تتعدّد أهداف الأحزاب السياسية التقليدية في لبنان بخوضها المعركة الانتخابية في محافظة البقاع غداً الأحد، بين الحفاظ على الوجود وتكبير الأحجام، واستعادة الهيمنة التي خُرقِت في دورة عام 2018 النيابية.
عناوين تسعى إلى تحقيقها بلوائح هجينة لزوم تأمين الحاصل الانتخابي، عبر استخدام أسلحة عدة لتصويبها على الحلفاء لضمان عبورها إلى الندوة البرلمانية، من خلال "تكتيكات" مختلفة لاستمالة لاعب أساسي في النزال، وهو الناخب السنّي المؤيد لـ"تيار المستقبل" برئاسة سعد الحريري، الذي يقاطع الانتخابات.
وتضمّ محافظة البقاع، ثلاث دوائر كبرى، الأولى زحلة، والثانية راشيا والبقاع الغربي، والثالثة بعلبك والهرمل. وستشهد الدائرتان الأولى والثانية معركتين من الأعنف بين القوى التقليدية، تُثير قلق "التيار الوطني الحر" (يتزعمه جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون)، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة وليد جنبلاط الذي يواجه خصومه وحليفه "القوات اللبنانية" (بزعامة سمير جعجع) على الحلبة نفسها.
أما المشهد في البقاع الثالثة التي تضم بعلبك ـ الهرمل، فيبدو أكثر هدوءاً مع تركّز المواجهة بين حزب الله و"القوات" "الخصمين اللدودَيْن".
ويحرص الأول على استعادة المقعد الماروني الذي انتزعه النائب القواتي أنطوان حبشي في عام 2018، وعينه أيضاً على المقعد السنّي مستغلاً مقاطعة الحريري، التي خلطت الأوراق الانتخابية.
ويرغب حزب الله بتحقيق الهيمنة الشاملة في معقل أساسي بالنسبة له تغيب عنه الدولة بشكل تام، ويعدّ أحد أبرز معابر التهريب بين لبنان وسورية، وممراً ذا طابع عسكري استراتيجي. في المقابل، يسعى "القوات" لتكرار الخرق وإحراج الحزب، خصوصاً أنه يخوض كل معركته الانتخابية بشعاراتها وحملاتها ضد حزب الله وسلاحه وحليفه الرئيس ميشال عون.
معركة زحلة النيابية
يبلغ عدد المقاعد النيابية في زحلة 7، مقعد للطائفة الشيعية، وآخر للطائفة السنّية، مقعد ماروني، مقعدان للروم الكاثوليك، مقعد للروم الأرثوذكس، ومقعد للأرمن الأرثوذكس.
وبلغ عدد المقترعين عام 2018 حوالي 94 ألف مقترع من أصل 493411 ناخباً، بينما وصل الحاصل الانتخابي إلى 13 ألف صوت. واستطاعت 3 لوائح حزبية تأمينه، لائحة القوات حصلت على مقعدين، التيار الوطني الحر حاز على 3 مقاعد مع تحالفه مع "تيار المستقبل"، تحديداً النائب العازف عن الانتخابات عاصم عراجي، ومقعدان للائحة حزب الله.
وسجلت انتخابات 2018 سقوط رئيسة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف، أرملة الوزير الراحل إلياس سكاف نجل السياسي جوزيف سكاف الذي كوّن زعامة مسيحية وسنّية في مسيرته السياسية.
وتقود سكاف معركتها ضمن لائحة "الكتلة الشعبية"، للحفاظ على البيت العائلي السياسي، الذي رغم ما يمثله من إقطاع، إلا أن هناك حرصاً زحلياً على عدم إقفاله.
يسعى حزب الله لكسر القوات اللبنانية في بعلبك-الهرمل
المعركة اليوم في زحلة، المدينة التي تُعد "عاصمة طائفة الروم الكاثوليك" في الشرق الأوسط اختلفت، إذ تتنافس 8 لوائح انتخابية، وتُخاض أبرز المواجهات فيها بين لائحة "سياديون مستقلون" برئاسة النائب ميشال ضاهر، الذي انشق عن تكتل "لبنان القوي" الذي يمثل التيار الوطني الحر عموده الفقري.
ويتحالف ضاهر مع "الكتائب اللبنانية" برئاسة سامي الجميل، علماً أنه شكّل رافعة للائحة التيار الوطني الحر في عام 2018، مع حصوله على 9 آلاف صوت، الجزء الأكبر منها من الناخبين السنّة.
ويعوّل ضاهر على السنّة مجدداً في انتخابات الغد، في ظل مقاطعة "المستقبل". وكان لافتاً اللقاء الذي جمع ضاهر مع السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري، يوم الثلاثاء الماضي.
