تبدو معادلة لا انتخابات بدون القدس التي تطرحها حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية وفصائل صغيرة هامشية متحالفة معها مستفزة ومريبة والغرض منها واضح يتمثل بتأجيل الانتخابات أو حتى إلغائها تماماً لأهداف حزبية فئوية ضيقة وهرباً من خوض المعركة السياسية والإعلامية الميدانية لفرض حضور المقدسيين في الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً رغماً عن إرادة الاحتلال وجبروته.
حركة فتح كانت قد عقدت، منتصف إبريل/ نيسان الجاري، اجتماعاً مع فصائل منظمة التحرير المتحالفة معها نتج عنه تبن رسمي لمعادلة لا انتخابات دون القدس، ما مثّل إعلان نوايا لا لبس فيه لإلغائها أو تأجيلها على الأقل، المعادلة التي تعبّر عن موقف القيادة المستبدة الانتهازي الفئوي الضيّق بدلاً من العمل الدؤوب والمثابر لإجرائها بمشاركة المقدسيين ترشيحاً وتصويتاً لتكريس هويتها العربية الإسلامية المسيحية في مواجهة حملات التهويد والاستيطان الإسرائيلية.
في الحقيقية بدت المعادلة مريبة منذ اليوم الأول، ورغم أنها طرحت على استحياء في البداية، إلا أن السيرورة تصاعدت بعد ذلك وباتت المعادلة مادة يومية للناطقين باسم السلطة وحركة فتح - والتابعين لها - إثر انقسام وتشظي الحركة انتخابياً إلى ثلاث قوائم متصارعة، إضافة إلى حضور عشرات الفتحاويين في قوائم مستقلة أخرى، وإصرار القيادي الأسير مروان البرغوثي على الترشح للانتخابات الرئاسية، ما يعني هزيمة مؤكدة لقائمة فتح الرسمية في الانتخابات التشريعية وللرئيس محمود عباس في الرئاسية، وبالتالي رحيله وفريقه وتابعيه عن المشهد السياسي.
من هنا بتنا أمام مسعي فتحاوي عباسي سلطوي علني ورسمي للتهرّب من الاستحقاق الانتخابي خوفاً من نتائجه، وكما العادة في المنظومات الاستبدادية يجري تبرير وتغطية الهزائم والتراجعات بالشعارات الوطنية البراقة، لذلك تم طرح شعار أو معادلة لا انتخابات دون القدس بحجة تكريس هويتها ورفض التساوق مع صفقة القرن التي أزيحت عملياً عن جدول الأعمال رغم بعض آثارها وتداعياتها، وأهمها طبعاً الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، علماً أن مواجهة تبعات الصفقة لا تتم بهذه الطريقة أي بعدم إجراء الانتخابات في المدينة لعدم موافقة الاحتلال على إجرائها كون المعادلة سيئة الصيت خاطئة وتثبيطية بامتياز، حسب تعبير مفتي الشعب الشيخ عكرمة صبري.
في نقض المعادلة من أساسها، وفضح خلفياتها، تجب الإشارة إلى أن فصائل منظمة التحرير التي شاركت في الاجتماع المذكور مع فتح هامشية ودون تأثير، وما كانت تستحق الوجود في المنظمة أصلاً لولا رغبة محمود عباس في تأميمها والهيمنة عليها، والفصائل التي عفا عليها الزمن جبنت حتى عن دخول الانتخابات خشية الهزيمة، بل الفضيحة المدوية كونها لا تستطيع منفردة أو مجتمعة تجاوز نسبة الحسم حتى بعد تخفيضها إلى 1.5 بالمائة دون أن يعني ذلك التقليل من تاريخها النضالي الوطني الذي بات من الماضي على أي حال.
المعطيات السابقة ترافقت كذلك مع غياب عمل سياسي وطني جامع جداً يفترض أن تقوده السلطة "التي تدعي شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني" لإجراء الانتخابات في القدس، ورغم المواقف الإيجابية لحماس وفصائل يسارية أخرى، منها الجبهتان الشعبيية والديمقراطية، وتأكيدها على أهمية الانتخابات بحد ذاتها، كما ضرورة عدم إعطاء الاحتلال الفيتو من حيث المبدأ على القرارات والمصالح الفلسطينية بشكل عام ومنطقياً هنا، وبحسابات بسيطة ومباشرة وإذا كانت الانتخابات تمثل مصلحة فلسطينية وهي كذلك فعلاً، والاحتلال يسعى لعرقلتها ومنعها على سبيل منع المصلحة الفلسطينية، فلا يمكن التسليم أو تمكينه من تحقيق أهدافه المتعارضة بالضرورة مع الأهداف الفلسطينية.
