انتخابات الهند: 5 سنوات إضافية لترسيخ "الديمقراطية" القومية الدينية

انتخابات الهند: 5 سنوات إضافية لترسيخ "الديمقراطية" القومية الدينية

19 ابريل 2024
من التحضيرات لتجمع انتخابي لمودي، رايبور، 15 إبريل (إدريس محمد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الهند تشهد انتخابات "لوك سابها" بمشاركة 970 مليون ناخب، مع توقعات بفوز حزب "بهاراتيا جاناتا" بقيادة ناريندرا مودي، الذي يسعى لولاية ثالثة وسط تحديات جيوسياسية وتقدم اقتصادي.
- مودي يعزز العلاقات الدولية مع الغرب وإسرائيل مع الحفاظ على العلاقة مع روسيا، في محاولة لتعزيز دور الهند دوليًا دون التخلي عن سياسة عدم الانحياز.
- داخليًا، تواجه الهند تحديات تتمثل في قمع المعارضة والتضييق على الحريات، مع تركيز مودي على الإنجازات الاقتصادية وتحديث البنية التحتية، مما يعزز فرصه في الفوز بولاية جديدة.

يتوجه حوالي 970 مليون ناخب هندي، ابتداء من اليوم الجمعة وحتى الأول من يونيو/حزيران المقبل، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الـ"لوك سابها"، أو مجلس الشعب الهندي، المرادف لمجلس النواب، أو الغرفة السفلى للبرلمان في الهند. هذه الانتخابات، التي لطالما عُدّت أكبر اختبار ديمقراطي في العالم، حيث عدد الناخبين يوازي مواطني الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، مجتمعين، تكتسب هذا العام أهمية مضاعفة، بغضّ النظر عن مكانة الهند كأكبر ديمقراطية في العالم، وقوة آسيوية عملاقة. إذ بينما يعتبر الفوز المرجّح لحزب رئيس الحكومة ناريندرا مودي، "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي، الحاكم منذ عام 2014، والذي سيؤدي إلى بقاء مودي في الحكم لولاية ثالثة، نتاج سنوات طويلة من حكم هذا الرجل، الذي يتفاخر بنقل الهند من دولة "علمانية" إلى قومية هندية، مع ما أفرزه من تقليص للحرّيات ولكن جذباً للناخبين من اليمين الهندوسي، والمتطرف، إلا أن انتظار النتائج يتعلّق خصوصاً بعدد الأصوات التي سيحصدها الرجل. والأخير يواصل شقّ الطريق أمام الهند، للانتقال بحذر وتصميم من سياسة عدم الانحياز، إلى أداء دور مؤثر على الساحة الدولية، حيث تعيش القارة الآسيوية تحديات جيوسياسية عالية المخاطر، فيما تمكن مودي من نقل اقتصاد بلاده إلى مرتبة متقدمة، وهو ما تراهن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لمواجهة الصين.

هذا الوضع، فضلاً عن العلاقة التاريخية للهند مع روسيا، ونجاح مودي في تطويعها لمواصلة اقترابه من الغرب، ودور الهند في عالم متغيّر سريعاً، بالإمكان القول عنه إنه يكشف مجدداً ازدواجية المعايير الغربية، حيث يسود الصمت على ما يتم تداوله في الإعلام وفي المراكز الحقوقية، من انتهاكات متواصلة للحرّيات في الهند، على يد حزب بهاراتيا جاناتا وقمع للمعارضين وعلامات استفهام بالجملة بشأن مصادر التمويل الحزبية، عدا عن سيرة حزب مودي في معاداة المسلمين في البلاد. كلّ ذلك لم يمنع تحول ناريندرا مودي، الذي عاصر كرئيس لحكومة الهند، 3 رؤساء أميركيين، من شخصية سياسية مكروهة في الغرب، مع صعوده السياسي إلى الحكم، إلى محبوب لدى الدول الكبرى الغربية صاحبة النفوذ، التي تطلب ودّه، وسط تقارب استثنائي مع الولايات المتحدة، وحليفتها في الشرق الأوسط، إسرائيل.

انتخابات الهند في 6 أسابيع

ويتوزع الانتخاب على ولايات الهند الـ28، و8 أقاليم اتحادية. وتمتد عملية الانتخاب على 7 مراحل، من اليوم الجمعة إلى الأول من يونيو/حزيران المقبل، بناء على التقسيمات الجغرافية وعدد السكان، لضمان تأمين الاقتراع، على أن تحسب النتائج وتعلن رسمياً في يوم واحد، وذلك في 4 يونيو المقبل. ويتنافس المرشحون في البلاد، على 543 مقعداً في الـ"لوك سابها"، لولاية مدتها 5 سنوات. وللاستحواذ على الحكم، يحتاج الحزب الفائز إلى أكثرية بسيطة مؤلفة من 272 مقعداً. وفي العام 2019، فاز حزب مودي بـ303 مقاعد، يليه مباشرة حزب المعارضة "المؤتمر الوطني الهندي" بـ52 مقعداً. هذه المرة، يتعلق السؤال لدى حزب مودي بعدد الأصوات التي سيفوز بها، إذ وفقاً لاستطلاعات الرأي، التي هي قليلة في الهند إجمالاً، فإن مودي يحظى بشعبية تتراوح بين 70 إلى 80 في المائة. علماً أن ناريندرا مودي (73 عاماً) مستمر في الحكم منذ عام 2014.