كذلك تشمل المواجهة الزحلية، لائحة "زحلة السيادة" المدعومة من رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، وتضمّ "القوات" مع المرشح السنّي بلال الحشيمي، الذي خصّه السفير السعودي قبل أيام قليلة من الانتخابات بزيارة.
في المقابل، اختار "التيار" و"حزب الله" و"الطاشناق" و"القومي السوري" الانضواء ضمن لائحة "زحلة الرسالة"، بينما تحاول اللوائح المتبقية التي تمثل المجتمع المدني والقوى المستقلة إحداث خرق في المقاعد.
وتشهد دائرة البقاع الغربي وراشيا، معركة قوية تصل شرارتها إلى الحلفاء المتباعدين فيها والمرشحين ضمن اللائحة الواحدة. واختار التيار الوطني الحر المشاركة في لائحة "الغد الأفضل" مع نائب رئيس مجلس الوزراء إيلي الفرزلي، المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الرغم من تدهور العلاقة في الفترة الأخيرة بين الفرزلي والتيار، وتبادل الاتهامات بينهما.
لكن هذا التحالف لا يلغي المنافسة بين الطرفين على أصوات ناخبي "حزب الله"، التي يطمح كل منهما أن تصبّ في خانته، وهي مشهدية تشكل إحراجاً للحزب، مع الإشارة إلى أن اللائحة برئاسة حسن عبد الرحيم مراد، الذي يعد من الشخصيات السنّية المعارضة للحريري والمقرّبة من النظام السوري، والذي تمكن والده في عام 2018 من الحصول على 15 ألف صوت.
في المقابل، اختار الحليفان الانتخابيان، "التقدمي الاشتراكي" و"القوات" النزول بلائحتين منافستين، على الرغم من أن الأول تمنى ألا يسمي "القوات" أي مرشح وذلك لترك الساحة له، في محاولةٍ منه لتمرير نائبه وائل أبو فاعور بأصوات الناخبين السنّة، خصوصاً بعد تحالفه مع نائب "المستقبل" محمد القرعاوي الذي خرج من عباءة التيار.
مع العلم أن أبو فاعور تنفّس الصعداء قليلاً مع انسحاب خالد العسكر، المرشح عن المقعد السنّي على لائحة "بقاعنا أولاً" المدعومة من "القوات".
وبلغ عدد اللوائح المتنافسة في هذه الدائرة التي وصل فيها الحاصل الانتخابي عام 2018 إلى حوالي 11 ألفاً، 6 لوائح، تشتتت فيها أيضاً قوى المجتمع المدني، التي تملك حظوظاً خجولة لإحداث خرق في المقاعد النيابية التي يصل عددها إلى 6، مقعدان للطائفة السنية، مقعد للطائفة الشيعية، مقعد درزي، مقعد ماروني، ومقعد للروم الأرثوذكس.
اعتدى أنصار حزب الله على حملة المرشح المناوئ لهم عباس الجوهري
على صعيد البقاع الثالثة فهي تضم بعلبك-الهرمل، الممثلة بـ10 مقاعد نيابية، 2 للطائفة السنّية، 6 للطائفة الشيعية، مقعد ماروني، ومقعد للروم الكاثوليك. وبلغ الحاصل في انتخابات 2018 عتبة 18 ألفاً، مع وصول عدد المقترعين إلى 190 ألفا تقريباً من أصل 323 ألف ناخب مسجل.
وقد شهدت هذه الدائرة شكوكاً بحصول تلاعب بالصناديق فكان أن تأخر فرز الأصوات فيها وسط اتهامات لحزب الله بممارسة شتى أنواع الترهيب والضغوطات على المرشحين.
وفي الدورة الحالية، تتواجه 6 لوائح انتخابية. المنافسة الأبرز فيها بين لائحتي "حزب الله" "الأمل والوفاء"، و"القوات اللبنانية" عبر "بناء الدولة"، الذي اختار التحالف مع المرشح الشيعي المعارض للحزب عباس الجوهري لتأمين الحاصل الانتخابي، بعدما تحالف في عام 2018 مع "تيار المستقبل".
وتعرّض "القوات" لصفعة موجعة قبيل الانتخابات، بانسحاب 3 مرشحين من الطائفة الشيعية منها، مع الإشارة إلى أن رئيس "القوات" سمير جعجع يرفع شعار "إعادة بعلبك ـ الهرمل إلى صلب الدولة".
أما الجوهري، فازدادت الضغوط عليه من مناصري حزب الله، بدءاً بترهيب الناخبين من المشاركة في تجمّعاته، وصولاً إلى إطلاق النار في الهواء خلال تجمّع في بلدة الخضر البقاعية، في 25 إبريل/نيسان الماضي.
