تشهد العاصمة القطرية الدوحة، اليوم السبت، احتفالية كبيرة بمناسبة اليوم الوطني، الذي يأتي هذا العام وقد طويت صفحة الأزمة الخليجية عقب المصالحة في "قمة العلا" بالسعودية مطلع العام الحالي، قبل أن تُشكِّل مقررات القمة الخليجية الـ42، التي عقدت في 14 ديسمبر/كانون الأول الحالي، تكريساً إضافياً لأجواء التضامن وإزالة الخلافات.
كما تحتفل قطر هذا العام بيومها الوطني، وهي تحتضن العرب، في بطولة "كأس العرب"، التي تقام مباراتها النهائية اليوم. وهي تترقب، في الوقت نفسه، إطلاق صافرة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي تقام لأول مرة في بلد عربي.
تختتم الاحتفالات بالمسير الوطني الذي يتضمن عروضاً جوية وبحرية وبرية
يضاف هذا إلى قائمة من الإنجازات على مختلف الصعد، بما في ذلك السياسية، خصوصاً بعد أن تحولت الدوحة إلى عاصمة للعمل الدبلوماسي والإنساني بشأن أفغانستان، عقب التطورات التي شهدها هذا البلد جراء الانسحاب الأميركي في أغسطس/آب الماضي.
واليوم الوطني القطري، هو الذكرى السنوية لتولي الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، مؤسس دولة قطر، الحكم في العام 1878. ويتذكر فيه الأبناء والأحفاد بطولات وتاريخ الآباء والأجداد، وأدوارهم في بناء دولة قطر الحديثة.
احتفالات قطر تحت شعار "مرابع الأجداد... أمانة"
وتقام احتفالات هذا العام تحت شعار "مرابع الأجداد... أمانة"، المستمد من أحد أبيات المؤسس. وتُبين قصة الشعار ارتباط القطريين بشكل وثيق ببيئتهم منذ القدم، حيث تربوا فيها وتأثروا بخصائصها وتعايشوا معها بحسب طبيعتها وتغير مواسمها وظروف مناخها، حتى شكلت جزءاً من وجودهم، ومؤثراً أساسياً في بناء شخصيتهم وهويتهم.
وتنظم سنوياً في الدوحة وغيرها من المدن القطرية احتفالات بهذه الذكرى، تختتم بالمسير الوطني (العرض العسكري)، الذي يتضمن عروضاً جوية وبحرية وبرية. ويقام المسير الوطني على كورنيش الدوحة، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكبار المسؤولين في الدولة، وجمهور كبير يحرص سنوياً على المشاركة في هذا الاحتفال.
وقال المنسق العام للمسير الوطني اللواء الركن سالم فهد الحبابي، في تصريحات صحافية، إن المسير الوطني هذا العام سيكون شبيهاً بالسيناريو للذي سيجري العام المقبل خلال انطلاق بطولة كأس العالم 2022. وأوضح أنه سيبدأ بإطلاق المدفعية 18 طلقة عند منطقة الكورنيش إيذاناً ببدء العروض العسكرية، بمشاركة العديد من القطع البحرية الجديدة التي انضمت حديثاً إلى القوات المسلحة، بالإضافة إلى زوارق القوات الخاصة. وعن القوات الجوية ستشارك طائرات "أف 15" و"فالكون" الخاصة بالإخلاء، بالإضافة إلى "رافال" و"تايفون"، وطوافات "إن أتش 19" و"أباتشي"، وطائرات التدريب التابعة لكلية الزعيم محمد عبدالله العطية، ثم عرض المشاة، من مختلف فروع القوات البرية والجوية والبحرية. كما سيشمل المسير الوطني عروضاً بالقفز المظلي الحر.
