انطلقت في الجزائر، اليوم السبت، عملية التصويت في الانتخابات المحلية المبكرة، لاختيار مجالس شعبية بالبلديات والولايات (المحافظات)، وسط تعزيزات أمنية مشددة، إلى جانب فرض تدابير صحية وقائية من فيروس كورونا.
ويدلي الناخبون الجزائريون بأصواتهم لاختيار أعضاء المجالس البلدية والولائية، عبر 1541 بلدية في 58 ولاية.
وفي مدرسة ببلدية المدنية في أعالي العاصمة الجزائرية، اصطفت أولى مجموعات الناخبين الوافدين للتصويت.
وقال رضوان حسناوي، أحد الناخبين، لـ"العربي الجديد"، إنه أبكر بالتصويت للتفرغ بعد ذلك لتنسيق متابعة العملية الانتخابية في مقر حزبه الذي يتبعه، حركة مجتمع السلم، مشيراً إلى أنه متفائل بارتفاع نسبة التصويت في انتخابات اليوم.
ويوجد داخل كل مكتب انتخابي عدد من المراقبين الذين يمثلون قوائم الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة، لمراقبة العملية الانتخابية، ضمن آليات ضمان شفافية ونزاهة هذه الانتخابات، ومنع حدوث أي تزوير أو مظاهر الدعاية لحزب ما. ويفرض القانون تسليم المراقبين نسخاً من محاضر الفرز بعد عدّ الأصوات.
تزامناً، نشرت السلطات تعزيزات أمنية قرب مقار التصويت، خاصة في بلدات منطقة القبائل، لضمان الأمن ومنع أي تشويش على الانتخابات.
وأغلقت السلطات الجزائرية الأسواق الشعبية، وأوقفت حركة نقل الوقود بالسكك الحديدية خلال اليوم الانتخابي.
أولى مؤشرات التصويت في انتخابات الجزائر المحلية
أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات الجزائرية، عن أولى مؤشرات التصويت في الانتخابات المحلية، وقال رئيس السلطة المستقلة محمد شرفي إن معدل التصويت في الانتخابات البلدية بلغ 4.12 في المائة حتى العاشرة صباحاً، أي بعد ساعتين من فتح مراكز الانتخاب وبدء التصويت، فيما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الولائية 3.9 في المائة، وهي معدلات متقاربة مقارنة مع مؤشر التصويت في التوقيت نفسه خلال الانتخابات النيابية التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي.
وأظهرت البيانات الأولية تسجيل ولاية تمنراست أقصى جنوبي الجزائر، أعلى معدل تصويت بـ14.8 بالمائة، وهو رقم يعطي مؤشراً على ارتفاع نسبة المشاركة في ولايات الجنوب والصحراء كولاية أدرار، التي سجلت معدل مشاركة بحدود 7 في المائة، وهي نسبة تفوق بكثير نسبة المشاركة في ولايات وسط البلاد، حيث سجلت العاصمة الجزائرية نسبة 1.8 في المائة حتى العاشرة صباحاً، كما يقترب معدل التصويت بولاية البليدة وولاية بجاية قرب العاصمة الجزائرية من المؤشر نفسه، بنسبة 2.5 في المائة، و1.9 في المائة على التوالي، و3.1 بولاية الشلف قرب العاصمة الجزائرية.
وفي ولايات الشرق الجزائري، تراوحت معدلات المشاركة في الفترة الصباحية بين 3 إلى 5 في المائة، على غرار قسنطينة وسطيف كبرى مدن الشرق، حيث سجل على التوالي 3.9 بالنسبة لسطيف، و2.6 بالنسبة لقسنطينة، وهي النسبة نفسها أيضاً بالنسبة لكبرى ولايات غربي البلاد، كولاية تلمسان التي سجلت نسبة مشاركة بـ3.4 بالمائة وتيارت بـ4.6 في المائة.
وتأمل سلطة الانتخابات أن ترتفع نسبة التصويت في الفترة المسائية بشكل أكبر، مع التحاق الناخبين بمراكز الاقتراع.
