في انتخابات هي الأولى بعد السيطرة الكاملة على إقليم كاراباخ (سبتمبر/ أيلول 2023)، تشهد أذربيجان، اليوم الأربعاء، انتخابات رئاسية مُبكرة محسومة النتائج سلفاً، ويُنتظر أن تسفر عن تمديد حكم الرئيس الحالي إلهام علييف حتى عام 2031. ويتنافس علييف مع ستة مرشحين غير معروفين في انتخابات أذربيجان المبكرة، بعد حملة انتخابية باهتة ورفض المعارضة المشاركة احتجاجاً على قرار علييف في 7 ديسمبر/ كانون الأول الماضي تنظيم انتخابات بعد شهرين، بعد أن كان من المقرر أن تنظم الانتخابات في إبريل/ نيسان 2025. ورأت المعارضة أن الفترة غير كافية للتحضير للانتخابات وجمع التواقيع اللازمة للدفع بمرشحيها للتنافس.
ويتولى علييف حكم البلاد منذ أكثر من 20 عاماً، بعد مرض والده حيدر علييف، أول رئيس لأذربيجان بعد الحقبة السوفييتية، والحاكم الفعلي للجمهورية منذ 1969. وفاز إلهام علييف بانتخابات سابقة في 2003 و2008 و2013 في ولايات مدة كل منها خمس سنوات. وفي عام 2016 أدخلت تعديلات على الدستور الأذربيجاني، من ضمنها تمديد فترة الرئاسة من خمس إلى سبع سنوات، وبعدها فاز علييف بولاية رابعة، وحاز فيها على أكثر من 86 في المائة من الأصوات، كان من المفترض أن تنتهي في 2025، قبل أن يقرر إجراء انتخابات مبكرة جديدة.
رفضت المعارضة المشاركة في الانتخابات احتجاجاً على تبكيرها
يذكر أن سبعة مرشحين من ضمنهم الرئيس علييف، استطاعوا جمع 40 ألف توقيع وتسجيل ترشيحهم، في حين اشتكى ثلاثة مرشحين من أن مدة مراجعة طلباتهم تأخرت لأكثر من خمسة أيام، ما تسبب في عدم قدرتهم على جمع التواقيع اللازمة، وأشاروا إلى ضغوط وتهديدات تعرض لها مواطنون وقعوا على طلبات ترشيحاتهم التي رفضت.
وينافس علييف كل من زاهد أروج، النائب السابق لرئيس حزب "عين الوطن" ونائب رئيس عضو مجلس الملة (البرلمان)، إلى جانب عضو البرلمان رازي نورولاييف. كما يشارك في السباق فاضل مصطفى، وهو نائب في البرلمان منذ 2005 عن حزب الأمة العظيم، وشارك في انتخابات 2008 الرئاسية، فضلاً عن إلشاد مصطفى، وهو رئيس حزب أذربيجان العظيمة، وسعى للمنافسة على انتخابات 2003 ولكنه لم يفلح في جمع 40 ألف توقيع ولذلك لم يخض الانتخابات. أما فؤاد علييف، وهو رئيس جمعية "دعم وحماية حقوق المواطنين"، فيترشح للمرة الثانية، بعدما نافس في انتخابات 2018 كمرشح مستقل. بدوره، ينافس قدرات مظفر أوغلو غسانغولييف كمرشح عن "الجبهة الشعبية لأذربيجان الموحدة"، وهو عضو في البرلمان منذ 2003 وترشح لانتخابات الرئاسة 2008 و2018.
مع العلم أنه باستثناء مصطفى فإن خمسة من المنافسين للرئيس الحالي شاركوا سابقاً في الانتخابات الرئاسية، لكنهم حصلوا على عدد قليل جداً من الأصوات ولم يطعن أي منهم في النتائج مطلقاً. وعلى العكس من ذلك، فقد أظهروا ولاءهم السياسي للسلطات.
وفي مؤشر إلى انعدام الأجواء التنافسية، وعدم وجود برامج سياسية للمرشحين، بدت الحملة الانتخابية باهتة وضعيفة، ولم يشارك الرئيس في ست مناظرات على التلفزيون الرسمي، ولم يوجه المرشحون الستة الآخرون أي انتقادات لرئيس الدولة في أي من المجالات، ولم يسعوا، حتى إلى إظهار ذاتهم كممثلين لقوة سياسية بديلة تتنافس على السلطة، ما يعني عملياً انعدام أي خيارات سياسية بديلة أمام الناخبين.