يتنافس المرشحون في البلاد، على 543 مقعداً في الـ"لوك سابها"، لولاية مدتها 5 سنوات

ويعتمد فوز أي حزب أيضاً على حجم المشاركة الشعبية، وفي عام 2019 بلغت نسبة التصويت 67 في المائة، مع اقتراع 615 مليون ناخب هندي. ويسعى مودي لاعتبار الانتخابات المرتقبة استفتاء على شعبيته بعد 10 سنوات في الحكم، خصوصاً مع الوفاء ببعض تعهداته الانتخابية السابقة، ولكن من دون تحقيق أخرى، فضلاً عن استكماله الحكم بطريقة جعلت الهند تتحول إلى ديكتاتورية مغلّفة بنظام ديمقراطي هشّ. هذا التحول، لم تعد وحدها قضية قمع المسلمين تتصدره، بل قمع المعارضة بكافة أشكالها، وملاحقة مصادر تمويلها، والهيمنة لـ"بهاراتيا جاناتا" على لجنة الانتخابات. يذكر أن مودي، وبحسب تصريحاته المعلنة، وضع هدفاً هذا العام بحصد حزبه 370 مقعداً في البرلمان، على أن يتمكن التحالف الوطني الديمقراطي الذي يقوده حزبه من شغل أكثر من 400 مقعد إجمالاً في الـ"لوك سابها"، وذلك صعوداً من أكثر من 350 مقعداً للتحالف في 2019.

وينتخب المواطنون في الهند إلكترونياً ما يسمح بعدّ أسرع للأصوات، فيما تقول لجنة الانتخابات إن التصويت الإلكتروني هو دليل على شفافية الاقتراع. ويتوجه موظفو الانتخابات بالسيارات والطوافات العسكرية والمراكب ومشياً على الأقدام، وأحياناً على الجمال والفيلة، لوضع ماكينات التصويت في بعض المواقع النائية، حيث ترافقهم قوات أمنية إلى بعض المناطق. وسيعمل حوالي 15 مليون شخص في مراكز الاقتراع.

قمع في الداخل وتقارب مع واشنطن

ويترشح حزب مودي هذا العام، مجدداً، للفوز بالبرلمان ورئاسة الحكومة، وفق أجندة يعتبرها "تجددية"، إذ بينما لم يتخل الحزب عن أجندته القومية الهندوسية المتطرفة، إلا أن الاقتصاد بات يحتل الصدارة، وفقاً لأولويات المرحلة، وهو ما يعتبر أولوية أيضاً للناخب الهندي، غير المهتم كثيراً بالسياسة الخارجية، أو التي يضعها في المرتبة الثانية. علماً أن حزب مودي، من منظوره، تمكن من تحقيق نجاحات كبرى على الصعيد الدولي، خلال السنوات الماضية، قد يكون بالنسبة إليه أبرزها تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة، على الصعيد الاقتصادي، وعلى صعيد تشارك الخبرات التكنولوجية، التي تتردد الولايات المتحدة في منحها لغير الدول الحليفة. وجاء ذلك في وقت لم تقدم الهند تنازلات كبرى، أخرجتها بالمرّة عن سياسة عدم الانحياز، إذ ظلّت ترفض مثلاً الضغوط لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.


لم يتخل حزب مودي عن أجندته القومية الهندوسية المتطرفة، إلا أن الاقتصاد بات يحتل الصدارة

وربما يصحّ القول، إن واشنطن تنتظر معرفة اسم الحزب الفائز في الهند، لكنها مصممة على استكمال تطوير العلاقات، التي ترى لها أهدافاً عدة وصولاً إلى تعزيز دور الهند في منطقة الشرق الأوسط، منعاً للتمدد الصيني، بمعزل عن هوية الفائز. ولكن بمطلق الأحوال، فإن إعادة تصميم العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، والتي شهدتها الأعوام الأخيرة، لم تكن لتنجح، من دون إعادة تشكيل مودي للسياسة الخارجية لبلاده، على قاعدة التنافس المضبوط مع الصين والصراع المفتوح مع باكستان، وإعادة تعريف السياسة الخارجية في مرحلة ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، واستقراء الاهتمام والتوجه الأميركي نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وكانت النقطة المفصلية عام 2016، بعدما ألقى مودي أول خطاب له في الكونغرس الأميركي، حيث وقّع على اتفاق لتفعيل الشراكة الأمنية، في أحد أول اختراقات إرث العلاقات مع الاتحاد السوفييتي.