وكانت اللجنة المنظمة للاحتفالات قد أعلنت في وقت سابق عن فعاليات اليوم الوطني لسنة 2021، والتي أقيمت، في عدد من المدن القطرية على مدى أيام. ومن الفعاليات المصاحبة للاحتفالات "الألعاب الشعبية"، و"العكاس" وتتضمن التقاط الصور التذكارية المستوحاة من التراث القطري القديم، و"مجلس النوخذة"، وفيه يتم استقبال الزوار وتقديم الضيافة على الطريقة التراثية، و"متحف الفريج" الذي يحتوي على مجموعة من النماذج التي تعبر عن الألعاب الشعبية القديمة، والسفن القديمة.
تحولت الدوحة إلى مقر مؤقت للبعثات الدبلوماسية الغربية العاملة في كابول، ومركز للتنسيق الدولي لعمليات الإجلاء والإغاثة
كما تضمنت عروضاً للحرف اليدوية مثل "النداف"، و"القلاف"، و"الكندري"، و"المطبخ". وتضمنت الفعاليات "المطوع"، والتي يقوم المطوع خلالها بمشاركة مجموعة من الفتيات والفتيان بتقديم حزمة من الأنشطة الثقافية والرياضية القديمة، و"النهام"، التي يتم فيها تقديم عروض للفنون الشعبية القديمة، كفن النهمة، و"عرضة هل قطر" التي تكون فيها الصفوف متراصة كالجنود، في مشهد يذكّر بتلاحم صفوف الفرسان في المعركة.
زخم دبلوماسي عالمي في الدوحة
وتحولت الدوحة إلى عاصمة للعمل الدبلوماسي والإنساني بشأن أفغانستان، بعد سقوط حكومة أشرف غني، ودخول حركة "طالبان" كابول في أغسطس/آب الماضي. وتابع العالم على مدار أسابيع الجهود القطرية في أفغانستان للمساعدة في عملية الإجلاء وتقديم المساعدات للأفغان، ضمن رؤية واضحة تقوم على دعم جهود ما بعد الحرب لنهضة هذا البلد، وقيام حكومة تشاركية، وتشديد على فصل المساعدات الإنسانية عن المسارات السياسية في أفغانستان.
وجاءت هذه الجهود استكمالاً للدور الذي بذلته الدوحة، وسهل التوصل إلى الاتفاق الذي أبرم بين "طالبان" وأميركا، في فبراير/شباط من العام الماضي في العاصمة القطرية.
وزار الدوحة على مدى أسابيع مسؤولون من مختلف دول العالم، كان من بينهم وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان أنتوني بلينكن ولويد أوستن اللذان أعربا عن تقدير الرئيس الأميركي جو بايدن للجهود القطرية في دعمها لعملية السلام في أفغانستان، ودورها المحوري في تسهيل عمليات إجلاء المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة والمدنيين الأفغان، إضافة إلى استضافة الدوحة للمفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وطالبان، منوهين بالشراكة الوثيقة بين البلدين، وبالدور الدبلوماسي لدولة قطر الذي يسهم في حفظ الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
كما زار الدوحة وزراء خارجية العديد من الدول الأوروبية ممن دولهم على تماس مع الأزمة في أفغانستان. وتحولت العاصمة القطرية إلى مقر مؤقت للبعثات الدبلوماسية الغربية العاملة في كابول، ومركز للتنسيق الدولي لعمليات الإجلاء والإغاثة.
وقامت قطر، عبر أسطولها الجوي، في تسهيل نقل وإجلاء عشرات الآلاف من العالقين في أفغانستان، إلى مقرات مؤقتة في الدوحة، ومن ثم إلى وجهاتهم النهائية. وعملت على تقديم المساعدات الطبية والغذائية إلى المحتاجين في فترة مضطربة. وساعدت في إعادة تشغيل مطار كابول، عبر تقديم مساعدة تقنية.
أول انتخابات تشريعية ونجاح اقتصادي في قطر
وخلال هذا العام أيضاً شهدت قطر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أول انتخابات تشريعية، والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 63 في المائة ممن يحق لهم الاقتراع. وانتخب القطريون 30 عضواً في المجلس، فيما عيّن أمير قطر الشيخ تميم 15 عضواً، وفقاً للدستور.