انتقادات لمسار انتخابات أذربيجان المبكرة
وفي يوم الجمعة الماضي، نشر مركز مراقبة الانتخابات وتعليم الديمقراطية تقريراً عن ترشيح وتسجيل المرشحين، والحملة الانتخابية. وخلص تقرير المركز، غير الحكومي، إلى أن تحديد موعد الانتخابات المبكرة قبل 14 شهراً من موعدها جعل من الصعب على جميع الأطراف المعنية المشاركة فيها بفعالية، بما في ذلك الأحزاب والمرشحون لمنصب رئيس الدولة وهياكل المجتمع المدني وهياكل المراقبة الدولية.
وأشار المركز إلى أنه على الرغم من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد ثلاث سنوات من الانتخابات البرلمانية، فإن السلطات الأذربيجانية لم تظهر خلال هذه الفترة الإرادة السياسية لتحسين التشريعات والممارسات الانتخابية بناءً على توصيات مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وجهات المراقبة المحلية والدولية الأخرى.
وأعرب المركز عن أسفه لتفاقم الأزمة المتعلقة بحماية الحرّيات السياسية في أذربيجان، موضحاً أنه لم تتم إزالة العقبات أمام ممارسة حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وأن الضغط تواصل على منظمات المجتمع المدني المستقلة.
وأشار التقرير بشكل خاص إلى زيادة الضغوط على وسائل الإعلام واضطهاد الصحافيين والناشطين السياسيين والمدنيين، ما أدى إلى انعدام بيئة ديمقراطية مواتية للمشاركة الفعّالة في الانتخابات من قبل هياكل المجتمع المدني والأحزاب السياسية. ومعلوم أن السلطات الأذربيجانية اعتقلت في الشهور الأخيرة أكثر من 13 صحافياً، إضافة إلى عشرات الناشطين السياسيين والمدنيين.
القائد المنتصر
وتنظم انتخابات أذربيجان المُبكرة بعد أكثر من ثلاث سنوات على الانتصار في حرب كاراباخ في خريف 2020، وبضعة أشهر من السيطرة الكاملة على إقليم كاراباخ التي هرب منها سكّانها الأرمن في 20 سبتمبر الماضي، بمعركة سريعة وصفها علييف بأنها "عملية لمحاربة الإرهاب".
يريد علييف تجديد شرعية نظامه باستغلال نشوة النصر في كاراباخ وارتفاع شعبيته
ويبدو أن تنظيم انتخابات أذربيجان المبكرة يأتي في إطار تجديد شرعية نظام علييف باستغلال نشوة النصر في كاراباخ وارتفاع شعبيته بشكل كبير، وتحوله في نظر كثيرين إلى القائد المنتصر بعد سنوات طويلة من خطاب اتسم بالسعي إلى الانتقام وإعادة كامل الأراضي المحتلة من أرمينيا جراء الحرب في بداية التسعينيات من القرن الماضي أثناء حكم والده. ومن المؤكد أن تقديم موعد الانتخابات يأتي في إطار استغلال فرصة الشعبية الكبيرة لعلييف "المنتصر" قبل التفات المواطنين إلى المشكلات الداخلية.
ويكشف تعمد علييف تقديم موعد الانتخابات كما جرى سابقاً في الانتخابات الرئاسية في 2018 والبرلمانية في 2020 إلى ترسيخ فكرة أن اللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة ينطلق من تأكيد الشرعية للنظام الحاكم، ويتحدد على أساس مصلحة النخبة الحاكمة وليس انطلاقاً من مراعاة الدستور بشأن العملية الديمقراطية.
ورغم عدم وجود استطلاعات للرأي حول شعبية علييف، فإن تقديرات عدة تذهب إلى أنه يتمتع بشعبية عزّزتها صورة الانتصار والقائد الذي لا يرضخ لأي ضغوط خارجية من الشرق أو الغرب لوقف الحرب أو التوصل إلى أي اتفاق سلام لا يضمن سيطرة بلاده المطلقة على كاراباخ. وصعدت شعبية علييف منذ عام 2020، حتى أن بعض معارضيه بدأ بكيل المديح له على انتصاره الحاسم.
تحديات اقتصادية واجتماعية
في المقابل، لا يمكن إهمال عامل مهم آخر ربما دفع علييف إلى خيار الانتخابات المبكرة، وهو أنه بعد حسم قضية كاراباخ التي حددت الأولويات في البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لا بد أن تتجه الأنظار إلى الأوضاع الداخلية والاقتصادية الصعبة بعد انتهاء نشوة النصر.
وتواجه الدولة الأذربيجانية توترات داخلية متزايدة وتردياً من خلال زيادة القمع وتنظيم انتخابات بنتائج يمكن التنبؤ بها تماماً. ومن الواضح أن الحكومة لا تريد مواجهة أي مشكلات خطيرة أو حتى بسيطة خلال فترة ما قبل الانتخابات.