إلى ذلك ورغم مرور مائة يوم تقريباً على إصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات، لم تتم بلورة خطة عمل توافقية وطنية لفرض إجرائها في القدس، ما يعني أن النية كانت مبيتة لاستخدام ورقة المدينة المقدسة لتأجيل الانتخابات أو إلغائها عند الحاجة، رغم عقد جولتي حوار فلسطيني في القاهرة في ظرف شهر واحد – بداية شباط/ فبراير ومنتصف آذار/ مارس – ورغم التوافق على ضرورة وحتمية إجراء الانتخابات في العاصمة.
وعموماً ورغم ظاهرها المعقد، إلا أن مسألة الانتخابات تبدو أبسط مما يتم تصويرها أو على الأقل يمكن تفكيكها لوضعها في سياقها السياسي التقني الصحيح. وحسب اتفاق أوسلو والتجارب الانتخابية السابقة، يملك فقط 6300 مواطن فلسطيني حق الاقتراع في ستة مراكز بريد بالمدينة المقدسة، بينما تقترع الغالبية العظمى من فلسطينيي المدينة (150000) بمراكز اقتراع في الضواحي غير الخاضغة لبلدية الاحتلال والتي تعتبرها السلطة والفصائل جزءا لا يتجزأ من العاصمة الفلسطينية.
أما في ما يتعلق بالحل أو الحلول للدقة، فتتمثل بخوض نضال متعدد المستويات لإجرائها في المدينة من قبل قيادة السلطة والطبقة السياسية والمرشحين والجمهور بشكل عام.
بتفصيل أكثر، تمكن الإشارة إلى أن القدس حاضرة أصلاً في القوائم الانتخابية مع وجود 60 مرشحا عنها، معظمهم في أماكن مضمونة، وبإمكان هؤلاء، بل يجب عليهم، خوض معارك انتخابية ميدانية يومية – مدة الدعاية أصلاً ثلاثة أسابيع ابتداء من أول أيار/ مايو – من داخل القدس مباشرة أو عبر المنابر ووسائل الإعلام المختلفة خاصة وسائط التواصل الاجتماعي - الإعلام الجديد - في حال استمر الاحتلال في التضييق عليهم.
وإذا ما واصل هذا الأخير تعنته، فبإمكان الـ6300 مواطن التصويت في مراكز البريد حسب الاتفاقات الموقعة، وإذا تعذّر ففي مراكز أهلية فلسطينية أو حتى مؤسسات أممية أو بطريقة إلكترونية، والأهم هنا خوض المعركة السياسية والإعلامية والميدانية حتى يوم الانتخابات مع حث الغالبية العظمى من المقدسيين على التصويت في مراكز الاقتراع بضواحي المدينة المعترف بها وفق المعادلة الوطنية الفلسطينية.
قبل ذلك وبعده، يجب خوض معركة سياسية وإعلامية باتجاه المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات أو لتبرير خوض النضال العنيد لإجرائها، لا لتبرير تأجيلها أو إلغائها أمام القوى الدولية المؤثرة، كما تفعل قيادة السلطة فعلاً.
وعموماً، فإن ما تسرب عن وثيقة أو خريطة طريق وضعها أسرى حركة فتح - كما نشر هنا في "العربي الجديد"، 17 نيسان/ إبريل - يفضح حقيقة أسباب وخلفيات معادلة لا انتخابات بدون القدس، ويؤكد أن الهدف منها فئوي بحت مع اليقين الفتحاوي بالخسارة والسعي لتفاديها عبر كسب وقت إضافي من أجل ترتيب الأوضاع داخل الحركة، وحل الخلافات التنظيمية للذهاب بشكل موحد بعد ذلك إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية مع أو بدون موافقة الاحتلال على إجرائها في القدس، وفق الترتيبات والاقتراحات السالفة الذكر، ما يثبت أننا أمام تجيير للشعارات الوطنية المحقة لتحقيق مصالح حزبية فئوية وضيقة على حساب المصلحة العامة التي تقتضي حتمية إجراء الانتخابات لترتيب البيت الوطني وتوحيد المؤسسات على طريق إنهاء الانقسام الذي قد يتأبّد في حال تأجيل الانتخابات أو إلغائها.