عبد العزيز كمال: قطر تسعى، من خلال جهودها المتواصلة، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في أفغانستان
اقتصاديا، ووفق أرقام رسمية، فقد حققت الموازنة العامة لدولة قطر فائضاً بقيمة 4.9 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، بنهاية الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، مقابل عجز قدره 4.2 مليارات ريال في الفترة نفسها من العام الماضي. وخلال الربع الثالث من 2021 بلغت قيمة الفائض 900 مليون ريال، مقابل عجز بـ2.7 مليار ريال في الفترة ذاتها من العام 2020.
وذكرت وزارة المالية القطرية، في بيان أخيراً، أن ميزانية الدولة سجلت إيرادات بإجمالي 47 مليار ريال، مقابل مصروفات بلغت 46.1 مليار ريال خلال الربع الثالث من 2021. ووصل متوسط سعر النفط في الميزانية إلى 73.2 دولاراً أميركياً للبرميل.
وارتفعت الإيرادات النفطية بنحو 35 في المائة، فيما ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنحو 31 في المائة. وشكلت الإيرادات المحققة في الربع الثالث من العام الحالي حوالى 29.3 في المائة من المقدر تسجيلها في 2021، رغم نموها سنوياً في نفس الفترة بنسبة 20.6 في المائة.
وبلغت قيمة الإيرادات النفطية المسجلة في الربع الثالث من العام الحالي 41.2 مليار ريال، بنمو سنوي بلغ 34.6 في المائة، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط. في المقابل، تراجعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 30.8 في المائة إلى 5.7 مليارات ريال.
وارتفعت المصروفات في الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 10.7 في المائة، وشكلت 23.7 في المائة من المقدر إنفاقها في العام المالي 2021 البالغ 194.7 مليار ريال. وبلغت مصروفات المشروعات الرئيسية 16.3 مليار ريال، فيما تجاوز إجمالي الإنفاق على المشروعات الرئيسية للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 46 مليار ريال قطري.
فرحة مضاعفة بانحسار جائحة كورونا في قطر
وقال عضو مجلس الشورى القطري السابق عبد العزيز كمال، لـ"العربي الجديد"، إن ذكرى اليوم الوطني غالية وعزيزة على كل مواطن ومقيم. وأضاف: فرحتنا هذا العام مضاعفة بانحسار جائحة كورونا، التي عطلت الكثير من الأنشطة والفعاليات، واستضافة كأس العرب، بحضور عربي كبير في دوحة الجميع.
ولفت كمال إلى نجاح الدبلوماسية القطرية، في نزع فتيل عدد من الأزمات في المنطقة. وقال إن دولة قطر تؤمن بالسلام، وتدعو لحل الخلافات عن طريق الحوار، وهي نجحت، خلال استضافتها لمفاوضات السلام في أفغانستان بين "طالبان" والولايات المتحدة الأميركية، في التوصل لاتفاق ينهي الحرب هناك.
وأوضح أنها "نجحت من خلال تدخلها الإنساني، بعد الانسحاب الأميركي والغربي من أفغانستان، في منع تفاقم الأزمة، حيث أدت دوراً كبيراً في عمليات الإجلاء وإعادة تشغيل مطار كابول، وتقديم المساعدات الغذائية والطبية العاجلة. وهي تسعى، من خلال جهودها المتواصلة، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية هناك".
إبراهيم الهاشمي: سياساتنا الخارجية انعكاس لقيم دولة قطر، قيادة وشعباً
وأشار كمال إلى أن منطقة الخليج تشهد صفحة جديدة في العلاقات فيما بينها، حيث انتهت الأزمة الخليجية بالمصالحة، وهي أزمة مفتعلة بين الأشقاء، حيث ثبت أن دولة قطر كانت محقة في مواقفها، ولم تستجب للشروط، التي ظلت حبراً على ورق. وأوضح أن مجريات هذه الأزمة أثبتت أن الخلافات في وجهات النظر، مهما اشتدت، تحل على طاولة الحوار، وهي السياسة التي انتهجتها دولة قطر، ولا زالت.