كما هاجم مناصرو حزب الله الجوهري، في بيروت يوم الأربعاء الماضي، وطوّقوا منزله في البقاع. إلا أن الجوهري مصرّ على خوض الاستحقاق النيابي، رافضاً ما اعتبره "شيطنة كل من هو في مواجهة حزب الله".
هيمنة حزب الله في بعلبك-الهرمل
ميدانياً، يقول الكاتب السياسي صبحي منذر ياغي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن حزب الله مسيطر على بعلبك-الهرمل بما له من قدرات أمنية ومالية بالدرجة الأولى، وهو حريص على الاستحواذ على المقعدين الماروني والسنّي، لذلك يعتبر المعركة الأساسية لديه مع النائب أنطوان حبشي وقد رأينا الضغوط التي مارسها على المرشحين الشيعة في لائحة القوات للانسحاب والضغط الذي تعرض له الجوهري.
ويلفت ياغي إلى أن حبشي على الرغم من الحيثية المسيحية القوية التي يتمتع بها، لكن وضعه ما يزال مقلقاً، فهو يحتاج إلى حوالي 3 آلاف صوت لاجتياز الحاصل الانتخابي، خصوصاً أنه يفتقر هذه الدورة إلى التحالف مع "المستقبل".
وتحالف في عام 2018 مع مرشح شيعي قوي هو يحيى شمص الذي حصد حوالي 6 آلاف صوت، لكنه رفض المشاركة في الدورة الحالية.
ويضيف ياغي: تبقى الأنظار متجهة إلى ناخبي بلدة عرسال ذات الثقل السني، والقريبة من الحريري، وما إذا كان سيشارك أهلها في الانتخابات أم لا، مشيراً إلى أن لوائح القوى المدنية مشتتة ولا قدرة لها على تأمين الحاصل الانتخابي.
يخوض "الاشتراكي" مواجهة صعبة في البقاع الغربي
ويرى ياغي أن حزب الله مرتاح بسبب تشرذم الساحة السنّية، من دون أن ننسى أن وضعه عام 2018 كان مهدداً بعض الشيء، فكان الاتفاق مع وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، الذي مدد مهلة التصويت التي صبت في صالح الحزب ببعلبك ولصالح المشنوق في بيروت بعدما كان وضعه مقلقاً.
وبالتالي حصلت عملية تزوير لن تتكرر اليوم، باعتبار أن الحزب بغياب "المستقبل" أصبح مرتاحاً. ويشير ياغي إلى أن بعلبك-الهرمل منطقة استراتيجية عسكرية أمنية بالنسبة إلى حزب الله، وهو يستميت للحفاظ عليها حتى أنه يمكنه استقدام مواطنين سوريين مجنسين بالتنسيق مع المخابرات السورية للمشاركة في الانتخابات، في ظلّ سعيه في كل الدوائر للحفاظ على مقاعده، كي يظهر أمام العالم العربي والدولي أن بيئته لم تهتز.
أما على صعيد البقاع الغربي، فيعتبر ياغي أن المعركة تتخذ طابع النفوذ السوري، بمحاولة إسقاط أبو فاعور ووليد جنبلاط بالدرجة الأولى، من هنا تحالف أبو فاعور مع نائب عن "تيار المستقبل" للحفاظ على المقعد الدرزي، في مواجهة لائحة مراد التي تمثل خط الممانعة السورية. ويقول إن "القوات" ارتكب خطأً بتشكيل لائحة تضرّ بلائحة أبو فاعور ويصعب عليها تأمين الحاصل الانتخابي.
بالنسبة إلى دائرة زحلة، يرى ياغي أنه بغياب الناخب المستقبلي لا يمكن لباقي الأطراف أن تحسم المعركة، علماً أنها ترغب في استقطاب صوته لصالحها، ويوضح "رأينا كيف بدأ التجييش قبل الانتخابات للتحذير من هيمنة حزب الله وحلفائه وحث الطائفة السنّية على المشاركة الكثيفة في العملية الانتخابية".
ويتوقع أن تكون المواجهة بين 3 لوائح، لائحة "القوات" المدعومة من السنيورة، ولائحة التيار الوطني الحر والطاشناق والقومي السوري وحزب الله، ولائحة ميشال ضاهر، مع العلم أن سكاف التي خصّها أيضاً السفير السعودي بزيارة، يمكن أن تؤمن الحاصل في حال صحّ ما يُقال عن دعم تحوز عليه من "تيار المستقبل"، عبر النائب العازف عن الانتخابات عاصم عراجي، الذي يشغل ماكينته الانتخابية لصالح لائحة سكاف والمرشح السنّي على مقعدها محمد حمود.