قيادات الأحزاب تدعو الناخبين إلى الاقتراع
وفي السياق نفسه، دعت قيادات الأحزاب السياسية البارزة في البلاد الناخبين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع. وقال الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" أبو الفضل بعجي، في تصريح صحافي عقب أداء واجبه الانتخابي، إنه يتوجه بدعوة كافة الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع بقوة لاختيار الجماعة المحلية التي ستدير شؤونه، وحث على حسن الاختيار بهدف إنجاح الانتخابات المحلية، مشيراً إلى أن هذه الانتخابات لها علاقة مباشرة بالمواطن وبحياته اليومية وباستقرار البلاد سياسياً واقتصادياً، واعتبر أن حزبه الذي فاز بالانتخابات النيابية الماضية له وافر الحظوظ للفوز بانتخابات اليوم.
من جهته، قال رئيس "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، عقب التصويت، إن الإقبال على الانتخابات مرتبط بشعور المواطن بحماية صوته واحترام خياراته الانتخابية، مشدداً على ضرورة أن تكون الانتخابات المحلية فرصة جدية "لكسب ثقة المواطن وجعله يشعر أن صوته لا يغيب"، وأضاف: "أتمنى أن تكون انتخابات كاملة حتى لا يعبر أي أحد عن استيائه منها".
كما قال رئيس "التجمع الوطني الديمقراطي"، الطيب زيتوني، عقب تصويته، إن هذه الانتخابات بالغة الأهمية، تستدعي مشاركة قوية من قبل الناخبين، تكرس اختياراتهم الحرة. فيما وصف رئيس "حركة البناء الوطني"، عبد القادر بن قرينة، انتخابات اليوم بأنها محطة مهمة، على طريق بناء الصرح المؤسساتي وتكريس المسار الدستوري، مشيراً إلى أنه يعلق أملاً كبيراً على السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، لضمان نزاهة الانتخابات المحلية.
تدابير صحية مشددة
بدورها، فرضت السلطة المستقلة للانتخابات إجراءات وتدابير صحية احترازية مشددة في مراكز التصويت، حيث جرى توفير المعقمات، ورسم أماكن محددة لوقوف الناخبين، ومنع وجود أكثر من ناخبين اثنين داخل المكتب الانتخابي، خاصة مع محاذير الموجة الرابعة من فيروس كورونا.
وتتنافس على مقاعد المجالس البلدية البالغ عددها 1541 بلدية، 5848 قائمة، بينها 4860 قائمة تمثل 40 حزباً سياسياً، فيما تمثل القوائم الباقية المستقلين.
منافسة محتدمة بين 7 أحزاب
ويحتدم التنافس بين سبعة أحزاب رئيسة في البلاد، هي: "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"(موالاة)، وحركة "البناء الوطني" و"جبهة المستقبل" و"صوت الشعب" (من الحزام الحكومي)، و"حركة مجتمع السلم" و"جبهة القوى الاشتراكية" من كتلة المعارضة.
وتتنافس في انتخابات المجالس الولائية 429 قائمة، بينها 341 حزبية على مقاعد الولايات الـ58، ستتشكل فيها مجالس ولائية في عشر ولايات جديدة للمرة الأولى، بعد فصلها عن الولايات الأم.
وبخلاف الاستحقاقات الماضية، شهدت كتلة المقاطعين للمسار الانتخابي تصدعاً، بعد قرار جبهة القوى الاشتراكية المشاركة في هذه الانتخابات، بعدما كانت قد قاطعت المسار الانتخابي منذ 2019، فيما تقاطع أحزاب العمال والعمال الاشتراكي والاتحاد من أجل التغيير والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الانتخابات بحجة عدم شرعية السلطة السياسية القائمة.
وبينما تخوض الانتخابات في 45 بلدية قائمة وحيدة دون أية منافسة، على غرار بلدية الأبيار في العاصمة الجزائرية، وعين تقورايت بولاية تيبازة وبلدية تابلاط بولاية المدية وبلديتي تيقلعت والماين بولاية برج بوعريريج، تعذر إجراء الانتخابات البلدية في ثماني بلديات، هي تادمايت وآث محمود، وآث بوحامد وعين الحمام بولاية تيزي وزو، وأربع بلديات في الولاية، وهي أقبو وتوجة وفرعون ومسيسنة.
