بعد أسبوعين تُجري تايوان انتخابات ثلاثية في 13 يناير/ كانون الثاني المقبل، تتضمن انتخاب رئيس جديد ونائب للرئيس وكامل أعضاء مجلس اليوان (البرلمان) الـ113. وعشية هذه الانتخابات تتصدّر مسألة العلاقة مع الصين قائمة مواضيع الحملات الانتخابية، على وقع ابتعاد الأجيال الشابة في الجزيرة عن بكين، ورفضهم أي صلة بها، بما يعزّز احتمالاً وعكسه: ارتفاع نسب مؤيدي إعلان استقلال الجزيرة، في مقابل اشتداد العدوانية الصينية لضمّها بالقوة.
الانتخابات الرئاسية التايوانية
وتأتي الانتخابات الرئاسية التايوانية عقب أكثر من 15 شهراً من التوترات، التي بدأت عملياً في مطلع أغسطس/ آب 2022، بزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة، الديمقراطية نانسي بيلوسي، إلى الجزيرة، وما رافقها من استنفار عسكري صيني، تحوّل إلى عادة شبه يومية، عبر القيام باختراقات بحرية وجوية للعمق التايواني.
كما تجرى الانتخابات بعد نحو عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط 2022، واصطفاف تايبيه إلى جانب كييف، بل والتماهي معها، لدرجة صدور تقارير تشبّه الظروف الجيوبوليتيكة لتايوان بأوكرانيا.
3% من التايوانيين يصنّفون أنفسهم على أنهم صينيون
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية فإن التغيير في المزاج التايواني يظهر في استطلاعات الرأي، وحتى في حملة الحزب القومي المعارض (الكومينتانغ)، ذلك لأن الأخير، كان يتبنّى سابقاً الترويج لعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع الصين، لكنه في هذه الفترة بدأ بالابتعاد عنها.
و"الكومينتانغ" كان الحزب الحاكم لتايوان منذ الانفصال عن الصين الشيوعية في عام 1949، لكنه اعتمد نهجاً ديكتاتورياً في الجزيرة بقيادة تشيانغ كاي ـ شيك حتى وفاته عام 1975، وبعد مرحلة انتقالية في السلطة استمرت 3 سنوات، قام ابنه الرئيس، تشيانغ تشينغ ـ كوو، بتحويل البلاد إلى ديمقراطية، سامحاً بالتعددية الحزبية.
وتحولت تايوان بفضل هذه السياسة، إلى إحدى أبرز الدول الاقتصادية في آسيا، ولاحقاً إلى أهم مصدر لأشباه الموصلات، وموطن أكبر شركات صناعة رقائق الحاسوب في العالم، بحسب موقع "بلومبيرغ". وفي خضمّ هذه التبدلات، نشأ جيل تايواني متحرر من الإرث الصيني، ترجمه عملياً الحزب "الديمقراطي التقدمي"، الداعي للاستقلال عن بكين.
ومع أن تايوان لا تُعتبر دولة مستقلة، إذ لا يعترف باستقلالها سوى 13 دولة، ليس من بينها أي من الدول الدائمة العضوية (الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة)، حتى إن واشنطن، الحليف الأقوى لتايبيه، تعتنق سياسة "الغموض الاستراتيجي" في موضوع الدفاع عن الجزيرة حيال أي هجوم صيني عليها.
وبرز تأثير التحولات المؤيدة للاستقلال عن الصين لدى التايوانيين كبيراً، إذ اعتبر مرشح "الكومينتانغ" هو يو ـ إي، في حديثٍ لـ"وول ستريت جورنال"، أنه "لم يكن لدي أبداً فكرة غير واقعية عن موقف الصين تجاهنا"، في تبرير لموقف الحزب تاريخياً.
وأضاف هو، الذي كان قائداً للشرطة الوطنية التايوانية، أنه "لمواجهة خصم، يجب أن تكون قادراً على التفاوض من جهة، وتحتاج إلى القوة للقتال من جهة أخرى". ولكلامه سبب جوهري، إذ انخفضت نسبة الأشخاص في تايوان الذين يعرفون أنفسهم في المقام الأول على أنهم صينيون إلى أقل من 3 في المائة.
في المقابل، فإن مرشح الحزب "الديمقراطي التقدمي"، لاي تشينغ ـ تي، يبدو أكثر ثقة بالفوز، فعدا كونه نائباً للرئيسة تساي إنغ ـ وين، فإنه يتصدر استطلاعات الرأي. وبات الحزب أكثر جرأة في رفع شعارات استقلالية بشكل غير مباشر، سواء في نشر ملصقات دعائية لخريطة تايوان لا تظهر فيها الصين، أو في إحياء تجمعات انتخابية مرفقة بموسيقى "الكاونتري" الأميركية.
مع ذلك، قال لاي لـ"وول ستريت جورنال"، إن "تايوان هادئة نسبياً... الأسهم في البورصة ترتفع والجميع يعيشون حياة طبيعية". في هذه العبارات، إيحاء من لاي بأن تايوان غير منشغلة بمواقف غربية أو صينية تجاهها، وتتقصّد العيش بنمط روتيني هادئ. لكن لاي شدّد على التزامه الوضع الراهن الذي تم تأسيسه على مدى السنوات الثماني الماضية في عهد تساي، الذي يعتمد على تنمية علاقات اقتصادية وعسكرية أوثق مع الولايات المتحدة.
أجرت تايوان مناورات بهدف حماية الشواطئ التي تُعتبر الأكثر عرضة للغزو الصيني
وأوضح أنه "من أجل السلام العالمي والمنافع المتبادلة لجميع دول العالم، فإن تايوان مستعدة للتعامل مع الصين". وجاء كلامه بعد أيام من قول الرئيس الصيني شي جين بينغ، لكبار المسؤولين الصينيين، إن مهمة ضمّ تايوان "لا ينبغي أن تنتقل من جيل إلى جيل، وسنمنع بحزم أي شخص من جعل تايوان تنفصل عن الصين بأي وسيلة".
أما المرشح الثالث، فهو عمدة العاصمة تايبيه السابق (بين عامي 2014 و2022)، كون وين ـ جي، الذي اتخذ موقعاً وسطياً في العلاقات مع الصين. وقدّم كون نفسه مرشحاً معنياً بالملفات الاقتصادية، خصوصاً بما يتعلق بارتفاع أسعار الغذاء والمساكن وانخفاض الأجور.
مناورات في تايوان
في غضون ذلك، أظهرت خريطة نشرتها أسبوعية "نيوزويك" الأميركية، مساء الخميس، شواطئ تايوان المعرضة لأي غزو صيني محتمل. وكشفت عن مناورات أجرتها تايوان بهدف حماية الشواطئ التي تُعتبر الأكثر عرضة للغزو الصيني. ونقلت "نيوزويك" عن خبراء قولهم إنه للاستيلاء على تايوان واحتلالها بنجاح، ستحتاج الصين إلى أكثر من مليون جندي، وعشرات ملايين الأطنان من الإمدادات. ووفقاً لكتاب الباحث إيان إيستون "تهديد الغزو الصيني: دفاع تايوان واستراتيجية الولايات المتحدة في آسيا"، فقد يكون شهرا إبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول من كل عام المناسبتين الوحيدتين للصين للقيام بغزو، بسبب الأحوال الجوية الصعبة في الأشهر الباقية.