وأطلقت السلطات منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي حملة منظمة ضد الصحافة المستقلة والناشطين السياسيين اعتقلت بنتيجتها عشرات من الصحافيين والمعارضين بذرائع مثل تهريب العملات الأجنبية أو حيازة وتعاطي المخدرات وغيرها.
وفي 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، كشفت لجنة الدولة للإحصاء أن الناتج المحلي الإجمالي في أذربيجان نما بنحو 1.1 في المائة في 2023 مقارنة بنحو 4.6 في المائة في 2022. ويعاني الاقتصاد الأذربيجاني من مشكلات هيكلية، مثل اعتماده الكبير على واردات النفط والغاز، وللمرة الأولى منذ سنوات لم يرتفع الحد الأدنى للأجور في العام الماضي واستقر عند قرابة 345 مانات (قرابة 200 دولار) شهرياً. وفي العام الماضي، قرّرت الحكومة وقف العمل بالضريبة التفضيلية لأصحاب المشاريع الصغيرة وبات عليهم دفع 20 في المائة من الأرباح بدلاً من 5 في المائة سابقاً، الأمر الذي يزيد الأعباء على أصحاب هذه المشاريع وبالتالي نقمتهم على الحكومة.
ومع توجه الحكومة إلى زيادة الإنفاق على إعادة إعمار كاراباخ ودمجها مع أذربيجان، أنفقت الحكومة قرابة 7 مليارات دولار من الموازنة لهذه الغاية. في المقابل، تراجع الإنفاق على المناطق الأخرى على مشاريع البنى التحتية، وهو ما سيؤدي حتماً إلى زيادة السخط في المناطق الريفية المحرومة من كثير من الخدمات في حين ينعم سكّان كاراباخ بموازنات كبيرة. ومما يعقد المشكلة توجه الحكومة إلى زيادة الإنفاق على تحسين العاصمة باكو، إذ أعلنت أخيراً أنها ستنفق 55 مليار دولار على مدار 16 عاماً على تنفيذ المخطط الرئيسي لتطوير المدينة.
تواجه الدولة الأذربيجانية تردياً في الاقتصاد وزيادة القمع
وفي ظل عدم قدرة العاصمة على استيعاب جميع الراغبين بالانتقال إليها، ترتفع معدلات البطالة في المناطق المختلفة. ورسمياً يبلغ معدل البطالة قرابة 5 في المائة من القوى العاملة في البلاد، ولكن مزيداً من التدقيق يكشف أن المعدلات أعلى بكثير وخصوصاً في المناطق القروية. فحسب تشريعات العمل، لا يعتبر مالكو الأراضي عاطلين من العمل، وبحسب البيانات الرسمية فإن 37 في المائة من السكان يعملون في الزراعة التي لا تشكل حسب الإحصاءات الرسمية أكثر من 6 في المائة من حجم الاقتصاد.
استمرار حكم العائلة
ويمهد فوز علييف المرتقب للشروع في حقبة جديدة بأذربيجان تنطلق من مبدأ "بناء الأمة" وتجديد الجمهورية على كامل أراضي البلاد، وتقوية التصورات بأن أسرة علييف هي المؤسس والضامن الحقيقي للدولة الأذربيجانية المعاصرة، فالوالد حيدر علييف أعلن الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي ورفض التنازل عن ناغورنو كاراباخ وواصل العمل على تحريرها مع المناطق الأذربيجانية الأخرى، والابن إلهام أنجز المهمة. وكل هذا يمهد لاستمرار حكم العائلة لاحقاً إن عبر تنصيب ميهربان علييف، زوجة إلهام والنائب الأول للرئيس حالياً، أو حيدر الحفيد، كما تذهب التقديرات، وذلك في بلد معارضته ضعيفة ومشتتة وغير معروف بالتقاليد والممارسات الديمقراطية.
ورغم ما سبق، فإن ما يُسجل لحيدر ولاحقاً لابنه إلهام علييف، هو النهج السياسي المستقل لدولة صغيرة محاطة بثلاث قوى إمبراطورية سابقة هي روسيا وإيران وتركيا، إضافة إلى عدم انجرارها للمشاريع الغربية لمحاصرة روسيا، وحسن استغلال حاجة أوروبا لتنويع مصادر الطاقة لتعزيز استقلالها وإن لم تنعكس واردات الطاقة على حياة شريحة واسعة من سكان البلاد. ورغم الاتهامات المتواصلة بالفساد وبناء نظام حكم يعتمد على العائلة، إضافة إلى الانتهاكات لحقوق الصحافة والمجتمع المدني، نادراً ما وجهت القوى الغربية انتقادات مباشرة لحكم عائلة علييف.