انتخابات الرئاسة الأميركية: نذر معركة كاسرة

02 أكتوبر 2020
التوتر يلامس الخطوط الحمر في أميركا (Getty)
+ الخط -

الطبيعي والاعتيادي أن تكون الأجواء السياسية الأميركية ساخنة عشية انتخابات الرئاسة، فالمعركة حولها فاصلة وعامل الوقت حاسم والحملة تكون في ذروتها وكلا المرشحين يحاول توظيف كافة أوراقه المتوفرة لاعتصار ما أمكن من أصوات آخر ساعة، علها تقلب الميزان أو تقلّص الفارق، هذا معروف ومتوقع.

لكن هذه الانتخابات المتبقي لها 33 يوماً، كل شيء فيها صار مع اقتراب الموعد، أكثر من غير اعتيادي. من خطابها وحساباتها واستقطاباتها إلى حدّة الخصومة فيها، فضلاً عن التشكيك المكشوف والمسبق باحتمال "تزوير" نتائجها وبالتالي الطعن بمشروعيتها. الأمر الذي عمّق المخاوف من تداعيات معركة كاسرة تشير الدلائل المتزايدة إلى أنها ستكون موضع خلاف كبير ينذر بما قد لا يكون له مثيل في تاريخ الانتخابات.

 وما يعزز خشية أوساط وجهات عديدة تتحدث بقلق وحذر بالغين، أن هناك علامات من الاستنفار والاستعداد الجدّي للتعامل مع نشوب نزاع كبير حول الانتخابات.

ومع أن الإشارات في هذا الخصوص وبالذات تلك التي صدرت عن الرئيس دونالد ترامب، قد تكون من باب التهويل لأغراض تتعلق بالتصويت معه أو ضده، إلا انها أُخذت على محمل الجدّ، في ضوء إصراره عليها واستخدامها كمقدمات وما رافقها من توتير ولغة تعبوية واضحة. خاصة تلك التي تعمّد إرسالها أثناء المناظرة مع جو بايدن مساء الثلاثاء الماضي بالإضافة إلى ما سبقها وتبعها من مناسبات. وبالأخص عندما طلب من أنصاره "البقاء في حالة التأهب والانتظار"، لحين فرز الأصوات وكشف ارقامها.

 دعوة عزّزت التوجس والظن بأن المسألة لا تقل عن التلويح بالشارع في حال عدم قبول الرئيس بالنتائج. وفاقم من التخوف أن البيت الأبيض لم يسارع إلى التوضيح أو التطمين لإزالة القلق من هذه الناحية. لاسيما أن دعوته هذه جاءت على خلفية تحذيره من احتمال رفضه تسليم السلطة "بشكل سلمي" لو خسر المعركة بزعم أنها ستكون "مزورة" وتمسكه بهذا الموقف بالرغم من الضجة التي أثارها "نزوعه الخطير" في هذا الخصوص.

 ثم صب الرئيس الزيت على النار عندما امتنع خلال المناظرة، عن إدانة جماعة "المتفوقين البيض" بصورة صريحة. خاصة بعد أن حضر بعضهم بسلاحه لمواجهة التظاهرات الأخيرة ضد الشرطة في مقتل عدد من الأميركيين السود، قبل أن يعلن الخميس إدانته لكافة الجماعات العنصرية في بلاده بما في ذلك جماعتا، براود بويز، وكو كاكس كلان.

ويتهمه خصومه بأنه يؤجج النعرة العنصرية وينوي الاستقواء بالجماعات العنصرية لو نزلت مشكلة الانتخابات إلى الشارع. وقد اعتبروا موقفه هذا بمثابة احتضان للعنصريين البيض وبما أثار التحذيرات من إمكانية زجّهم في العملية الانتخابية، على الأقل لأن مثل هذا الموقف غير مسبوق منذ الرئيس أندرو جاكسون في 1835 الذي عرف بمحاباة هذه المجموعات العنصرية على الساحة الأميركية.

وقد تحوّل هذا الموضوع إلى حديث الساعة منذ المناظرة الأولى التي أجمعت تقريبا القراءات على تصنيفها في خانة "المعيبة والمؤذية لصورة أميركا .. كما للجمهوريين"، حيث غلبت عليها المهاترة بدلا من المساجلة الرصينة وطغت عليها المقاطعة التي بالغ فيها الرئيس ترامب، والتي رجّحت كفة بايدن الذي خرج من الاختبار من دون سقطات وأخطاء كان يُخشى وقوعه فيها.

 وعلى قاعدة هذا الخروج تدفقت التبرعات المالية لحملته وحظي بالمزيد من تأييد النخب مثل الجنرال المتقاعد المعروف ستانلي ما كريستال الذي أعلن اليوم دعمه لبايدن، الذي بات يحظى بتأييد علني من معظم الجنرالات السابقين، مع ما ينطوي عليه ذلك من زخم كونه غير مألوف وبحيث بدا وكأنه رسالة انتخابية ضد الرئيس. 

وبسبب رداءة جولة ليلة الثلاثاء التي شاهدها 73 مليون أميركي، لا يستبعد أن يجري صرف النظر عن المناظرتين التاليتين في 15 و22 الجاري. وهناك ضغوط ومحاولات من الجهتين في هذا الاتجاه، لناحية تحاشي "شرشحة أخرى"، ومن ناحية أخرى لاجتناب خسائر إضافية محتملة على الجانبين. خاصة وأن حالة الغليان المتزايد لا تسمح بغير لغة التراشق وما قد يتسبب به من تزايد النفور والخسائر. فالاحتقان في أقصى درجاته والساحة لم تشهد في ما مضى مثل هذا الكم من الأزمات الراهنة المستعصية، ولا هذا القدر من الهبوط، عشية انتخابات رئاسية تنذر بالمزيد من التعقيد لمشهد يقترب أكثر فأكثر من الخطوط الحمر.  

 

المساهمون