الانتخابات تحت عين الهيئة المستقلة
وتجرى الانتخابات المحلية للمرة الأولى تحت إشراف هيئة مستقلة للانتخابات، وبلغ مجموع مراكز الانتخاب أكثر من 13 ألف مركز، تضم أكثر من 61 ألف مكتب انتخابي، يشرف عليها أكثر من 800 ألف عون، فيما بلغ مجموع الهيئة الناخبة 23.7 مليون ناخب، واعتمدت السلطات 50 مؤسسة إعلامية أجنبية لتغطية هذه الانتخابات، وجُهِّز مركز إعلامي لتسهيل عمل الصحافيين.
وسيمتد التصويت حتى الساعة السابعة مساء، ويمكن للجان الانتخابية المحلية في بعض الولايات أن تتخذ قراراً بتمديد التصويت لمدة ساعة واحدة فقط، بينما انتهى أمس تصويت السكان البدو الرحّل في المكاتب المتنقلة.
ويُجرى التصويت بنظام القائمة المفتوحة، بحيث يختار الناخب ملزماً قائمة واحدة فقط، وله أن يختار من يريد من المرشحين من القائمة نفسها الذين يصوت لهم، وبعد فرز الأصوات، تُقصى القوائم التي حصلت على مجموع أصوات أقل من خمسة في المائة، وتُوزَّع المقاعد على القوائم الفائزة.
تبون يتوقع ارتفاع نسبة التصويت
توقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم السبت، ارتفاع نسبة التصويت اليوم، مقارنة مع الانتخابات النيابية الماضية، متعهداً بإجراء مراجعة عاجلة لقوانين البلدية لمنح صلاحيات أوسع لأعضاء المجالس المنتخبة.
وأدلى تبون بصوته في مدرسة أحمد عروة في العاصمة الجزائرية، وقال في تصريح صحافي إنه يتوقع مشاركة أكبر للناخبين بحكم طبيعة الانتخابات المحلية.
وتابع أن "هذا اليوم مهم يفرض على المواطنين التوجه إلى صناديق الانتخابات. الانتخابات حق وواجب، لكننا لن نفرض على الناس التصويت، نحن نبحث عن أن تكون هناك مؤسسات منتخبة بطريقة شرعية".
ولفت إلى أنه "يحترم خيارات قوى المعارضة السياسية التي رفضت المشاركة".
وأمس الجمعة، تمنى الرئيس الجزائري مشاركة قوية للناخبين من أجل التغيير المنشود، متعهداً "بمراقبة قبلية وبعدية، بضمان نزاهة الانتخابات".
ورداً على الانتقادات التي وجهتها الأحزاب السياسية خلال الحملة الانتخابية للقانون الانتخابي، وخاصة المادة 184 التي تسمح لسلطة الانتخابات بإقصاء المرشحين الذين توجه إليهم شبهات فساد، دون وجود حكم قضائي بحقهم، قال تبون إن "وجود المال الفاسد وشراء الأصوات في الانتخابات ومنح المال للناخبين مقابل الحصول على أصواتهم أمر غير مقبول".
كذلك، أدلى قائد الجيش الفريق سعيد شنقريحة بصوته، كما صوّت رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن في منطقة الأبيار وسط العاصمة الجزائرية.
وقال رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل في تصريح صحافي عقب تصويته إن الانتخابات المحلية تعد المحطة الرابعة في مسار التغيير الجذري في البلاد، بعد انتخابات الرئاسة والاستفتاء على الدستور والانتخابات النيابية الماضية.
ويشكل العزوف الانتخابي وضعف المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات أحد أبرز هواجس السلطة والأحزاب السياسية.
وكانت نسبة التصويت في الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة التي جرت بعد الحراك الشعبي في مستويات غير مرضية، ولم تتجاوز 24 في المائة خلال الاستفتاء على الدستور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ونسبة 30.20 في المائة خلال الانتخابات النيابية التي جرت شهر يونيو/ حزيران الماضي.