وليس الاهتمام الأميركي بالهند، وليد اللحظة، ولكن زاد مع وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 2020، علماً أن مودي طوّر علاقاته مع الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب. لكن ذلك كانت له كلفته على الصعيد الحقوقي، ما جعل الغرب، تتصدره الولايات المتحدة، يغض الطرف عن انتهاكات حقوقية في الهند، أصبحت في عهد مودي، علامة فارقة في إرثه، وهي انتهاكات ممنهجة، استهدفت بادئ الأمر المسلمين في البلاد، ثم انتقلت إلى المعارضة، التي أصبح بعض وجوهها في السجون. هذا الأمر، أدّى إلى تفكك المعارضة اليوم على أعتاب العملية الاقتراعية، إذ لم تتمكن من الاتحاد بعد لتسمية مرشح لها لرئاسة الحكومة.


 الولايات المتحدة تغضّ الطرف عن انتهاكات حقوقية في الهند، مقابل تطوير العلاقات

وترتفع حظوظ مودي، مع فتح القضاء تحقيقات عدة تطاول خصومه، ما جعل مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، يبدي خشيته من التزوير، وهو ما ردّ عليه وزير الخارجية الهندي أس. جايشانكار، خلال الشهر الحالي، بالقول إنه "لا يحتاج للأمم المتحدة للقول له إن على انتخابات الهند أن تكون حرّة ونزيهة". وخلال سنوات من حكم "بهاراتيا جاناتا"، تحول حزب المؤتمر الوطني الهندي، الذي حكم البلاد من دون انقطاع لعقود بعد الاستقلال عن بريطانيا، اليوم، إلى حزب ظلّ، وخارج الحكم فعلياً إلا في 3 ولايات من أصل 28. ونسج قادة هذا الحزب، تحالفات مع أحزاب أخرى صغيرة، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة ضد حزب مودي في انتخابات هذا العام، إلا أن حدّة الخلافات والانقسامات والاختلافات بينها، وحول تقاسم الحصص المنتظرة، أدّت إلى بقاء شعبيتها متراجعة واستمرار تقدّم مودي في استطلاعات الرأي.

وتتهم المعارضة السلطة باستخدام قوات إنفاذ القانون، لاستهداف قادتها، بعضهم أصبح هدفاً لملاحقات وتحقيقات جنائية. ومن بين هؤلاء، رئيس حكومة دلهي، أرفيند كيجريوال، وهو زعيم حزب "آم آدمي" الذي اعتقل الشهر الماضي، ويقبع إلى اليوم في السجن، وسط توجيه القضاء اتهامات لحزبه بالفساد، بقضية تتعلق بسياسة المشروبات الكحولية في دلهي. أما راهول غاندي، وهو أبرز زعيم للمعارضة الهندية، فقد استعاد في أغسطس/آب الماضي مقعده بالبرلمان، بعد إبطال نيابته لفترة إثر قرار إدانته بتهمة التشهير، بتعليق من المحكمة العليا. لكن حسابات حزب المؤتمر الوطني، الذي يتزعمه غاندي، مجمدة منذ فبراير/شباط الماضي، بقرار من دائرة الضرائب، وسط خلافات حول عائدات الحزب منذ خمس سنوات. وقال غاندي لصحافيين الشهر الماضي: "ليست لدينا أموال للقيام بحملة انتخابية".

وتعد الحملة الانتخابية في الهند مكلفة، وتنفق الأحزاب مليارات الدولارات عليها. وذكر تقرير لمركز "كارنيغي" أخيراً، بعنوان "دليل لانتخابات الهند 2024"، أن الأحزاب الهندية صرفت ما قيمته 7 مليارات دولار على الحملات الانتخابية في 2019. في المقابل، يقول خبراء إنه رغم آلة القمع التي أدارها حزب مودي، إلا أن شعبيته تبقى مرتفعة، خصوصاً بعدما أطلقت سياسته الاقتصادية طفرة نمو ملحوظة، حيث تجاوز النمو نسبة 8.4 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي، متخطياً تقديرات بنسبة 6.6 في المائة التي توقعها الاقتصاديون. في غضون ذلك، اشتغل مودي على عملية تحديث ماراثونية للبنية التحتية في البلاد، لاسيما الجسور، وبناء ملايين المراحيض لإنهاء ظاهرة "التغوط في العراء" في الهند، وهي كانت أحد وعوده الانتخابية عام 2019، فيما عادت نسب البطالة لتتخطى الـ7 في المائة.

ويبني غاندي حملته على انتقاد حزب مودي، للتراجع الديمقراطي، وأن الأخير ترك 220 مليون مسلم من مواطني البلاد، خائفين على مستقبلهم، في ظلّ حملة القمع التي طاولتهم، مع ارتفاع ظاهرة العنف الديني والاضطهاد تجاههم منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا" للحكم في 2014. لكن غاندي نفسه، لم يتمكن حتى الآن من هزم مودي في دورتين انتخابيتين متتاليتين، علماً أن آخر استطلاع للرأي لمركز "بيو" أجري أواخر العام الماضي، وجد، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز، الثلاثاء الماضي، أن مودي يُنظر إليه إيجابياً من قبل 80 في المائة من المواطنين في الهند.

المساهمون