السياسة الخارجية انعكاس لقيم دولة قطر
من جهته، قال مدير المكتب الإعلامي بالإنابة بوزارة الخارجية القطرية، إبراهيم الهاشمي، لـ"العربي الجديد" إننا "نستحضر بفخر في هذا اليوم الوطني الغالي على قلوبنا، ذكرى تأسيس الدولة القطرية على يد المغفور له بإذن الله الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، ويزيدنا اعتزازاً تمسك الشعب القطري بدينه وعاداته وتقاليده، وانفتاحه في نفس الوقت على العالم والمتغيرات الدولية".
وشدد الهاشمي على أن "سياساتنا الخارجية ما هي إلا انعكاس لقيم دولة قطر، قيادة وشعباً، فهي المنفتحة على الجميع، الجامعة بين الفرقاء، المساهمة في التنمية والسلام، والممتدة أياديها البيضاء شرقاً وغرباً".
وأشار إلى أنه على الرغم من جائحة كورونا، وما خلفته من صعوبات، فإن هناك الكثير من المحطات المضيئة التي نفخر بها، ابتداء باتفاق العلا الذي جمع الأشقاء، إلى جهودنا في أفغانستان، التي حفظت الآلاف من الأرواح، وعكست مرونة ومكانة دولة قطر دولياً، واستمرار عملنا التنموي في عدد من الدول، وعلى رأسها فلسطين الشقيقة.
وأعلن أن العام 2021 سيختتم وقد جمعت دولة قطر الأشقاء العرب في بطولة كأس العرب في الدوحة، والتي لاقت نجاحاً باهراً. ونتطلع بكثير من الحماس إلى استضافة محبي كرة القدم من مختلف بقاع الأرض العام المقبل، في أول بطولة كأس عالم ستقام في منطقتنا.
قطر رقم صعب في المنطقة
وعبر الكاتب والإعلامي القطري صالح غريب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن سعادته بعودة المياه إلى مجاريها بين قطر والرباعي العربي، بعد المصالحة الخليجية. واعتبر أن الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلف عنه في الأعوام السابقة، حيث أصبحت قطر رقماً صعباً في المنطقة، وكانت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الدوحة، أخيراً، تأكيدًا على المصالحة، وأنهت حصار قطر.
اعتبر صالح غريب أن الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلف، إذ أصبحت قطر رقماً صعباً في المنطقة
وعن الفعاليات التي تشهدها قطر بمناسبة اليوم الوطني، أوضح غريب أن هذا الشهر (ديسمبر)، بما احتواه من فعاليات، سواء إقامة بطولة كأس العرب، أو الاحتفال باليوم الوطني تحت شعار "مرابع الأجداد... أمانة" جاء لتوعية الجيل الناشئ بمعاني الولاء والتكاتف والوحدة وغرسها في نفوسهم.
وأشار إلى أنه يأتي للتعريف بالتراث والتاريخ القطري الأصيل، والتركيز على الفعاليات ذات الأصول التاريخية، لترتبط ارتباطاً مُباشراً بالهوية الوطنية والتقاليد المميزة.
وأوضح أنه يأتي لربط الماضي ومواقفه الوطنية، التي تعكس قيم الولاء والتكاتف والوحدة، بمواقف مُعاصرة تعكس القيم ذاتها، وتجسيد المفاهيم والقيم الوطنية وتفعيلها على أرض الواقع، وذلك بتفاعل المُواطنين والمُقيمين خلال اليوم الوطني للدولة.
وشدد غريب على أن "نجاحات دولة قطر على جميع الصعد، إعلامياً وسياسياً ورياضياً، جعلتنا كشعب قطري نفخر بقيادتنا وبتكاتف الشعب". وأعلن أن "إجراء انتخابات مجلس الشورى كتحول ديمقراطي في دولة قطر، ونجاحها في أفغانستان، يكشف عن رؤية ثاقبة لقطر، كدولة محبة للسلام، تؤمن بالحوار وسيلة لحل الخلافات".