيّ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الحق أمغار، وحزب العدالة والتنمية نبيل الأندلوسي، تتجه الأنظار إلى دائرة مكناس التي ستعرف اصطداماً قوياً حول المقعد النيابي الشاغر بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، الذي تحظى مرشحته صوفيا الطاهري بدعم قوي من التحالف الثلاثي المكون من أحزاب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الدستوري، التي التزمت بعدم تقديم أي مرشح من قياداتها أو دعم مرشح آخر من خارج هذا التحالف.

لزرق: لا تأثير للانتخابات الحالية من الناحية العددية على الأغلبية الحكومية لكونها تملك أغلبية عددية مريحة في مجلسي النواب والمستشارين

رهانات سياسية 

ورغم طابعها الجزئي، الذي لا يغير في خريطة البرلمان المنبثق عن تشريعيات الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أنها تبقى محطة برهانات سياسية بالنسبة لأحزاب الأغلبية المشكّلة من "التجمع الوطني للأحرار"  و"الأصالة والمعاصرة" و" الاستقلال"، ولأحزاب المعارضة خاصة "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"العدالة والتنمية".

وفي السياق، يرى أستاذ للقانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق أن "لا تأثير للانتخابات الحالية من الناحية العددية على الأغلبية الحكومية، لكونها تملك أغلبية عددية مريحة في مجلسي النواب والمستشارين"، لافتاً إلى أنه في المقابل "تحمل انتخابات الغد من الناحية السياسية دلالات  كبرى لكونها تحمل رسائل سياسية بالنسبة للأغلبية الحكومية، وخاصة التجمع الوطني للأحرار".

ويوضح لزرق أن الانتخابات الجزئية تعتبر محطة استفتاء على الثقة في الحكومة والمساندة لها، خاصة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة نتيجة أزمة الغلاء والسخط الشعبي التي تعرفها الفئات الاجتماعية، معتبراً، في تصريحات لـ" العربي الجديد "، أن خسارة الأغلبية الحكومية يعني افتقادها للسند الشعبي.

وبرأي لزرق، فإن رهان الأغلبية الحكومية على هذه الانتخابات هو "رهان سياسي بالدرجة الأولى، مقابل رهان المعارضة عليها لبعث رسائل سياسية مضمونها عودتها كبديل للأحزاب الحكومية، ورسائل شعبية بأن الحكومة الحالية تفتقد للسند الشعبي".

من جهة ثانية، تشكل الانتخابات الجزئية امتحاناً للقيادة الجديدة القديمة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي ممثلة في شخص الأمين العام عبد الإله بنكيران، صانع مجد الحزب الانتخابي في تشريعيات 2011 و2016، ومدى قدرتها على الظفر بمقعد على الأقل في دائرتي الحسيمة ومكناس.

وبينما تحاول القيادة الجديدة لملمة الصفوف وتجاوز نكسة الثامن من سبتمبر الماضي، التي جعلت الحزب يهوي من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثامنة، تبدو المهمة صعبة، بل مستحيلة من ناحية تحقيق اختراق انتخابي جراء مواجهة مرشحي الحزب لتحالف الأغلبية الحالية الذي يدعم مرشحة التجمع الوطني للأحرار، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، في انتخابات دائرة مكناس، ولمنافسة الأعيان ومرشحين أقوياء في دائرة الحسيمة التي توصف في هذه الانتخابات بـ"دائرة الموت".

وكان حزب التجمع الوطني للأحرار قد حصل في تشريعيات الثامن من سبتمبر الماضي على المرتبة الأولى بـ102 مقعد، متبوعاً بالأصالة والمعاصرة بـ86 مقعداً، والاستقلال بـ81.

وفي المرتبة الرابعة، جاء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ35 مقعداً، ثم حزب الحركة الشعبية بـ29 مقعداً، بينما حصل حزب التقدم والاشتراكية على 21 مقعداً، يليه الاتحاد الدستوري بـ18 مقعداً، فيما حل العدالة والتنمية في ذيل الترتيب بـ13 مقعداً فقط.

المساهمون