يواصل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان (قومي محافظ) تعكير أجواء العمل الأوروبي المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهذه المرة من بوابة عرقلة تبني الأوروبيين لحزمة مساعدات مالية عاجلة لأوكرانيا من أجل التغلب على مصاعب 2023، والتي من المفترض تمريرها قبل انقضاء العام الحالي، كما وعد الأوروبيون في وقت سابق.
وقبل عدة اجتماعات على مستويات وزارية، وقمة أوروبية الخميس القادم، تشعر بقية الدول الـ26 في النادي الأوروبي أن أوربان يتسبب بالمزيد من "الإحباط الدبلوماسي" بعد أن أفشل طيلة الأسبوع الماضي مفاوضات تمرير المساعدات والقروض إلى كييف.
واستطاعت بودابست خلال اجتماعات بروكسل الثلاثاء الماضي استخدام حق الفيتو لوقف تمرير القرض الأوروبي المشترك لأوكرانيا (نحو 18 مليار يورو) كنوع من ممارسة الضغوط على بقية دول الاتحاد الأوروبي في قضايا أخرى تتعلق بمحاولات أوروبية على أوربان للتوقف عما يسمونه في بروكسل "الخروج عن قواعد وقيم الاتحاد الأوروبي"، والتوعد بعقوبات مالية قاسية.
ويتهم بعض الدبلوماسيين والساسة الأوروبيين أوربان المتشدد قوميا بأنه يتصرف بطريقة "طفولية" ويأخذ أوروبا رهينة، ما أثار غضب دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق وهولندا والدنمارك والسويد وغيرها على مستوى القارة.
رهن العمل المشترك لتحقيق تنازلات
ويخشى صناع القرار في بروكسل، التي تشهد اجتماعات لوزراء الخارجية اليوم الاثنين وعلى مستوى القمة بعد أيام قليلة، من أن ينتهج أوربان سياسات تأخذ العمل المشترك كـ"رهينة" من أجل تحقيق تنازلات وتوقف التهديد بمعاقبته ماليا.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي ارتفع الصوت الأوروبي المنتقد لسياسات فيكتور أوربان خلال الأعوام الماضية على مستوى السياسة والقضاء والإعلام، بعد أن تراجع بنظر الأوروبيين عن مبدأ فصل السلطات، حيث علق أوربان مشروعا أوروبيا طموحا منذ ذلك التاريخ يتعلق بفرض ضريبة على الشركات العابرة للحدود بنسبة 15 في المائة، وهو ما اتفقت عليه أيضا منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD في خريف 2021.
"فيل في غرفة الاتفاقيات"
ويبدو أن الأخطر في سياسات أوربان الأوروبية، وفقا لتقديرات عدد من الدول الـ26 الأخرى، أن الرجل قادر على ما يبدو على التأثير السلبي في حشد الدعم اللازم لفرض جولة جديدة من العقوبات الروسية، ووضع المزيد من الأموال في الخزائن التي تمول شراء الأسلحة لأوكرانيا.
وتتطلب القرارات الأوروبية المشتركة إجماعا من الدول الأعضاء، وهو ما يستغله أوربان على ما يبدو هذه الأيام، في سياق مكاسرة للجم معاقبة بلده على سياساته، وخصوصا أن بودابست تعيش وضعا اقتصاديا صعبا هذه الأيام.
ويصف بعض السياسيين والدبلوماسيين الأوروبيين المتابعين للمفاوضات المحمومة في بروكسل ما يجري كـ"وجود فيل في غرفة الاتفاقيات". ويوم الثلاثاء الفائت قال مفوض الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، إن "أوكرانيا بحاجة إلى المساعدة، ولا يمكننا ببساطة السماح لدولة عضو واحدة بتأخير وإخراج مثل هذا القرار المهم عن مساره، وسنقوم بتسليم الأموال، سواء كانت الخطة (أ) أو الخطة (ب).
مرارة العلاقة الأوروبية المجرية، وبالأخص منذ تحولات أوروبان في 2013 إلى انتهاج سياسات قومية متشددة ومتقاربة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تدفع أوروبا إلى "الخطة (ب)"، وهي التي على ما يبدو تسير نحو إيلام بودابست ماليا. إذ إن خيار طرد المجر، ليس بالأمر الهين على مستوى الاتحاد الأوروبي، بينما تبقى العقوبات المالية على الطاولة.
أما بقية الدول في المعسكر الأوروبي فهي قادرة على لي ذراع أوربان من خلال تجميد خطة التعافي في المجر، وهي التي إذا لم تمرر من وزراء المالية قبل نهاية العام الحالي فسيجري تجميد نحو 70% منها (نحو 6 مليارات يورو) في الوقت الذي تعيش فيه البلاد على شفا أزمة اقتصادية ليست في مصلحة معسكر "فيديز" الحاكم في بودابست.
وما يعزز التوجه نحو تلك الخطة ما كشفته تصريحات وزيرة المالية السويدية إليزابيث سفانتيسون يوم الثلاثاء الماضي التي قالت فيها، إن ما يجري "مباراة (مبارزة) أعتقد أن المجر ستخسرها وسنفوز بها. وأفترض أن المجر تريد أموالها، وهنا الوقت في مصلحتنا".
مطالبات بانتهاج خط تصادمي أكثر مع سياسات أوربان
وعلى ما يبدو فإن غضب مجموعة من الدول (وتحديدا بعض دول شرق القارة والبلطيق وإسكندنافيا وهولندا)، ومطالبها بانتهاج خط تصادمي أكثر مع سياسات أوربان، غير كاف لجذب الدول الأوروبية الوازنة إلى نفس السكة، كما هو الحال مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا (حيث الأخيرة تحكم من يمين قومي متطرف).
وفي اجتماعات المجلس الأوروبي الثلاثاء الماضي اكتشفت الدول الصغيرة أن الدول الكبيرة في القارة غير مستعدة بعد لسحب البساط الاقتصادي من تحت أقدام أوربان، وهم يراهنون على قيام المفوضية الأوروبية بإجراء تقييم للوضع القانوني لفصل السلطات داخل المجر.
وأوصت لجان في المجلس الوزاري الأوروبي، بعد تقييمات نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتجميد نحو 8 مليارات يورو كمساعدات لبودابست، مطالبة الأخيرة بإجراء إصلاحات لأجل تحرير المبلغ.
وتخوض المجر إصلاحات خاطفة في السياق، لكنها على ما يبدو من رد المفوضية الأوروبية مساء الجمعة الماضي غير كافية: "فالقوانين الخاطفة تشكل خطرا كبيرا، ويمكن أن ينتهي الأمر بأموال الاتحاد الأوروبي إلى الفساد والمحسوبية، بحيث يتعذر على مجلس الوزراء الإفراج عنها".
بعبارة أخرى فإن سياسة المكاسرة بين الطرفين المجري والأوروبي، بمستوياته البرلمانية والوزارية ورئاسة المفوضية، باتت اليوم تواجه أزمة في العمل الأوروبي المشترك، وبانتظار قمة الخميس القادم في بروكسل في وقت تستمر استراتيجية أوربان في استغلال الواقع الصعب في القارة العجوز على مستويات الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وتعقد العلاقة بموسكو.
ورغم ذلك فإن ثمة مراهنات أوروبية على عامل الوقت، ومن زاوية الحاجة الماسة لبودابست للأموال الأوروبية، وهو ما ستحسمه الأيام المتبقية من العام الحالي.